الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القمة «العربية ـــ الصينية» تعيد صياغة التوازنات الاقتصادية العالمية

تحتضن العاصمة السعودية الرياض اليوم، أول قمة عربية صينية بمشاركة نحو 15 رئيسا وزعيما عربيا فى مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يعقد على هامش القمة عددًا من اللقاءات الثنائية مع القادة والزعماء، بدأها  فور وصوله أمس، بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس الصينى شى جين بينغ وولى العهد رئيس الوزراء السعودى الأمير محمد بن سلمان، ويلتقى اليوم مع  رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد وملك دولة البحرين وأمير  دولة الكويت والرئيس التونسى  قيس سعيد والرئيس السودانى عبدالفتاح البرهامى ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمى، وعدد أخر من الرؤساء والقادة العرب .



ويسبق القمة العربية – الصينية، قمة خليجية - صينية تجمع الرئيس الصينى بقادة دول مجلس التعاون الخليجى، وقد استهل الرئيس الصينى زيارته بعقد قمة سعودية صينية أعقبها توقيع عدد من الاتفاقيات فى مختلف المجالات بقيمة تتجاوز 110 مليارات ريال سعودى، كما تم على هامش القمة السعودية الصينية توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة والصين، وخطة المواءمة بين رؤية المملكة 2030، ومبادرة الحزام والطريق، وإطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافى بين السعودية والصين.

وأكد الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودى، أن العلاقات بين بلاده والصين استراتيجية ووثيقة فى ظل التطورات والتغيرات التى تشهدها الساحة الدولية، مشيراً إلى أنها تتميز بالصداقة والثقة المتبادلة والتعاون والتنسيق المستمر، منوهاً بما أسهمت به اللجنة المشتركة رفيعة المستوى، من تطويرها فى العديد من المجالات.

وكان الرئيس الصينى شى جين بينغ قد وصل مساء الاربعاء إلى الرياض فى زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لعقد قمة «سعودية - صينية» بمشاركة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وقمتى الرياض «الخليجية والعربية - الصينية» للتعاون والتنمية، بحضور قادة الدول وممثليهم.

وأوضح الأمير فيصل بن فرحان، أن استضافة الرياض للقمم الثلاث تؤكد العزم المشترك نحو تطوير العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين بلداننا، معرباً عن تطلع بلاده للعمل مع الصين والدول الخليجية والعربية على تكثيف التعاون فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، بما يحقق المزيد من الأمن والاستقرار والنمو والازدهار للجميع.

وأضاف أن العلاقات الاقتصادية بين الرياض وبكين تسير بخطواتٍ متسارعة فى ظل «رؤية السعودية 2030» و«مبادرة الحزام والطريق»، اللتين تطرحان فرصاً واعدة للتعاون والمنفعة المتبادلة والتنمية المستدامة، مبيناً أن الصين تحتل الصدارة كشريك تجارى للمملكة، ووجهة للصادرات والواردات السعودية منذ عام 2018. وأشار إلى ارتفاع حجم التجارة البينية فى عام 2021 عند 309 مليارات ريال بزيادة 39%عن 2020.

وتشكل القمة الصينية العربية فى الرياض، محطة هامة ضمن سياق عالمى يسعى للخروج من هيمنة القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، بدأت تتجلى معالمه فى أكثر من منطقة، فالصين الطامحة لتجاوز الولايات المتحدة والتربع على عرش أكبر اقتصاد عالمى فى عام 2030، بحاجة إلى شراكة استراتيجية مع  الدول العربية التى تتحكم فى أهم طرق ومعابر التجارة العالمية بين الشرق الأقصى وأوروبا، وتتحكم فى سوق الطاقة العالمى التى لا غنى للصين عنها لتحريك عجلة اقتصاده الضخم، والهيمنة على التجارة العالمية، بينما تحتاج الدول العربية للاستفادة من التكنولوجيا الصينية واستثماراتها فى البنية التحتية.

فالمصالح الصينية العربية متشابكة إلى حد التكامل فى الكثير من الملفات، خاصة الاقتصادية منها، والتجارة بينهما تضاعفت لنحو عشر مرات فى أقل من عقدين، حيث ارتفع التبادل التجارى بيم الطرفين من 36.7 مليار دولار فى 2004 عند تدشين منتدى التعاون الصينى العربى إلى 330 مليار دولار فى 2021، وفق المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وهذا الرقم يجعل من الصين الشريك التجارى الأول للدول العربية مجتمعة متفوقة على الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، كما الاستثمارات الصينية فى الدول العربية 213.9 مليار دولار ما بين 2005 و2021، ما يعطى لهذه الشراكة بُعدا اقتصاديا أكثر متانة، يتجاوز الجوانب التجارية التى ميزت العلاقة بين الدول الغربية والمنطقة العربية

وتفتح القمة العربية – الصينية الأولى الباب واسعا أمام مرحلة جديدة فى مسار الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين بخصائص وسمات واضحة لا تتوقف عند حدود التنمية المشتركة والتكامل، بقدر ما تنسحب على مجمل العلاقات الدولية بإرهاصاتها ومسارات توازناتها.

ويُنظر إلى هذه القمة الأولى من نوعها فى تاريخ العلاقات العربية – الصينية على أنها واحدة من المحطات التى من شأنها تحديد ملامح المشهد على الصعيدين الإقليمى والدولى الذى بدأ يتشكل على وقع جملة من التحديات التى تعددت بتعدد الاتجاهات التى تتحكم فيها.

ويرى مراقبون أن هذه القمة ستُشكل قاعدة لمتغيرات قادمة لجهة إعادة صياغة التوازنات الجيوسياسية، للاستجابة لمُجمل التحديات المطروحة، وخاصة منها الحرب الروسية فى أوكرانيا، وما أفرزته تداعياتها من تطورات مفصلية فى خارطة التحالفات الإقليمية والدولية.