الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

باليه موسكو.. الجمال النائم

نجوم البولشوى و المارينيسكى يقدمون حركات إيقاعية على أنغام موسيقى تشايكوفسكى

استضافت دار الأوبرا فريق باليه موسكو الروسى بمشاركة نجوم مسرحى البولشوى والمارينيسكى لتقديم العرض الشهير «الجمال النائم» للموسيقار تشايكوفسكي؛ والذى يعد أحد اشهر الأعمال الكلاسيكية العالمية؛ عرض للمرة الأولى عام 1890 على مسرح مارينسكى بسان بطرسبرج؛ وصمم رقصاته الاصلية ماريوس باتيبا .. يدور حول الاميرة الصغيرة التى تدبر ساحرة شريرة حيلة لقتلها فى سن السادسة عشرة نتيجة جرح من إبرة مغزل؛ ورغم احتياطات والدها الملك تنجح الحيلة فتموت الفتاة على الفور إلا أن بعض الجنيات الطيبات يتعاطفن معها ويحولن موتها إلى نوم طويل ثم يربطن استيقاظها بظهور امير شاب ينتصر على الوحش وينقذ «الجمال النائم».



الباليه هو فن إتقان البلاغة بالصمت من خلال الحركة والإيماءة على ايقاعات الموسيقى المتنوعة؛ وفى هذا العمل ومع فريق باليه موسكو لم يكتف الراقصون بإتقان الحركة بخفة ورشاقة ولياقة بدنية عالية بينما قدموا إيقاع حركى على انغام موسيقى تشايكوفسكى أقرب للخشوع والصلاة؛ اتحدن الراقصات فى عذوبة ورقة على خشبة المسرح الكبير؛ تحولن عابدات سائحات هائمات فى ملكوت آخر؛ خرجن من عالم الأرض إلى حالة من التأمل بالخشوع والصبر والخضوع للحركة المحسوبة على أنغام الموسيقى وكأنهن فى حالة عبادة متصلة؛ قمة التركيز والتوحد مع حالة فنية تجردن فيها من الذات بالدخول إلى عالم أرحب يشبه التأمل بالحركات والإيماءات الراقصة؛ لمحات من السمو الفنى والروحانى أبدعها الراقصون بهذا العرض؛ أدين بحرفة واقتدار الفلسفة الأسمى والأرقى لفن البالية الذى يحمل مزيجا من الطاقة الإيجابية بالتأمل وحالة روحانية أقرب للتصوف والتزهد بإنطلاق الجسد المتحرر والمتجول فى كائن آخر نزعت صفته البشرية وملامحه الأنثوية متساميا إلى براءة الملائكة؛ وكأن الراقصون يمارسون رياضة اليوجا بالانفصال عن الذات والواقع بحركات جسدية متقنة مدروسة ومحسوبة بعدد الأنفاس والخطوات التى تظن من شدة دقتها كأنهن اخترعن طقس خاص بالصلاة للموسيقى فى عشق الجمال النائم .

استعرض الراقصون خلال العرض مهاراتهم الجسدية؛ جاء العمل معبرا عن مستويات التفاوت البدنية بين الفريق بشكل فردى وثنائى أكثر منه تعبيرا عن القصة الرئيسية للباليه نفسه؛ اتخذ معظم الراقصين أوضاعا متفرقة بالأداء الحركى الوقور؛ أدت كل واحدة منهن رقصتها وكأنك على موعد للاستماع  ومشاهدة صوت الآلات يتجسد فى إيقاع قفز حركتهن مع الموسيقى؛ جسدت كل منهن صوت الآلة وكأنهن تحولن إلى إنسان على هيئة آلة موسيقية راقصة نابضة بالحياة على المسرح.

حالة من الإبداع الاسثتنائى انفرد به فريق باليه موسكو؛ اتضح هذا الاستثناء فى الحرفة الفنية العالية التى اتقن بها أعضاؤه حركته سواء بالمشاهد الفردية أو الثنائية أو الجماعية التى تحرك فيها الجميع على قلب رجل واحد؛ وكأنهم جميعا شخص واحد؛ لا فارق يفصل بينهم سوى تعدد أجسادهم على المسرح؛ اتسمت هذه الأجساد بمقاييس دقيقة فى تحديد الطول وأحجام الأجسام المتشابكة معا؛ والتى نتج عنها الانتظام والانضباط الشديد بالأداء الحركى الجماعي؛ وبالرغم من عدم وجود ديكورات تدعم قصة العرض خلت خشبة المسرح من قطع الديكور إلا بعض الستائر التى استخدمت كخلفيات للتعبير عن حالة المشهد والمكان الذى تدور فيه الأحداث حاليا؛ بينما التصميم المتنوع ومتعدد التشكيل للملابس بالألوان الزاهية والنقوش المزخرفة منحت العمل بريقا آخر وحالة من الوهج والبهجة؛ وبالتالى كان لها الأثر الأكبر فى الإضافة للشكل الجمالى الجاذب والخاطف لأبصار الجمهور؛ حيث إكتقى الفريق بصناعة صورة مسرحية رائعة بتنوع الأزياء وألوانها مع التكوينات الحركية الجماعية أغنت العرض عن عدم احتوائه على ديكورات ضخمة كما هو متوقعا بهذا النوع من العروض.

تضم فرقة باليه موسكو نخبة من أفضل راقصى الباليه من جنسيات مختلفة منها روسيا، أوكرانيا، إسبانيا، كازاخستان، اليابان، مولدوفا، الأرجنتين وغيرها، يجمع ريبرتوارها عدد ضخم من اهم اعمال الباليه الكلاسيكى بشكلها الاصلى مما حقق لها  قاعدة جماهيرية دولية وشاركهم العرض بالقاهرة أعضاء من فريق باليه مارينيسكى والبولشوي.

..«يقال أن فن الباليه ترجع نشأته إلى الحضارة الفرعونية القديمة عام 2500 قبل الميلاد وذلك طبقا لبعض النقوشات والصور التى وجدت على المعابد من الأسرة الخامسة حيث تظهر رسومات نساء يرقصن فى جماعات يؤدين حركات تشبه إلى حد كبير حركات الباليه؛ أما البدايات الرسمية الأولى لفن الباليه كانت فى القرن الخامس عشر الميلادى بإيطاليا عندما أظهرت وقتها شعوب أوروبا اهتماما بالفنون والعلوم بوجه عام؛ والاهتمام بجسم الإنسان بوجه خاص باعتباره الأداه الرئيسية لإحداث النهضة على كل المستويات الاقتصادية والعلمية والثقافية ومن هنا ظهر الاهتمام بفن الباليه بوصفه إحدى المهارات التى بإتقانها يرتقى جسد الفرد ويسمو عقله؛ كما استخدم الإرستقراطيون والنبلاء فى إيطاليا الفنون كوسيلة وطريقة للتباهى بقوتهم الاقتصادية وزيادة نفوذهم السياسي؛ وعندما وصل الملك الفرنسى تشارلز الثامن هو وجيشه إلى إيطاليا؛ اكتشف رقص الباليه المنتشر بين المآدب فجلب هذا الفن إلى فرنسا؛ وأثناء زفاف أخت ملكة فرنسا فى عام 1581 تم عرض أول مسرحية رقص باليه فى التاريخ تحمل عنوان «الباليه الكوميدى للملكة» من تأليف مصمم رقصات إيطالى ومنذ ذلك الحين أصبح الباليه جزءا مهما من حياة العائلة الملكية فى القرن السابع عشر..