الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بريد روزا

جراح تسكن القلب

 تحية طيبة لبريد روزا وبعد...



أنا سيدى الفاضل زوجة أبلغ من العمر ٤٠ عامًا، وابنة وحيدة على ثلاثة أشقاء، أنتمى لأسرة رقيقة الحال، بإحدى مدن القاهرة الكبرى،، تزوجت منذ ٢٢ عامًا من مهندس يعمل بشركة عالمية، نشأت بيننا علاقة حب قبل تخرجه، وكنت حينها طالبة بالشهادة الثانوية، اعترف بمشاعره تجاهى، وأخبرنى بأنه سيتقدم لخطبتى فور انتهاء دراسته، ولن ينتظر أداء الخدمة العسكرية خوفًا من عدم الفوز بى، حيث حبانى الله بالجمال وحسن الخلق، مما دفع الكثير من الخُطاب للتقدم لى - لكن أبى رحمه الله كان يرفضهم جميعًا، لمعرفته بأننى محجوزة لجارنا طالب الهندسة، كونه من أسرة عريقة،، تزوجنا ولم أكمل دراستى، بعد أن اتفقت حماتى مع والدتى على ذلك دون إرادتى، رغم تفوقى وطموحى الكبير فى الحصول على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم العمل بالسلك الدبلوماسى، حزنت كثيرًا لتكالب الجميع علىَّ ووثوبهم فوق أحلامى المشروعة - ولا أنكر بأن حبى لخطيبى وتعلقى به، جعلنى أتغاضى عن كل هذا، وأركز مع حلمنا فى بناء أسرتنا السعيدة، وجدته إنسانًا مخلصًا وكريمًا، يحبنى بشدة ويحترمنى، يعتبر وجودى فى حياته أهم مكاسبه،، وأنا من جانبى لم أقصر معه فى شيء، رزقنا الله بمولودنا الأول، وسافر بمفرده إلى أوروبا مدة عامين، لتحصيل بعض الدورات العلمية بتخصصه ثم عاد، حينها كانت والدته مريضة وأنا تكفلت برعايتها، وشقيقه الوحيد لم يتزوج بعد، تحملت مسئوليتى كما تعلمت ببيت أهلى، وبعد عدة سنوات من زواجنا وتحديدًا منذ ١٢ عامًا قامت شركته بتصفية أعمالها بمصر، وتخفيض عدد موظفيها وهو من بينهم، لتأثرها بأحد الأزمات العالمية، مما ضرب بنظام حياتنا، وطريقة معيشتنا وقدرتنا الشرائية، اختلف كل شيء، واشتد مرض والدته حتى احتاجت إجراء جراحة عاجلة بالقلب مكلفة للغاية، وكنت أمتلك ذهبًا يكاد يغطى تكلفة العملية، فطلب منى بيعه من أجل والدته، على أن يعوضنى عن تلك الخسارة بأضعاف حين ميسرة، وقال بأننى أعرف أنه صادق، ولن يخيب ظنى فيه، استشرت والدتى ونصحتنى بألا أبيع ذهبى، لأنها مجازفة غير محسوبة، وهو لن يستطيع الوفاء بوعده فى ظل تصاعد ارتفاع أسعار الذهب، كعادته الأزلية، وعدد الجرامات المباعة كبير، وعلى الرغم من يقينها بشهامته، أخبرتنى بضرورة إعمال العقل لضعف نسبة نجاح عملية حماتى، فتراجعت وحاولت إقناعه بالبحث عن مستشفى جامعى، لها كوادرها الطبية المرموقة، بدلًا من الخاصة وتوفير التكلفة لأبنائنا، وهو لم يمانع ونفذ اقتراحى - لكن أمر الله نافذ، توفت والدته بعد جراحتها الدقيقة بأكثر من شهر، وأصبح مهمومًا شاردًا، وفقد فرحته بوظيفته الجديدة، بإحدى الشركات ذائعة الصيت، والمرتب الشهرى المضاعف، مقارنة بما كان يتحصل عليه من عمله السابق، ثم شاءت الأقدار أستاذ أحمد أن يتعرض شقيقى الأصغر لحادث سير، واحتاج بشكل مُلح لزراعة نخاع، حاولت تقبيل قدم زوجى أن يسامحنى، وبأننى تيقنت من تقصيرى، وطلبت منه ألا يتخلى عنا فى محنتنا، وهو ابتسم - لم يعترض ولم يعلق من قريب أو من بعيد، بل تكفل بكل شىء، وقال لى بالحرف الواحد: «عملية أخوكى صدقة جارية على روح أمى، اللى اتسببتى فى موتها»،، بعد مرور ٥ سنوات من تلك الأحداث، فاجأنى بأنه اشترى شقة بإحدى المدن الجديدة، واعترف بأنه يجهزها للزواج الثانى، وعليَّ أن اختار بين استمرارى معه، أو طلاقى واحتفاظه بأبنائنا الثلاثة إذا أردت،، لا أعرف ماذا أفعل - هل هذا جزائى عن إخلاصى له كل تلك السنوات، وتحملى لظروفه، فبماذا تنصحنى!؟ 

إمضاء و. ق

عزيزتى و. ق تحية طيبة وبعد...

هناك بعض القرارات التى تبدو منطقية وحتمية أمامنا، من الناحية العملية، نتخذها بلا تردد، مثل قرار الالتحاق بعمل مناسب لمؤهلاتنا، أو دراسة تخدم أهدافنا وطموحاتنا - لكن فى الحياة الزوجية مع شريك العمر، تتحكم ضوابط أخرى، مثل مراعاة العشرة والمشاعر الوجدانية لكل طرف،، وأنتِ عندما احتاج زوجك أن تبيعى ذهبك الثمين من أجل قيمة أثمن بالنسبة له، وهى تكريم والدته، بإجراء جراحتها الدقيقة بأحد المستشفيات الخاصة، على يد طبيب بعينه يثق فيه، كان يعلم تمامًا بأن ما قد يحدث لها من انتكاسة صحية، أو حتى وفاة بعد العملية، هو أمر وارد الحدوث قدريًا، نظرًا لخطورة حالتها، إلا أنه أراد إراحة ضميره تجاهها بعيدًا عن حسابات العقل، وما يمكن توفيره من نفقات - وحتى تلك الفلسفة الفطرية التى تبدو عاطفية بحتة، هى جزء لا يتجزأ من نفس رد فعل الأم تجاه أبنائها، عندما تشعر بوجود خطر محدق بهم، تظل تبحث عن أكثر الأماكن أمانًا لحمايتهم، دون أدنى تفكير فى أى خسائر قد تطالها، فقط تحكمها توجهات حميمية لا مادية.. ودائمًا ينتظر الزوجان من بعضهما البعض، نفس تلك الروح من الدعم والمكاتفة الملحمية، إذا تعلق الأمر بمصير والديهما - لأنهما سبب وجودهما فى الحياة، بل وتعد مباركة الوالدين لارتباط أبنائهما بالنصف الآخر، هو اختيار مبنى على الرضا والحب والاقتناع، وبمثابة تكريم خاص، وهذه حقيقة لا تقبل الشك،، لذا دعينا نتفق بأنكِ أخطأتِ فى استعمال حق الرفض لبيع ذهبك، وإراحة بال زوجك، تجاه والدته، تلك الصدمة التى دفعته إلى التعامل بحكمة تحسب له، عندما لم يأخذ قرارًا انفعاليًا بالانفصال، مثلما يفعل البعض، بإغفال حق الأطفال فى الاستقرار، واعتقد بأن أمر زواجه الثانى هو نوع من التنفيث عن ضغوط وفاة والدته، وتداعيات رفض مساعدتك له، وقد يكون اعترافك أمامه بأنكِ أخطأتِ فى حساباتك، وتتحملين أى قرار يراه مناسبًا، ولا تتخيلى العيش بدونه مهما حدث، وبأنكِ على يقين بأنه سيعدل بينكِ وبين الزوجة التى يختارها،، كل هذا كفيل بأن يحثه على استخدام نفس المنطق، الذى دفعه لمساعدة شقيقك، عندما تعرض لحادثته، وتكفل بعلاجه عن طيب خاطر، وفاءً لروح والدته، دون أن يقهرك فى أعز ما تملكين،،، وأخيرًا أجد فى وصف الناشطة الحقوقية البارزة، والكاتبة الراحلة «أمينة السعيد» للمرأة، بأنها «مخلوق بسيط لا غموض فى خلقه، وبنظرة واحدة إلى وجهها يستطيع الرجل الذكى، أو متوسط الذكاء، أن يتبين ما يعتمل فى قلبها من أحاسيس» وهو خير دليل على رؤيتى بأن إظهارك لروح الندم والحرص على تطييب خاطر زوجك، لن ينسيه بأن تفضيلك له دون غيره، يستحق تسامحه معكِ وعفوه عنكِ. 

دمتِ سعيدة وموفقة دائمًا و. ق