41 عامًا على «تحرير سيناء» مـن الاحــتــلال والإرهـــاب

الحسين عبدالفتاح
«إن يوم الخامس والعشرين من أبريل سيظل يوما خالدًا فى ذاكرة أمتنا تجسدت فيه قوة الإرادة وصلابة العزيمة أكدتها أجيال أدركت قيمة الانتماء لوطنها فوهبت أنفسها للدفاع عن ترابه تلوح عاليًا برايات النصر فى سماء العزة والكرامة الوطنية فتحية، إلى كل من ساهم فى سبيل استعادة هذه الأرض المقدسة وعودتها إلـى أحضان الوطـن الأم «مصـر»، تحية لشهداء مصر الخالدين فى ذاكرتها الذين جادوا بالروح والدم من أجل بقاء الوطن حرًا أبيًا، وتحية لرجال الدبلوماسية المصرية الذين خاضوا معركة التفاوض بكل صبر وجلد لاستعادة الأرض الحبيبة، وتحية إلى روح الرئيس الراحل «محمد أنور السادات» الذى اتخذ قرارى الحرب والسلام بشجاعة الفرسان، وبرؤية القائد الذى يتطلع لتوفير المناخ الآمن، وتحقيق الاستقرار لشعبه، وكافة الشعوب المحبة للسلام إلى أن استعدنا أرضنا كاملة لنبدأ بعدها مرحلة جديدة، فى تعمير سيناء الغالية ليكون ذلك بمثابة خط الدفاع الأول عنها ولعلكم تلمسون حجم المشروعات، التى تنتشر فوق ربوعها والتى تهدف إلى تنميتها والاستفادة من خيراتها وتحقيق الرفاهية لأهالى سيناء الحبيبة»، كانت تلك الكلمات جزءًا من كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أحد الاحتفالات بذكرى تحرير سيناء، والذى يأتى هذا العام، بعدما نجحت الدولة المصرية فى القضاء على الإرهاب وعودة مظاهر الحياة إلى طبيعتها، علاوة على إقامة عشرات المشروعات العملاقة لتنمية «أرض الفيروز» وربطها بكل محافظات الجمهورية. القارئ للتاريخ، يدرك أن المصريين مستعدين للتضحية بأرواحهم، فداء لوطنهم، وهذا ما تجلى بعد « نكسة 67»، حيث قاتل المصريون بشجاعة وبسالة حتى استعادوا الأرض، وبعد القتال بالسلاح، جاء الدور على الدبلوماسية المصرية والتى خاضت معركة «التفاوض»، حتى نجحت فى استعادة آخر جزء من الأراضى المصرية، وعادت «طابا» لأحضان الوطن فى 25 أبريل 1982، ليكتمل تحرير الأرض، بعودة آخر شبر من سيناء فى مارس 1988.
بعد أيام قليلة من نكسة 1967، واعتقاد العدو الإسرائيلى، أن الهزيمة قضت على المصريين، استيقظ على « كابوس»، بعدما شهدت جبهات القتال معارك «ضارية»، أكدت له أن بقاءه على أرض سيناء لن يستمر طويلًا، إذ تلقت قوات العدو العديد من الضربات التى كانت بمثابة صدمة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، استمرت حتى السادس من أكتوبر 1973، حيث انطلقت القوات المصرية معلنة بدء معركة العبور، والتى خاضتها مصر «جيشًا وشعبًا» فى مواجهة إسرائيل، واقتحمت القوات المسلحة قناة السويس واستولت على خط بارليف، وكان من أهم نتائج تلك الحرب استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، واسترداد جزء من الأراضى فى شبه جزيرة سيناء وعودة الملاحة فى قناة السويس فى يونيو 1975، كما أسفرت حرب التحرير عن نتائج مباشرة على الصعيدين العالمى والمحلى من بينها، انقلاب المعايير العسكرية فى العالم شرقًا وغربًا، وتغيير الاستراتيجيات العسكرية فى العالم، والتأثير على مستقبل كثير من الأسلحة والمعدات، علاوة على عودة الثقة للمقاتل المصرى والعربى بنفسه وقيادته وعدالة قضيته، كما شهدت أروع الأمثلة فى الوحدة العربية، والتى تمثلت فى تعاون جميع الدول العربية مع مصر، سواء كان ذلك عبر الدعم المادى والعسكري، بالإضافة لمشاركة بعض الدول بجنود ومعدات، الأمر الذى جعل العرب قوة دولية لها ثقلها ووزنها الدبلوماسى والعسكرى، ونجحت مصر فى إذلال العدو المتغطرس وقضت على أسطورة الجيش الذى لا يقهر. كما مهدت حرب أكتوبر، الطريق لعقد اتفاق «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل فى سبتمبر 1978، عقب مبادرة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، التاريخية فى نوفمبر 1977 وزيارته للقدس.
المفاوضات السياسية
بعد اليوم السادس عشر من بدء حرب أكتوبر، بدأت المرحلة الثانية لاستكمال تحرير الأرض عن طريق المفاوضات السياسية، حيث تم إصدار القرار رقم 338، والذى يقضى بوقف جميع الأعمال العسكرية بدءًا من 22 أكتوبر، وذلك بعد تدخل الولايات المتحدة والدول الأعضاء فى مجلس الأمن، والذى قبلته مصر ونفذته مساء يوم صدور القرار، إلا أن خرق القوات الإسرائيلية للقرار أدى إلى إصدار مجلس الأمن قرارًا آخر يوم 23 أكتوبر، يلزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار، والذى التزمت به إسرائيل ووافقت عليه، ودخولها فى مباحثات عسكرية للفصل بين القوات الأمر الذى أدى إلى توقف المعارك فى 28 أكتوبر بوصول قوات الطوارئ الدولية إلى جبهة القتال على أرض سيناء.
مباحثات «الكيلو 101»
تم فى تلك المباحثات الاتفاق على تمهيد الطريق أمام المحادثات السياسية للوصول إلى تسوية دائمة فى الشرق الأوسط، حيث تم التوقيع فى 11 نوفمبر 1973، على اتفاق تضمن التزامًا بوقف إطلاق النار ووصول الإمدادات اليومية إلى مدينة السويس، وتتولى قوات الطوارئ الدولية مراقبة الطريق ثم يبدأ تبادل الأسرى والجرحى، واعتبر هذا الاتفاق مرحلة افتتاحية مهمة فى إقامة سلام دائم وعادل فى منطقة الشرق الأوسط.
اتفاقيات فض الاشتباك الأولى والثانية
فى يناير 1974 تم توقيع الاتفاق الأول لفض الاشتباك بين مصر وإسرائيل، والذى حدد الخط الذى ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية على مساحة 30 كيلومترًا شرق القناة وخطوط منطقة الفصل بين القوات التى سترابط فيها قوات الطوارئ الدولية، وفى سبتمبر 1975 تم التوقيع على الاتفاق الثانى، الذى بموجبه تقدمت مصر إلى خطوط جديدة مستردة بلغت نحو 4500 كيلو متر من أرض سيناء، ومن أهم ما تضمنه الاتفاق أن النزاع فى الشرق الأوسط لن يحسم بالقوة العسكرية ولكن بالوسائل السلمية.
مبادرة الرئيس السـادات
أعلن الرئيس أنور السادات فى بيان أمام مجلس الشعب، أنه على استعداد للذهاب إلى إسرائيل، وقام بالفعل فى نوفمبر 1977 بزيارتها وإلقاء كلمة بالكنيست، طارحًا مبادرته التى كان من أبرز ما جاء فيها أن توقيع أى اتفاق منفرد بين مصر وإسرائيل ليس واردًا فى سياسة مصر، ومؤكدًا أن تحقيق أى سلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل بغير حل عادل للقضية الفلسطينية فإن ذلك لن يحقق أبدًا السلام الدائم العادل الذى يلح العالم كله عليه.
ثم طرحت المبادرة بعد ذلك خمسة أسس محددة يقوم عليها السلام وهي:
ـ إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية التى احتلت عام 1967.
ـ تحقيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطينى وحقه فى تقرير المصير بما فى ذلك حقه فى إقامة دولته.
ـ حق كل دول المنطقة فى العيش فى سلام داخل حدودها الآمنة والمضمونة عن طريق إجراءات يتفق عليها تحقيق الأمن المناسب للحدود الدولية بالإضافة إلى الضمانات الدولية المناسبة.
ـ تلتزم كل دول المنطقة بإدارة العلاقات فيما بينها طبقًا لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وبصفة خاصة عدم اللجوء إلى القوة وحل الخلافات بينهم بالوسائل السلمية. ـ إنهاء حالة الحرب القائمة فى المنطقة.
مؤتمر كامب ديفيد
فى 5 سبتمبر 1978 وافقت مصر وإسرائيل على الاقتراح الأمريكى بعقد مؤتمر ثلاثى فى «كامب ديفيد» بالولايات المتحدة الأمريكية، وتم الإعلان عن التوصل لاتفاق يوم 17 سبتمبر من ذات العام، والتوقيع على وثيقة كامب ديفيد فى البيت الأبيض يوم 18 سبتمبر 1978، ويحتوى الاتفاق على وثيقتين مهمتين لتحقيق تسوية شاملة للنزاع العربى الإسرائيلى، الوثيقة الأولى؛ إطار السلام فى الشرق الأوسط: نصت على أن مواد ميثاق الأمم المتحدة، والقواعد الأخرى للقانون الدولى والشرعية توفر الآن مستويات مقبولة لسير العلاقات بين جميع الدول، وتحقيق علاقة سلام وفقا لروح المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة وإجراء مفاوضات فى المستقبل بين إسرائيل وأى دولة مجاورة مستعدة للتفاوض بشأن السلام والأمن معها، وهو أمر ضرورى لتنفيذ جميع البنود والمبادئ فى قرارى مجلس الأمن رقم 242 و338.
الوثيقة الثانية؛ إطار الاتفاق لمعاهدة سلام بين مصر وإسرائيل: وقعت مصر وإسرائيل فى 26 مارس 1979 معاهدة السلام اقتناعًا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم فى الشرق الأوسط وفقًا لقرارى مجلس الأمن 242 و238، وتؤكدان من جديد التزامهما بإطار السلام فى الشرق الأوسط المتفق عليه فى كامب ديفيد.
معاهدة السلام
وقعت مصر وإسرائيل معاهدة السلام فى 26 مارس 1979، اقتناعًا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل فى الشرق الأوسط، حيث نصت المعاهدة على إنهاء الحرب بين الطرفين وإقامة السلام بينهما وسحب إسرائيل كل قواتها المسلحة وأيضًا المدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب وتستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء.
عودة سيناء
أدت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل إلى انسحاب إسرائيلى كامل من شبه جزيرة سيناء، وعودة السيادة المصرية على كامل ترابها المصرى وقد تم تحديد جدول زمنى للانسحاب المرحلى من سيناء على النحو التالى:
ـ فى 26 مايو 1979: رفع العلم المصرى على مدينة العريش وانسحاب إسرائيل من خط العريش / رأس محمد وبدء تنفيذ اتفاقية السلام.
ـ فى 26 يوليو 1979: المرحلة الثانية للانسحاب الإسرائيلى من سيناء (مساحة 6 آلاف كيلومتر مربع ) من أبوزنيبة حتى أبو خربة.
_فى 19 نوفمبر 1979: تم تسليم وثيقة تولى محافظة جنوب سيناء سلطاتها من القوات المسلحة المصرية بعد أداء واجبها وتحرير الأرض وتحقيق السلام.
ـ فى 19 نوفمبر 1979: الانسحاب الإسرائيلى من منطقة سانت كاترين ووادى الطور، واعتبار ذلك اليوم هو العيد القومى لمحافظة جنوب سيناء.
وفى يوم 25 أبريل1982 تم رفع العلم المصرى على حدود مصر الشرقية على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء واستكمال الانسحاب الإسرائيلى من سيناء بعد احتلال دام 15 عامًا وإعلان هذا اليوم عيدًا قوميًا مصريًا فى ذكرى تحرير كل شبر من سيناء فيما عدا الجزء الأخير ممثلًا فى مشكلة طابا التى أوجدتها إسرائيل فى آخر أيام انسحابها من سيناء، حيث استغرقت المعركة الدبلوماسية لتحرير هذه البقعة الغالية سبع سنوات من الجهد الدبلوماسى المصرى المكثف.
عودة طابا
خلال الانسحاب النهائى الإسرائيلى من سيناء كلها فى عام 1982، تفجر الصراع بين مصر وإسرائيل حول طابا وعرضت مصر موقفها بوضوح وهو أنه لا تنازل ولا تفريط عن أرض طابا، وأى خلاف بين الحدود يجب أن يحل وفقًا للمادة السابعة من معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية والتى تنص على:
1_ تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضات.
2_ إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضات تحل بالتوافق أو تحال إلى التحكيم، وقد كان الموقف المصرى شديد الوضوح وهو اللجوء إلى التحكيم بينما ترى إسرائيل أن يتم حل الخلاف أولًا بالتوافق.
وفى 13 يناير 1986، أعلنت إسرائيل موافقتها على قبول التحكيم، وبدأت المباحثات بين الجانبين وانتهت إلى التوصل إلى «مشارطة تحكيم» وقعت فى 11 سبتمبر 1986، والتى تحدد شروط التحكيم، ومهمة المحكمة فى تحديد مواقع النقاط وعلامات الحدود محل الخلاف.
وفى 30 سبتمبر 1988، أعلنت هيئة التحكيم الدولية فى الجلسة التى عقدت فى برلمان جنيف حكمها فى قضية طابا، والتى حكمت بالإجماع أن طابا أرض مصرية.
وفى 19 مارس 1989، رفع علم مصر على طابا المصرية معلنًا نداء السلام من فوق أرض طابا.