الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
على الكسار عبقرى طواه النسيان!

على الكسار عبقرى طواه النسيان!

من أجمل وألطف الشخصيات الفنية التى تناولها الأديب الكبير «محمود تيمور» فى كتابة «طلائع المسرح العربى» شخصية الفنان الرائع «على الكسار» الذى قام ببطولة أكثر من مائة وستين مسرحية وعشرة أفلام سينمائية منها «سلفنى ثلاثة جنيه» و«على بابا والأربعين حرامى»، و«الساعة 7» و«أخلاق للبيع» وغيرها.



فى تلك الأيام كان الفنان «نجيب الريحانى» ملء السمع والبصر بشخصيته الشهيرة «كشكش بيه» عمدة كفر البلاص ويقول الأستاذ «محمود تيمور»:

فى هذه الحقبة اقتحم الميدان الفنان الأسمر «على الكسار» وهو رجل كان يزاول حرفة الطهى، ووجد فى نفسه الاستعداد لتمثيل الهزليات فظهر فى الأفراح والليالى الملاح مما يحييه الأهل فى حفلاتهم الخاصة، وسرعان ما وجد أصحاب المسارح الذين راعهم نجاح الريحانى فى مفاكهاته يتقدمون لاقتناصة ليتسنى لهم به بعض ما نال الريحانى من نجاح.

وكان أن ألف «على الكسار» فرقة هزلية وأتخذ لنفسه شخصية عثمان عبدالباسط - بربرى مصر - الوحيد ليناظر بها شخصية كشكش بيه عمدة كفر البلاص، وأشرك معه مغنيا شابا عذب الصوت اسمه مصطفى أمين.

لقى «عثمان عبدالباسط» رواجا كبيرا عند رواد المسارح إذ وجدوا فيه تمثيلا بارعا لخلاصة رجل الشارع الصميم فى حياته: فيه بساطته الطيبة الخيرة، وفيه روحه المرحة الصافية، وفيه استمساكه بالأخلاق التقليدية الفاضلة، وفيه دقة إحساسه بالأحداث من حوله، وفيه تعبيره عن هذه الأحداث فى دعابة وسخرية، وفيه رضا عن الحياة وإقباله عليها، على الرغم مما يعانيه فيها من قسوة وشظف، وفيه أشواقه إلى غد أسعد ومستقبل أمثل.

وقد صور «على الكسار» تلك الشخصية فى مسرحياته الهزلية خير تصوير، وأداها أجمل أداء، فكان هو عماد تلك المسرحيات، بل كان كل شىء فيها، ضوءه يطمس كل ضوء غيره، وصوته يخمد كل صوت سواه.

والعجيب أن «على الكسار» بلغ ذلك المبلغ وهو رجل فطرى حاز القمة دون صنعته أو تعليم أو ثقافة، فما أظن أنه شهد تمثيلا أجنبيا إلا فى الندرة، وما أحسب أنه قرأ من الأدب المسرحى شيئا قل أو كثر! فهو فنان يستمد قوته وقدرته من طبيعته الذاتية، وقد تجلت مواهبه فيما فطن إليه من فلسفة الشعب المصرى، وفيما انعكس عليه من خصائص حياته، فعرف له الشعب ذلك حق المعرفة وقدره التقدير كله، وسخاله بالكثير والارتياح.

إن جيلنا الذى عشنا فيه زمن الشباب مدين لعلى الكسار بتلك السهرات الضاحكة الأنية التى قضاها معه يستمرئ لونا من فن التسلية المسرحية، فقد كان «على الكسار» مرحلة من مراحل تطور التمثيل الفكاهى عقب الثورة المصرية، ثورة التحرير والاستقلال سنة 1919، ولا ريب فى أن الرجل كان فنانا أصيلا مفطورا على براعة الأداء، موهوبا فى القدرة على التفكيه، موفور الحظ من ظرف ولطف وخفة روح، وقد ابتكر لنفسه تلك الشخصية الطريفة، شخصية «عثمان عبدالباسط» الشهير بـ«بربرى مصر الوحيد» التى تمثلت فيه مجموعة من الخصائص والشمائل تعتبر استجابة صادقة لما يعتلج فى النفسية الشعبية لذلك العهد وهى نموذج مصرى عميق فى مصريته ذو إطار هزلى ساخر.

وأخيرا يقول: «محمود تيمور»: على أن «على الكسار» فى أفقه المحدود ألتزم نموذجا واحدا وشخصية متكررة وموضوعات متشابهة تجرى فى دوائر مفرغة فلم يتح له أن يبقى طويلا فى مكانه من القمة، وجعل تألقه يخبو، تاركا المجال لمن أخذ بأسباب التجديد مسايرا تطور الوعى الشعبى والفنى جميعا، ذلك التطور الذى يتطلب الطرافة والابتكار وينشد السمو بالتمثيل على اختلاف مناحيه!

وإذا كان على الكسار قد شهد فى حياته كيف وهج زمانه وكيف توهجت بطولته، ثم شهد كذلك كيف انصرف الجمهور عنه إلى فن جديد يتذوقه، فإن الذى لا شك فيه أن الرجل قد استطاع أن يخلد اسمه صورة شائقة لجانب من تراثنا الشعبى الفنى وأن يجعلنا نعتز بذكراه.. طيب الله ثراه».