الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فتوي إهدار دم البرادعي
كتب

فتوي إهدار دم البرادعي






 
كرم جبر روزاليوسف اليومية : 23 - 12 - 2010


مصر دولة القانون ولسنا في عصور الجاهلية

(1)

أختلف مع الدكتور البرادعي من الألف إلي الياء، ولكنني أدين بشدة الفتوي الصادرة من بعض رجال الدين المتشددين بإهدار دمه، فنحن في دولة القانون التي لاتعرف مثل هذه الفتاوي الفوضوية.

أختلف مع كل ما يطرحه البرادعي من فتاوي سياسية تعيش في عالم من الخيال، البعيد كل البعد عن الواقع الذي تعيشه البلاد، ولكنني أدين الفتاوي الدينية التي يمكن أن تفتح علي البلاد بوابة جهنم.
نختلف مع البرادعي، ونرد عليه بالعقل والمنطق والفكر، وليس بالكرباج والسيف والمقصلة، فهذه هي شيم المجتمعات المتحضرة التي تعتنق مبدأ التسامح السياسي وليس التكفير الديني.
(2)
الفتوي تهدر دم البرادعي استناداً إلي أنه «يشق عصا الناس» وأن «منازعة الحاكم لا تجوز شرعاً وعقلاً» وأنه يجب «قتل من يفرق الجمع كائناً من كان».
مثل هذا الكلام يصلح في العصور الجاهلية، وفي حكم طالبان والقاعدة وأمراء التشدد والتطرف، ولكن قوام الحكم في مصر هو التعددية السياسية التي تقبل الاختلاف أيا كان.
مصر لا يحكمها إلا دستور واحد، يضع جميع أبناء الوطن علي قدم المساواة، يؤمَّن حياتهم ويحفظ حاضرهم ومستقبلهم ويصون الحريات العامة ويعلي شأن العدالة.
(3)
إذا كان من يطلق مثل هذه الفتاوي يتصور أنه يتقرب من الحاكم أو يقدم فروض الولاء والطاعة، فقد أخطأ الحسابات وسلك أكثر الطرق التي تثير الشجب والاستنكار.
الرئيس يفتح قلبه وعقله للجميع فهو زعيم كل المصريين، ومنذ أن تولي الحكم لم يحدلحظة واحدة عن ترسيخ دعائم الدولة المدنية التي تحتوي تحت مظلتها جميع أبناء الوطن.
لقد تنازل الرئيس عن حق التقاضي الذي يمنحه القانون لأي مواطن مصري، لأنه الرئيس ولا يصح أن يكون أبداً في خصومة مع أحد مواطنيه حتي لو مست الانتقادات شخصه.
(4)
إذا كان صاحب الفتوي يزعم أن «القتل يمنع الشر»، فهو يفتح كل أبواب الشر، ويضع السيف في يد جلاد طائش لا يرحم، وإذا دار السيف فلن يشبع إلا بمزيد من الدماء.
الفتوي ضد البرادعي اليوم، وضد المثقفين غداً، وكل من يختلف معهم المتطرفون بعد غدٍ، وما شاء الله، ففي مصر طابور من الدعاة الذين تصدر عنهم في اليوم الواحد آلاف الفتاوي.
الطامة الكبري هي أن يكون هؤلاء هم الأوصياء علي المجتمع ولو رجعنا للتاريخ فكل المآسي الكبري التي تعرضت لها البلاد جاءت من هذه البوابة الجهنمية التي تتمسح بالدين.
(5)
دعائم الدولة المدنية هي الفصل بين الدين والسياسة لأن خلطهما مفسدة كبري، وما أخطر أن يمسك رجل الدين في يده دستوراً يفسره علي مزاجه بعيداً عن القانون.
القانون هو الذي يحاسب المخطئ، والقضاء هو الحارس الأمين الذي يحمي سيادة القانون، فكيف تهدر هذه الضمانات الدستورية، جرياً وراء متشدد يتوهم أنه يقدم فروض الولاء والطاعة.
رئيس مصر لايريد ولاءً ولا طاعة، إلا في إطار المظلة الشرعية التي تحتوي جميع المصريين وهو الذي يدعو الأحزاب السياسية إلي المشاركة والحوار والاتفاق والاختلاف.
(6)
نختلف مع البرادعي اختلافاً سياسياً وليس دينياً، وعندما يدعو الناس للتجمهر والتمرد والعصيان ويبشر بالفوضي والثورة، فنحن نواجه ذلك بتوعية الناس بمخاطر ما يطرحه.
نقول لهم إن هذا الرجل كان شحيحاً علي وطنه ومواطنيه إبان توليه منصباً دولياً مرموقاً، وحين أحيل إلي التقاعد عاد أكثر شحاً، يدعو الناس إلي أسوأ أنواع الممارسة السياسية.
يدعوهم إلي العصيان بدلاً من المشاركة، والهدم بدلاً من البناء، والفوضي بدلاً من النظام، لم يستفد أحد من علمه وخبرته وكان يمكن أن يصبح أسطورة مصرية مثل نجيب محفوظ.
(7)
البرادعي لا يحتاج إلي فتوي لإهدار دمه، فأفكاره هي التي أهدرت مصداقيته وجعلت المؤيدين ينفضون من حوله، لأن الشيء إذا زاد علي حده انقلب إلي ضده، وهذا ما فعله البرادعي.
فتوي إهدار الدم تعيد البرادعي إلي مسرح العصيان الذي يدعو إليه، وصاحب الفتوي مثل الدبة التي تدوس دون وعي علي عبوة ديناميت لن تنفجر فيه وحده بل فينا جميعاً.
نختلف مع البرادعي من الألف إلي الياء، ولكننا نختلف مع صاحب الفتوي بطول البلاد وعرضها، فمصر أرض السلام والمحبة والتسامح، وليست أبداً وطناً لأمراء التشدد.

E-Mail : [email protected]