الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بريد روزا

العشرة والمداولة الاجتماعية

تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد…



أنا سيدى الفاضل مطلقة أبلغ من العمر ٣٤عامًا، حاصلة على مؤهل عالِ، وأعيش بإحدى المدن الساحلية، ابنة وحيدة لأب يعمل بالتجارة الحرة، ولى أربعة أشقاء أصغر منى يساعدون والدى فى تجارته،، خضت ثلاث تجارب من الزواج لم يكتب لها النجاح والاستمرار، الأخيرة كانت منذ ٦ شهور، انتهت بوفاة زوجى الطبيب فجأة فى عيادته، بعد زواج دام عاما واحدا فقط - وكأن الاستقرار مع إنسان وجدت فيه ضالتى من معانى الرحمة والتقدير، هو شىء بعيد المنال، لكن الحمدلله على كل حال، أما أول تجربتين من الزواج كان لفشلهما أسباب وتداعيات متباينة،، الأولى استمرت عام ونصف العام فقط، وأنا ابنة الثالثة والعشرين، تزوجت من ابن عمتى بعد قصة حب وتصميم على الارتباط، وصل لتهديدى بالانتحار، حتى وافق أبى فى النهاية وتزوجته، ثم تغير كليًا وجزئيًا، من إنسان راقٍ، على خلق وكريم يعمل بإحدى الهيئات الحكومية، إلى آخر عصبى المزاج، كثير الجزاءات بعمله، لا يتحدث كثيرًا، وغيور بشكل مرضى وشكاك، ظل يحاسبنى على قضاء وقت فراغى فى تصفح الفيس بوك أو الدردشة مع أقاربى بتطبيق الواتس - مع العلم بأننى لست ككثيرات ممن يذهبنَ هنا أو هناك، سواء إلى ناد أو متعددة الزيارات لبيت أهلي، وما إلى ذلك،، حتى وصل بنا الحال للهجر فى الفراش، كل منا فى غرفته لأسابيع، فطلبت الطلاق وفضلت أن أعيش بلا زواج على هذه الحياة الكئيبة، وهو وافق شريطة احتفاظه بطفلتنا الوحيدة، التى تعانى من التوحد،، بعد ٣ سنوات من زواجى الأول، تقدم لى رجل فى آواخر الأربعينيات، يعمل بمجال التسويق العقاري، حالته المادية ميسورة وسمعته طيبة بين الناس، ليس له أبناء من زوجته الراحلة، لذا لم أفكر فى فارق السن بيننا وتزوجته مدة ٥ أعوام، وأنجبت طفلين توأم أصبحا كل حياتي، بين عشية وضحاها تم القبض عليه، فى قضية بيع وحدة سكنية مرتين، أثناء عمله مع شريك سيئ السمعة، فأصر والدى وأشقائى على طلاقى منه، رغم رفضه الشديد، وتأكيده بأنه مظلوم،، بضعة أشهر كانت كفيلة بإثبات براءته وتزوير توقيعه على عقد الشقة محل النزاع، ليخرج من السجن حزينًا من تصرفي، فى أثناء سجنه القصير طالبنى طليقى الأول بعودتى إليه من أجل تربية طفلتنا وبأنه كان لا يريد منى المستحيل، كذلك تغاضى طليقى الثانى عن ظلمنا له، وأكد بأنه لم يكن له أى ذنب فى سجنه، بدليل إثبات براءته سريعًا، وطلب من أهلى إعادتى إليه، فأصبحت فى حيرة شديدة من أمرى أستاذ أحمد، لا أعرف ماذا أفعل - هل أعود للأول رأفة بظروف طفلتى التى تعانى من التوحد، أم أعود لعصمة الثانى الذى لم يخطأ فى حقي، ولى منه طفلين يضغطون عليَّ ببكائهم وتوسلاتهم بلم شملى بهم، فبماذا تنصحني!؟ 

إمضاء ر. خ

 

عزيزتى ر. خ تحية طيبة وبعد…

يقول القاضى داخل قاعات المحاكم جملته الشهيرة، «الحكم بعد المداولة»، أى التشاور بين أعضاء المحكمة،، وعلنى أجد هنا تشابهًا ملهمًا، بين قيمة تلك المداولة القانونية، ونظيرتها الاجتماعية داخل عش الزوجية، أما الأولى - فهى تعد بمثابة المنحة الأخيرة خلف الكواليس، التى يطرحها رئيس الجلسة على زملائه لإمكانية تخفيف الحكم، إذا اقترح أحدهم أى شىء يدعم موقف المتهم، بعد عدة فرص دفاعية من أجل البراءة، وأما الثانية فهى العشرة بين الأزواج، تحتاج بكل قوة إلى مداولة وتشاور مستمر، وتراحم وصبر لا ينفذ، بل يمتد لسنوات، قبل النطق بحكم الطلاق، وتدمير أسرة، وتشريد أطفال لا ذنب لهم فى استباحة استقرارهم واستوائهم، وتدمير طموحاتهم فى الحياة، من أعز ما يملكون وهم أبويهم - وأنتِ فى زواجك الأول من ابن عمك، كنتِ قاضية متسرعة فى حكمك على نفسك وطفلتكِ، بالتفكك الأسري، رغم أن وصفك لزوجك بأنه كان راقيًا وكريمًا، ثم تحول فى شهور معدودة من عمر علاقتكما القصيرة، إلى إنسان عصبى المزاج، لا يتحدث كثيرًا، وتعرض لجزاءات بعمله، يجعلنى أسألكِ سؤالًا منطقيًا - ألم تكن العشرة والقرابة بينكما كافية لمناقشته فى أسباب تغيره، بدلًا من تأجيج الصراع والتسرع، بطلب الانفصال من والد ابنتك رأفة بظروفها سالفة الذكر، وقد تكون المشكلة من عندك انتِ، والحل أيضًا، بإبداء بعض الاهتمام، ومنحه وقت مواقع التواصل المهدور بإفراط، مع الأهل والأصدقاء، وصولًا لأرض مشتركة من التفاهم والتجانس الوجدانى بينكما،، لأن سيطرة التواصل الصامت التى تحدثه تلك المواقع الهدامة، واستبدالها بحميمية التواصل المواجهي، وتقدير كل طرف للآخر، هو كالسوس ينخر فى المشاعر الإنسانية، ويولد إحساس بالتفكك واللامبالاة، خصوصًا إذا عانى أحد شركاء الحياة من ضغوط لا حصر لها، يحتاج على أثرها إلى من يكاتفه ويعينه على تخطيها،، ومما لا شك فيه أنه يسأل هو الآخر عن تلبيته لطلبك دون نقاش،، وفى الزواج الثانى لم يكن والدك وأشقاءك أكثر رجاحة منكِ، عندما أصروا على طلاقك من زوجك، قبل الحُكم عليه بصفة نهائية فى قضيته، ليتركوا فى النهاية غصة فى قلبه وجرح لا يندمل،، لذا فإن تلك التفاصيل تسببت فى حيرتك وعدم قدرتك على اتخاذ قرار - لكنى انصحك بأن تستفتى قلبك فى أمر العودة لأحد الرجلين، وأن تختارى ما وجدتى معه فرصة أكبر للاستقرار حتى لا تعيدى الكره، وتكون تجربتك الثالثة، هى مجرد امتداد مُحبط لسلسلة من القرارت المشوشة،، وإن كنت أميل لعودتك لابن عمك من أجل رعاية طفلتك ودعمها نفسيًا، وإذا كان هذا هو قرارك بالفعل، فيجب الحفاظ على حظوظ طفليكِ من زوجك الثانى فى الاحتواء والحب، وأن تشرحى لوالدهما بأن قبول العودة لابن عمك لا يسيء إليه فى شىء، بل هو القدر يختار لنا مسارات إجبارية،،، يقول أحد الحكماء عن الرحمة، «كيف ترجو أن تكونَ سعيدًا ورأى فعلَكَ شقيِّ فاسألِ الرحمةَ ربًّا عظيمًا وسعتْ رحمتُهُ كلَّ شىء». 

دمتِ سعيدة وموفقة دائمًا ر. خ