الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السقا يهرب من المقارنة مع المهندس.. وأيمن بهجت قمر يكسب الرهان

سيدتى الجميلة

تشكل مسرحية «سيدتى الجميلة» فى الذهن والوجدان للراحلين المؤلف بهجت قمر والمخرج حسن عبد السلام وانتاج سمير خفاجى وبطولة الفنان فؤاد المهندس وشويكار النموذج الذى يحتوى على أصل الأشياء، فهذا العمل هو النموذج الأمثل لصناعة عرض مسرحى ممتد الصلاحية ومكتمل الأركان، ترك بصمة وأثرا يشبه النقش على الحجر، لا يزول بمرور السنوات ولن يمحى بالإعادة والتكرار، بل يتجدد الحب والشوق لتلك الأيام وتلك الصناعة المسرحية المغزولة بحرفة ومزاج فنى رفيع، فهو أحد الكلاسيكيات الباقية ما بقيت الحياة.



كانت مفاجأة كبيرة أن يفكر الشاعر أيمن بهجت قمر نجل الكاتب الراحل بإعادة هذا التراث خلال عصر جديد، مفاجأة وجرأة أدهشت الجميع إقدامه على إعادة كتابة وانتاج «سيدتى الجميلة» للقطاع الخاص بما يتوافق وتقاليد العصر الحالى، بالطبع تباينت ردود الأفعال بين مؤيد لهذه الإعادة ومعارض لها وبشدة، فى حين أن «سيدتى الجميلة» عمل مسرحى مقتبس بالأساس من مسرحية الكاتب الإنجليزى برنارد شو «بجماليون»، إلا أن البعص يرى أنها ملك لنا وملك لتراثنا الذى لا يصح العبث به وإعادة تكراره مهما كان اسم أبطاله الجدد، بجانب أنه لن يقوى أحد على منافسة المهندس وشويكار الثنائى الأشهر بالمسرح والسينما، بالتأكيد ليس هناك جدل على عدم القدرة على الدخول فى منافسة أو مقارنة مع العمل الأصلي، فمن الصعب إعادة وتكرار النماذج الأصلية بنفس تقاليد صناعتها الفنية، بينما من الممكن محاكاة هذه النماذج.

 لكل عصر شكل صناعته وحدود إبداعه الذى تجاوز كل حد مع فريق عمل «سيدتى الجميلة» هذا العرض الاسثثنائى فى تاريخ المسرح المصرى، لكن ليس هناك مانع من الإقدام على خوض التجربة وإعادة صياغتها وانتاجها من جديد خصوصا والنص الأجنبى نفسه قابل لإعادة الصياغة والكتابة وتقديمه عشرات المرات بصيغ وأساليب وأبطال مختلفين، وبالتالى مبدأ المعارضة من البداية دون الإطلاع على التجربة كان نوعا من الحجر على الإبداع وممارسة الوصاية على الأعمال الكلاسيكية التى لن تسىء لها الإعادة أو تضيف، فهى أعمال باقية وناجحة فى حد ذاتها تحمل مذاقها وتجربتها الخاصة التى لا تشبه أحدا.

لم يتوقف أيمن بهجت قمر عند تجربة والده الراحل فى كتابة وصياغة عرض «سيدتى الجملية» بل وضع بعض التغييرات واللمسات الصغيرة التى تضمن للعرض عدم المقارنة مع الماضي، حتى يخرج من فخ المقارنة لعب الكوميديا بشكل معاصر ومختلف مع احتفاظه بالهيكل الأساسى للمسرحية الأصلية، تم تغيير الزمن فأصبحت المسرحية تدور فى العصر الحالي، يعمل كمال الطاروتى فى إحدى القنوات الفضائية لتعليم «الإتيكيت» لدى صاحب ومالك مجموعة هذه القنوات افندينا الرجل الكبير الذى أراده أن يتزوج من عشيقته لكن كمال هرب منه إلى هذه الحارة الفقيرة والتى تجمعه مفارقات كوميدية مع سكانها، احتفظ قمر ببعض الشخصيات لكن ليس بنفس روح وشكل الشخصيات الأصلية مثل زوربيح وسليط، لعب بهما بشكل مغاير للكوميديا التى قدمها كل من سيد زيان وفاروق فلوكس، والتى كانت تشبه شخصيات الكاريكاتيور فى هيئتها وطريقة حركتها على المسرح، بينما هنا لم يتم استغلالهما بنفس الشكل خشية المقارنة مع السابقين، وكذلك تم مزج شخصية الباشا الكبير مع شخصية عبد الله فرغلى فى المسرحية الأصلية وقدمهما وكأنهما شخصية واحدة ففى النهاية تسعى صدفة للكشف عن حقيقة هذا الرجل المدعى الانتماء للطبقة الراقية، احتفظ بشكل أساسى بشخصيات صدفة، كمال الطاروتي، حسن صديقه، حسب الله بعضشي، والأسطا عطا وإن قدمها بشكل وطريقة مختلفة عن العمل الأصلى، وبالتالى نحن هنا أمام عرض مسرحى يسعى لمحاكاة النموذج الأصلى فى عناصر نجاحه الفنية بإعادة استغلال شخصيات المسرحية وصناعة كوميديا تتوافق مع تقاليد وشكل العصر الحالى، رؤية معاصرة لـ«ٍسيدتى الجميلة» مع إعادة استغلال الأغانى وإفراز لوحات استعراضية جديدة عليها، وليس مجرد إعادة العمل وتكراره وتقليده بلا رؤية أو منطق من هذه الإعادة. بين فؤاد المهندس وأحمد السقا مسافات كبيرة فى التلاقى على أرضية واحدة، الأول يشكل النموذج الأمثل للكوميديان، والثانى النموذج الأمثل للأكشن و«الجان» وهنا سنقع فى أزمة التصنيف كيف يتم اختيار أحمد السقا المصنف تصنيفا آخر بعيدا عن الكوميديا، بمقاييس النجومية أحمد السقا يشكل عنصر جذب لدى الجمهور كنجم كبير له محبوه فى توجهه الذى انتهجه منذ البدايات، لكن ما علاقة «السقا» بكمال الطاروتى وسيدتى الجميلة، فى حسابات السوق اختيار النجم المحبوب لدى الجماهير قد يتجاوز أزمة التصنيف وقد يتخذ المخرج والمنتج اختياره راهنا على إعادة تقديمه فى ثوب جديد يفاجئ به جمهوره الذى اعتاده فى ثياب محددة، فى «سيدتى الجميلة» لعب السقا كوميديا محايدة اختار أن يقف فى المنطقة الرمادية ما بين الجدية والكوميديا، لن تستطيع تصنيف ما يقدمه على أنه كوميديا صرف أو العكس، هو بين الاثنين ثم كان أذكى فى إطلاق مساحة الكوميديا والعنان ل»توتا» محمد عبد الرحمن فى دور حسن الذى كان بمثابة الورقة الرابحة للعرض من البداية وحتى نهايته لعب عبد الرحمن شخصية حسن المكتوبة بالعصر الحالي، والتى تم غزل كوميديا تشبه الزمن الذى جاءت منه بمهارته المعتادة وقوة حضوره وذكائه فى الدخول والخروج عن النص بما يناسب العرض وبما لا يحمله أكثر مما يطيق كان «توتا» ومحسن منصور فى دور افندينا الباشا الجدار الذى استند عليهما السقا فى النهوض بالعمل إلى مرتبة أعلى فى صناعة الضحك وغزل وتقديم كوميديا مختلفة خرجت بالعرض من فخ المقارنة تماما مع فؤاد المهندس، اكتفى السقا بحضوره كنجم مع بعض اللمسات الكوميدية الخفيفة واستند على زملائه فى صناعة الضحك، وبالتالى فتح مساحة لأيمن بهجت قمر فى خلق حالة من التوازن بصناعة الكوميديا الموزعة بين انماط مختلفة من الكوميديانات محمد عبد الرحمن ومحسن منصور، ثم علاء مرسى فى دور حسب الله بعضشى كان لهذا الرجل حضور فنى لافت بالعرض قدمه مرسى بما يليق بمشواره وتاريخه ابتعد كل البعد عن فخ المقارنة بالفنان جمال اسماعيل قدم الشخصية بروحه ومذاقه الخاص، ثم كانت مفاجأة العرض ريم مصطفى التى سعت بدأب وجهد كبير لتقديم شخصية صدفة بعضشى على طريقتها الخاصة جدا، التى لا يمكن أن تشبه شويكار ولن تفكر فى المقارنه معها، بينما أخذتها ريم إلى عالمها الخاص وقدمتها وكأنها لم يسبق لها وأن قدمت من قبل، تعاملت مع صدفة وكأنها تقدم للمرة الأولى على خشبة المسرح،أضافت لها من روحها وخفتها ورشاقتها وجهدها ما يليق بحجم الشخصية التى كتبها الراحل بهجت قمر، كان لأبطال العمل أيضا حضور خاص وبصمة واضحة فى أدواره المتفرقة مثل مصطفى عبد السلام فى دور الأسطا عطا قدمه بأسلوبه وطريقته أيضا، وكذلك أسامة عبد الله «عم لالو»، جابر فراج زوربيح، محمد يسرى سليط، شريهان الشاذلى شجر الدر، لكن يبقى ضرورة الإشارة والإشادة بذكاء وحكمة المخرج الشاب مصطفى حسنى فى إعادة صياغة رؤية إخراجية جديدة لمسرحية «سيدتى الجميلة» برغم صعوبة تلك المهمة الشاقة إلا أن حسنى استطاع الخروج من هذا الفخ إلى بر الأمان لعب بذكاء الكبار بما ينجيه من فخ المقارنة بالأصل، فأكثر ما قد يؤرق المخرج فى مقارنة العمل القديم بالحديث ارتباط المشاهد وجدانيا بمشاهد والفاظ بعينها،ويعتبر مشهد «التعليم» المشهد الأشهر الذى يرتبط به الجمهور المصرى وجدانيا وذهنيا، فمن لم يشاهد المسرحية كاملة يتلخص العرض لديه فى هذا المشهد فقط، المشهد نفسه له رصيد من الذكرى أكبر من العرض بالكامل، خرج حسنى من هذا المأزق بلعبة «الفوتو مونتاج» قدم المشهد فى تقطيع متواز ومتصل وفى لقطات خاطفة، مع مشهد استعراض ثابت على أغنية «مسكين كمال بيه»، ثم انتهت علاقة العرض بالمشهد تماما الذى انتهى سريعا فى لمحات خاطفة كالبرق، وكأن المخرج يتخلص من عبء ثقيل  بخشيته من اللعب فى ثوابت وجدانية لدى الجماهير، تحد كبير اجتازه بمهارة وذكاء فريق عمل «سيدتى الجميلة» فى التعامل مع هذا الاختبار الصعب فى إعادته للحياة بروح معاصرة للقطاع الخاص بزمن جديد، العرض إشراف على الديكور دكتور محمود صبري، استعراضات مصطفى حجاج، إضاءة أحمد الدبيكى.