السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الانصراف مبكرا والانشغال بالعبادة

الدين برىء من دعاوى إهمال العمل فى نهار رمضان

بطبيعة الحال تتقلص عدد ساعات العمل فى نهار رمضان إلى 6 ساعات فى الكثير من المصالح والشركات، وهى المدة التى قد لا تكفى لإنجاز المصالح المطلوبة بالفعل، لكن على الصعيد الآخر قد نجد موظفًا ينشغل بقراءة القرآن والتسبيح أكثر من انشغاله بإنجاز العمل المطلوب، حتى أصبح الأمر وكأنه عادة متعارف عليها، والحقيقة أنها عادة سيئة لا تتفق ومقاصد الشرع الحنيف.



«الدنيا صيام»، جملة لطالما تسببت فى تعطيل مصالح العباد فى شهر رمضان، إذ ترسّخ فى أذهان الكثيرين أن رمضان شهر الصوم والصلاة وقراءة القرآن ولا مجال للعمل «بما يرضى الله ورسوله»، حتى أصبح العمل عبادة منسيّة فى نهار الشهر الفضيل.

تحدث الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، عن النظرة إلى نهار رمضان باعتباره يعطل العمل ويحتاج المرء خلاله إلى الراحة بدلًا من بذل الجهد، قائلًا: «إن الصوم مزكيًا للعمل ومحرضًا عليه وينشط الجسد ولا يجعله فى حالة خمول كما يعتقد البعض».

وأضاف المفتى أنه لم يرد أن النبى صلى الله عليه وسلم أو المسلمين كانوا يتركون فيه أعمالهم وأمور معاشهم للتفرغ للعبادة، سواء كانت الصيام أو القيام، بل يجمعون بين ذلك كله فى توازن وانسجام وفق نظام مُحكم يضمن أداء العبد ما افترضه الله تعالى من عبادات واستقرار العمل واستمرار الإنتاج وسلامته بطريقة وسطى لا إفراط فيها ولا تفريط.

وتابع أن الصوم عبادة ينبغى أن ينعكس على سلوك المرء وفى أدائه عمله وقضاء حوائج الآخرين، مستشهدًا بالحديث النبوي: «من بات كالًا من عمل يده بات مغفورًا له».

وأكد مفتى الجمهورية أن الصوم يرتقى بطبع الصائم -الذى قد يكون عاملًا أو صاحب جهة عمل- إلى جماع الكمالات المحمودة كمراقبة الله تعالى، وانضباط الباطن كما هو فى الظاهر، والحلم، والعدل، والعفو والصفح، وحسن المعاملة، وجميل العِشرة، والوقار، والأمانة.

وتابع: «جعل الشرع الشريف العمل والعبادة قيمتين متلازمتين فى سائر أحوال الإنسان؛ فالعبادة عمل يتقرب به العبد إلى مولاه، كما أن العمل -بكل صوره التى فيها معانى العمران والإصلاح- طاعة لله تعالى، والمتأمل فى النصوص الشرعيَّة والسيرة النبوية وتاريخ الأمة يجد أن هناك علاقة وثيقة بين شهر رمضان وبين العمل والحث على إتقانه؛ وذلك من خلال ما اختص الله تعالى به هذا الشهر الفضيل من نفحات».

من جانبها أكدت الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الشريعة والفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن ثواب الشهر الفضيل لا يكتمل إلا بالحفاظ على حق العمل، متابعة: «رمضان شهر له منزلة خاصة عند الله ورسوله والمسلمين أجمعين، فهو مدرسة شرعها الله لتهذيب النفوس، وتطهيرها من الذنوب، وتقريب القلوب، ونزل فى حقه آيات تبين هدف ذلك الشهر الفضيل».

وذكرت أستاذ الفقه المقارن أن الدين برىء من كل مظهر يسيء إليه من أى شخص خاصة فى شهر رمضان، قائلة: «لا تكونوا سببا فى أن يبغض أحدهم شهر رمضان بسبب تعطيل مصالحه، كونوا خير نموذج للمسلم الصالح الحريص على مصالح العباد، وهذا لا يمنع الاهتمام بالعبادات كالصوم والصلاة والقيام وقراءة القرآن، ولكن فى أوقاتها المناسبة».

ومن جانبه أكد الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه لا يوجد فى الدين ولا فى فقه الصيام أو مقاصده ما يدعو لأن يحصل الإنسان على إجازة كاملة ويترك عمله طوال الشهر الكريم أيا كان الهدف، موضحا أنه وإن كان لا حرمة فى ذلك، إلا أن من يفعل ذلك ليس هو بالتأكيد «الصائم المثالى».

وتابع عضو مجمع البحوث الإسلامية: «الصيام فريضة هدفها المشاركة فى المشقة والتعب والإحساس بالتعب والمعاناة، فكيف يكون تأديتها من خلال إجازة كاملة فى رمضان، حتى لو كان الهدف التعبد، لأن مشقة الصيام هى جزء أساسى من العبادة نفسها».

وأشار إلى أن ذلك ينسحب أيضًا على من ينعزلون عن الناس فى نهار رمضان ويقضون الصيام فى النوم، لأن جزءًا أساسيًا من حكمة الصيام تتحقق مع وقوع الإنسان تحت اختبار المعاملات مع الآخرين، لتبين قدرته على تحمل الفتن ومواجهة المعصية ومجاهدة النفس، وليس أن ينعزل تمامًا.

فيما انتقدت الداعية الإسلامية، الدكتورة وفاء عبدالسلام، ظاهرة نوم بعض الموظفين فى مكان عملهم بنهار رمضان قائلة: «رمضان ليس للصوم والصلاة والقرآن فقط، فلا يصح أن تجور العبادة على العمل، وينام الموظفون صباحًا بحجة تأثير الصوم على نشاطهم، والأمر أصبح وكأنه حق مكتسب للموظف أن ينام فى محل عمله».

وتابعت الداعية الإسلامية فى تصريحاتها لـ»روزاليوسف»: أن رمضان فرصة للتخلص من أى عادة سيئة، وتصويب العلاقة مع الأهل والجيران والزملاء فى العمل، فالدين الإسلامى عبادات ومعاملات، والصوم لا يعنى فقط الامتناع عن الأكل والشرب، فهذا صوم العوام، ونحن نحتاج أن نرتقى لصوم الخصوص الذى يجمح الجوارح عن الآثام.

واختتمت بقولها: «المسلمون مرآة لدينهم، والمسلم الحق يحرص على صورة دينه ولا يجعل من الصوم حجة لتعطيل مصالح الناس، والحقيقة أن الصوم يرتقى بصحة الفرد ولا يحوله إلى شخص متكاسل».