الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

استدعاء لوحة يوم الحساب بقصر عائشـة فهمى بالزمالك

أحمد نوار 60 عامًا من العطاء

أكثر من 200 عمل فنى مختلفة الموضوعات والمعالجات والصياغات من رسوم الفنان القدير دكتور احمد نوار(1945) أحد رواد الفن التشكيلى فى مصر وقاماته ومعرضه الاستيعادى المتفرد، ومسيرة تخطت ستة عقود من العطاء  الفنى، المعرض مقام بقصر عائشة فهمى – مجمع الفنون بالزمالك، ومستمر الى يوم الثلاثاء 20 يونيو 2023.



 الجميع محظوظ بمد فترة المعرض لعدة مرات متتالية، العرض رحلة بصرية وفرصة لن تتكرر لمتذوقى الفنون من العامة ومن المتخصصين الفنانين من مختلف الاجيال والاكاديميين والباحثين فى مجال الفنون البصرية ونقاد الفن والشباب دارسى الفنون بكليات الفنون،  لذا زيارة واحدة لا تكفى ولا تشبع العين والعقل بل مع كل زيارة تزداد الرغبة فى التأمل والتأويل والقراءة، ومع كل هذا الزخم والثراء بالعرض كنا نأمل ان يواكب العرض عدة لقاءات وندوات فنية تثقفية وثقافية، فكما ذكرت العرض فرصة لن تتكرر.

سياق العرض بقاعات قصرعائشة فهمى والذى اعتمد فية الفنان المثال ايهاب اللبان مدير القصر ومُعد المعرض، ان يكون لكل قاعة ومساحة بالقصر مضمون ثقافى وفنى وتتابع تأريخى وزمنى لإنتاج الفنان أحمد نوار، بهذا السياق المتقن والمبهر قدم دعوة بصرية للمتلقى للتتبع مسار الوعى الابداعى لدى الفنان.

الاعمال المعروضة فى مجال فن الرسم بالأبيض والأسود، وهو احد المجالات الفنية التى ابدع فيها الفنان أحمد نوار، الرسوم أنجزها الفنان خلال رحلته الفنية منذ ستينيات القرن الماضى حتى الآن . استخدم فيها الاقلام الرصاص والفلوماستر والاحبار وعدة تقنيات خطية فى التنفيذ.

 تمثل الرسوم محطات فنية تم تجمعيها لاول مرة فى عرض فنى واحد  منها: مجموعة قريتى 1960،  مجموعة سيوة القديمة – 1964 – 1966، مجموعة اسكتشات خطية لوجوه وموديل وشخصيات وأماكن، مجموعة رسوم جبل أبو غنيم، مجموعة إرادة وطن، مجموعة وجوه الفيوم، مجموعة مصر الحضارة،  مجموعة البصمة، مجموعة رسوم الحجاز الأرض المقدسة، مجموعة رسوم الصين، مجموعة القناع، مجموعة كورونا، مجموعة القنص وغيرها من المجموعات الفنية، ومن حيث الموضوعات انحاز الفنان فى اغلب رسومه  للقضايا الوطنية والاجتماعية وقضايا حقوق الإنسان والعدالة منها: قضية فلسطين ومذابح صبرا وشاتيلا واللاجئين وحرب لبنان، حرب فيتنام، والتفرقة العنصرية وغيرها.

كل عمل فنى معروض هو تجربة ابداعية لها خصوصيتها وابعادها الفكرية والميتافيزيقية والفلسفية والمفاهيمية بجانب تعددية التقنيات بحسب الحالة الفنية، بشكل عام اتبع الفنان احمد نوار المدارس الفنية المعروفة كالواقعية ثم بالتمرد والتجريب كشف عن الجماليات الغائبة حين جمع بين خيالا وواقع فى نسق فنى بنائى متكامل، كما ادمج طاقاته الابداعية مع طاقة المفردة او العنصر ليحدث حلولا بصرية جديدة تعكس هويته الذاتية . واطاح بالمفاهيم الفنية السابقة محتفظا بالنور والظلال فكلاهما يحتل مساحته على مسطح اللوحة دون اعتداء احدهما على الآخر، فهما على وفاق وانسجام وتوافق رغم التضاد الشكلى .

ففى زيارتى الاولى  للعرض راودنى سؤال ماهى مفاتيح شخصية الفنان احمد نوار ؟ رغم صعوبة الاجابة وحسمها بسطور، إلإ ان احد اهم المفاتيح يكمن فى كفاءته ومهارته الادائية وحسه المرهف فى التعبير، وفى عشقة المبكر لفن الرسم، خلف المهارة تسكن مرجعيات بصرية  منها رؤيته للمشاهد الطبيعة والواقع فى نشأته الاولى بقريته، وفى دراسته للتصميم والزخرفة بالمرحلة الثانوية الصناعية والتى ارست له فيما بعد الارتكاز على البناء الهندسى الرياضى فى الرسم واتباع الخطوط المتقاطعة الحادة والمائلة الحاسمة الحضور .

وفى احتكاكه الثقافى والفنى بفنون الغرب وسفرياته أثناء دراسته بكلية الفنون الجميلة وما بعدها، وفى خلفيته الأكاديمية كأستاذ لقسم الجرافيك والحفر، وفى عظمة موهبته وشغفه بالبحث عن حلول ومعالجات غير نمطية،  وفى ثقافتة وقراءته فى كل المجالات ومنهجة الفلسفى والفكرى فى اختيار موضوعاته، وفى ارتباطه بالإرث والموروث وروح الحضارة،وطرح قضايا العالم، انتمائه الوطنى واشتباكه مع قضايا الوطن فهو الجندى المحارب القناص بحرب الاستنزاف، وتلك الحرب التى كانت السبب المباشر فى وجود مفردات وعناصر الحرب  فى اغلب رسومة، كل ما سبق من مؤثرات واكثر منها بكثير ساهمت فى تكوين هويته الذاتية والفنية والوطنية، 

 

استدعاء «يوم الحساب»

 

لوحة استدعاء «يوم الحساب»  نفذها الفنان احمد نوار عام 2021 اقلام فلوماستر على ورق مقاسها 351 x 117.  وباقتراح من الفنان إيهاب اللبان إعادة تقديم لوحة (يوم الحساب) حيث ان اللوحة الاصلية  تعرضت للتلف وفقد اجزاء منها  ورغم صعوبة استدعاء  حالة عمل فنى مر علية 56 عاما إلإ أن الفنان أحمد نوار  وافق على هذا الاقتراح، نفذها الفنان بالاداء السريع دون تفاصيل ودون تجويد لتصبح حالة جدلية بصرية معاصرة للعمل الاصلى.

لوحة استدعاء «يوم الحساب» معروضة بقاعة منفصلة بالقصر يعلوها اضاءة محدودة  خافتة درامية الحس، وظلال مشاغب اشتبك مع العناصر الانسانية باللوحة،  يدعوك هذا الاشتباك لتحاور مع العمل وليس مجرد المرور العابر.

 اللوحة الاصلية «يوم الحساب» 1967 تمثل التجربة الابداعية الاهم فى مسيرة الفنان كانت مشروع تخرجه من كلية الفنون الجميلة، ونتوقف عند هذا العمل لما فيه من اهمية ودروس مستفادة فهو محاورة فكرية وفلسفية وفنية مع لوحة «يوم القيامة» للفنان عصر النهضة الإيطالى» مايكل انجلو»، العمل درسا يحسم إشكاليات فنية مطروحة على الساحة التشكيلية وخصوصا بين الشباب وهى كيف يمكن للفنان ان يحاور عمل فنى للفنان آخر محافظا على هويته وذاتية دون الاعتداء على بصمة الآخر . وهنا يفرض السؤال نفسه كيف استعد الفنان الشاب احمد نوار الطالب بكلية الفنون الجميلة لدخول هذة المحاورة الفنية المبكرة.

القصة بدات كما روها الفنان نظمت كلية الفنون الجميلة رحلة الى اليونان وايطاليا لمدة شهر، وفى إيطاليا شاهد الطالب الشاب احمد نوار لوحة « يوم القيامة « للفنان «مايكل آنجلو» الموجودة بكنسية «سيستينا» بمدينة الفاتيكان، وهو موضوع تقليديا لجداريات الكنائس  لتذكرة البشر بالمحاكمة الاخيرة، واثناء مشاهدته للوحة التقى مع الكاتب الكبير «انيس منصور» ودار بينهما نقاش حول العمل وتسأل «منصور» هل يمكن ان نرى عملا مثل هذا لفنان مصرى ؟. ووعده الفنان الشاب أحمد نوار أنه سوف يجتهد لتنفيذ لوحة يحاور بها هذا العمل.

واستمر الشاب نوار ثلاث سنوات يدرس الفكرة كيف يقدم موضوع يوم الحساب وكانت البداية بالثقافة قرأ القرآن الكريم بتفاسيره، قرأ الإنجيل، وقرأ رسالة الغفران لأبى علاء المعرى، وقرأ الكوميديا الإلهية لدانتى، وتوسع فى القراءات حول فكرة الحساب والجنة والنار والثواب والعقاب إلى أن تشبع ثقافيا وعقائديا بالموضوع كاملا.

ثم بدء التنفيذ الفنى  لوحة «يوم الحساب»  نفذها بمقاس ثلاثين مترا مربع وارتفاع عشرة امتار ومكونة من ثلاثة إجزاء فى المنتصف مشهد الحساب، وعلى اليمين واليسار مشاهد الجنة والنار واستغرق تنفذيها ثلاثة شهور بالقلم الرصاص فقط.

مجموعة «وجوه الفيوم» والتى تعد ايضا درسا مستفاد فى التحاور الفنى مع الحضارة وكمصدر وحى تاريخى والهام خاص بالفنان، نفذها بالاحبار على ورق، تلك الوجوة اقدم وجه بشرى فى العصر الرومانى ووجدت هذة الوجوه بالفيوم مرسومة على توابيت مومياوات المصرية بالفيوم والتى خرج فيها رسوم الوجه عن رسوم الوجوه الجانبية فى المصرى القديم.

قدمها الفنان أحمد نوار بذاتية فنية وهوية فلسفية، أضاف إليها مفردات من الحياة المعاصرة مثل أدوات التكنولوجية معقدة وعناصر الحرب كألاسلحة معدات الحرب واجزاء من طائرات وأسلحة إلإ انه حافظ على سمه وجوه الفيوم وبالأخص العيون ووضعها الواقعى، والهدف من هذا امتزاج العناصر الحضارية الممثلة للشخصية المصرية «وجوه الفيوم» مع الرموز المعاصرة توصيل رسالة أن الانسان اصبح مجرد ترس فى آلة.

ومجموعة «قريتى» هى رسوم لقريته الريفية والتجمعات البشرية والوجوه نفذها الفنان بأقلام الفلوماستر على ورق، رسمها فى عمر الخامسة عشر ضغى عليها الاسلوب الواقعى بروح الاسكتش الحر مستخدما الخطوط والتهشير، ومجموعة الرسم بالأحبار على الخشب منها:  لوحة عروسة المولد، لوحة» الانسان - السد العالى  التى نال عليها الجائزة الاولى بمعرض الطلائع بجمعية محبى الفنون الجميلة عام 1966، وايضا « جسم السد العالى «، ولوحة،»استعداد وترقب» 1967 ونالت الجائزة الأولى العالمية عام 1968 بينالى إيبيثا الدولى بإسبانيا. .

 ومجموعة رسوم الحجاز الارض المقدسة ورسوم الصين هى رسوم ترجمة بصرية للمشهد المكانى  بعضها خضع للنظام البنائى إلإ أن الفنان احمد نوار  لم يتوقف عن حدود المحاكاة الواقعية بل قاده عشقة وشغفة للتجريب والتجريد فاضفى على المشهد  متغيرات وأطروحات شكلية وفق محصلة خبراته فى  إيجاد الحلول الابداعية. 

مجموعة البصمة نفذت بالاحبار 1990، هما حوالى عشرين بصمة وضعها الفنان على الورق وذلك اثناء اصابة كف يده وعانى من مشاكل فى الحركة تتطلب ذلك اجراء جراحة لأصابع اليدين الثمانية، واتفق بينه وبين نفسه ان شفاء الله سوف  يكملها عمل فنى،  وبعد الشفاء استكمل البصمات باسلوبه بالرسم أضفى عليها مفرداته المميزة الخطوط والأرقام والحروف  وأصبحت رسوما محملة بطابع عاطفى.

وما ذكرناها بهذا التقرير ليس إلإ قدر قليل جدا من لمحات العرض، ولنا مطلب عند الفنان الكبير القدير أحمد نوار ندعوه ان يؤسس متحفا خاصا لأعماله.