الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد انطلاق مؤتمر اللغة العربية فى دورته الـ 89

رئيس المجمع: اللغة هى المقوِّم الأساسى للحفاظ على هويتنا فى ظل العولمة

انطلق المؤتمر الدولى السنوى لمجمع اللغة العربية فى دورته التاسعة والثمانين الأمس  الإثنين 15 مايو 2023م بمقر المجمع بالزمالك، الذى جاء بعنوان «اللغة العربية بين الهوية القومية والعولمة»، وذلك بمشاركة رؤساء مجامع اللغة العربية والهيئات العليا للغة العربية فى العالم العربي، فضلًا عن أكثر من عشرين عالمًا من أعضاء مؤتمر المجمع وأعضائه المراسلين من العرب والمستعربين.



وبدأت وقائع الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بكلمة لـ د.عبدالوهاب عبدالحافظ (رئيس المجمع) أشار فيها إلى التحديات التى تواجهها العربية فى واقعنا المعاصر، وأن الثورة المعلوماتية غير المسبوقة، والانفجار المعرفى الذى يعيشه العالم اليوم، وانفتاح نوافذ العالم وثقافاته بعضها على بعض عبر ذيوع وسائل الاتصال الحديثة، من أهم التحديات التى تواجهها العربية الآن، بل تواجهها القوميات المختلفة. واللغة هى المقوِّم الأساس للهويّة؛ ولذا فإن الحفاظ عليها ودعم وجودها تأكيد لدعم هويتنا وترسيخ لها فى ظل العولمة التى تعمل على طمس الخصوصيّة القوميّة. من هنا يأتى مؤتمر المجمع فى هذا العام تحت عنوان «اللغة العربية والعولمة والهويّة القوميّة» بهدف الخروج بتوصيات من شأنها نشر الثقافة اللغوية والوعي.

وفى كلمته الموجهة إلى مؤتمر المجمع أكَّد د.محمد أيمن عاشور (وزير التعليم العالى والبحث العلمي) أن موضوع مؤتمر المجمع فى هذه الدورة المجمعية يمس قضية جوهرية فى حياتنا الثقافية المعاصرة، فلغتنا العربية ليست مجرد أداة للتواصل اليومى فحسب، لكنها مقوِّم أساسى وفعال من مقومات هويتنا ووجودنا الإنسانى والجغرافى، وما تواجهه اليوم فى ظل أمواج العولمة العاتية التى نراها تعصف بالهويات، وتذيب الخصوصيات القومية للأمم، إذ تبدأ أولًا  بمزاحمة اللغات الأصيلة وإحلال غيرها؛ الأمر الذى قد يؤدى – إذا استمر الأمر على هذه الوتيرة - إلى القضاء على التنوّع اللسانيّ فى العالم، وقد لا تتوقف عند ابتلاع ثقافات الأمم والشّعوب. من هنا تأتى أهمية هذا المؤتمر فى هذا التوقيت؛ لدعم اللغة العربية والحفاظ عليها وحمايتها والعمل على تنميتها ونشرها، وهذا لا يعنى إهمال تعليم اللغات الأجنبية وإتقانها والاستفادة القصوى منها فى حدود الحاجة إليها، شريطة ألا يكون ذلك على حساب اللغة العربية التى تُعَدّ من أهم المقومات على المستوى الوطنى والقومى التى تحفظ هويتنا الثقافية والقوميّة.

وفى كلمته شدَّد د.محمود السيد (رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق) على أن اللغة هى محور الثقافة وحاملتها والمعبرة عنها، والمحقِّقة وحدة المجتمع وتجانسه وتماسكه، وأن تعزيز الهوية الثقافية والمحافظة عليها وتعميق جذورها لا يتنافى مع الانفتاح على الآخر، والحوار معه، والأخذ من إيجابياته، وهذا ما انتهجته أمتنا من قبلُ، وأن اللغة والهوية وجهان لعملة واحدة، ومعرفة اللغة أهم ركيزة لتحصين الهوية القومية، والذات، والشخصية، والإحساس بالانتماء القومي؛ ذلك لأن قلب الشعب ينبض فى لغته، واللغة هى روح الأمة وحياتها، ومحور القومية وعمودها الفقري، وأن حياة الأمة تقوم قبل كل شيء على لغتها؛ لأنها إذا نسيت تاريخها فإنها تفقد شعورها، وتستطيع أن تستعيد وعيها وشعورها بالعودة إلى تاريخها القومي، ولكنها إذا فقدت لغتها فإنها تفقد الحياة، وتغدو فى عداد الأموات. وأشار د.محمود السيد إلى أن لغتنا العربية تواجه تحديات عدة فى ظل العولمة التى يروم أصحابها إبعاد العربية واعتماد الإنجليزية مكانها فى العملية التعليمية التعلمية بحجة قصورها عن استيعاب النهضة العلمية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانوا يروِّجون للغة العامية على أنها لغة الحياة، وليست العربية لغتها، وغنيٌّ عن البيان أن الهدف من ذلك كله هو إحياء ما يفرِّق بين أبناء الأمة الواحدة، والعامية تفرِّق بين أقطارها حتى إنها تفرِّق بين أبناء القطر الواحد، فى الوقت الذى يرومون فيه وأد كل ما يوحِّد بين العرب، واللغة موحِّدة  وموحَّدة، ولا يتصورون أن يكون العرب فى وحدة مجتمعية تقف فى وجه أطماعهم ومصالحهم! فليوجِّهوا سهامهم إلى العروة التى تجمعهم، والرابطة التى تضمهم كافة ألا وهى اللغة العربية. ومن الاختراقات التى حدثت فى ظل العولمة عقد مؤتمرات علمية على الأرض العربية اعتمدت فيها اللغة الأجنبية فى منأى عن استخدام العربية حتى لو كانت الموضوعات المطروحة عربية، ولا ضيرَ من اعتماد اللغتين الإنجليزية والعربية إذا كان ثمة أجانب يحضرون فيها.

وأشار د.عبدالحميد مدكور (الأمين العام للمجمع) إلى أن الدفاع عن اللغة العربية واجب على العرب جميعًا، حاكمين ومحكومين؛ لأنها مقوِّم من مقومات وجودهم، وعامل قوى من عوامل وحدتهم وقوتهم؛ ومن ثم يكون التفريط فى ذلك الرابط تفريطًا فى وحدتهم واستقلال شخصيتهم وإرادتهم، وهو يؤدى إلى أن تفقد الحضارة العربية بُعْدها التاريخي، وتراثها الحضاري، وإسهامها الكبير فى بناء المعارف الإنسانية، كما حدث مع لغات كانت يومًا ما ذات حضارة وثقافة ثم اضمحل هذا كله كالسريانية والآرامية وغيرها.

وأكَّد د.مدكور على أن غياب اللغة يؤدى –بالنسبة للفرد العربي– إلى أن يستشعر الاغتراب عن ثقافته العربية الراسخة وماضيه العريق، كما يؤدى إلى الوقوع فى هاوية التبعية لهويات وثقافات غريبة عنه، لا يجد فيها نفسه وذاته، ولا أمْنه النفسى وسكينته الروحية؛ ومن هنا يجب على الأمة العربية كلها أن تحافظ على كيانها وهويتها وأصالتها وتاريخها وحاضرها من أجل بناء مستقبلها بالطرق التى تناسبها، وأن تقاوم كل التحديات التى تواجه لغتها العربية، ومنها تحدى العولمة التى تسعى إلى فرض لغات بعينها كالإنجليزية والفرنسية والروسية وأمثالها، وتعمل على فرض هيمنتها على الفكر والثقافة واللغة، بحيث تترك الشعوب لغتها، لتُحلَّ هذه اللغات الوافدة محلَّها، وهذا يؤدى إلى التبعية الثقافية، ومن بعدها التبعية الاجتماعية والسياسية وغيرها.

من الجدير بالذكر أن مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة-الذى يستمر لمدة 6 أيام- يُعقد هذا العام عبر تقنية الـ(zoom)  للسادة المشاركين من خارج مصر؛ حيث يشارك عدد من رؤساء مجامع اللغة العربية والهيئات العليا للغة العربية فى العالم العربي، ويناقش المؤتمر فى جلساته المغلقة عددًا من المصطلحات اللغوية والعلمية المقدَّمة من لجان: الكيمياء والصيدلة، والعلوم الشرعية، وعلوم البيئة، والرياضيات، ولغة الشعر العربي، والطب، والتربية وعلم النفس، والألفاظ والأساليب، واللهجات والبحوث اللغـوية، والحاسبات، والفيزياء، والإعلام، وعلوم الأحياء والزراعة، والهندسة، والجيولوجيا، والنفط، كما يناقش مواد من حرف (الطاء) من المعجم الكبير.

ويختتم مؤتمر المجمع فعالياته يوم الأحد 21 مايو 2023م، بتقرير ختامى عن أعمال المؤتمر لـ د. عبد الحميد مدكور (الأمين العام للمجمع)، يعقبه الإعلان عن القرارات والتوصيات، ثم كلمة أحد الأساتذة من أعضاء المؤتمر من غير المصريين، ثم كلمة ختام الجلسة لـ د.عبدالوهاب عبد الحافظ (رئيس المجمع).