الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ختام الدورة الخامسة لأيام قرطاج للرقص المعاصر

«MAY B» .. صمويل بيكيت فى نسخة تونسية بديعة من العرض الفرنسى

    اختتمت فعاليات الدورة الخامسة من أيام قرطاج للرقص المعاصر بمسرح الجهات بمدينة الثقافة «دار أوبرا تونس»، الذى احتضن فى ختام المهرجان النسخة التونسية من العرض الفرنسى الأشهر «ماى بى»، 



فى سابقة تعد الأولى من نوعها أن يتم تبادل عرض من بين أهم وأعرق العروض الراقصة بفرنسا إحدى علامات المسرح الفرنسى الراقص للمصممة الأشهر ماجى ماران، تجرأت تونس وخاضت هذه المغامرة الممتعة الشاقة وأطلقت النسخة العربية الأولى من عرض «ماى بى» على خشبات مسارحها فى دقة وإبداع كبير.

   قدمت الفرنسية ماجى ماران «ماى بى» بفرنسا عام 1981 عن أعمال المؤلف والكاتب الكبير صمويل بيكيت الذى بارك هذا العمل الفنى فى ولادته الأولى، نجح العمل نجاحا مدويا وبقى خالدا يقدم باستمرار على مدار 40 عاما قدم أكثر من 800 عرض فى جولات فنية بين القارات الخمس، امتلكت ماران حساسية فنية شديدة الخصوصية فى قراءة أعمال بيكيت وخاصة «نهاية اللعبة» و«فى انتظار جودو» التى أقامت فلسفة عرضها عليهما بالأساس استطاعت هذه المرأة أن تدقق النظر والقراءة فى عمق قلب تلك الأعمال الفنية، نقلت ببراعة ووعى بأدق تفاصيل شخصياته، استبدلت ابداع بيكيت المسرحى بالرقص المعاصر عندما تعبر الحركة عن الصمت وما عجزت أن تنطق به الكلمات، وكأن هذا العرض ملخص ونموذج مكتمل لفلسفة بيكيت ضمن أعماله المسرحية، جمعت ماران أعماله فى أجساد حائرة مشتتة مترنحة.. يائسة وبائسة تجوب جنبات المسرح تتطلع إلى واقعها المتكرر الذى انعدمت فيه حركة الوقت والحياة، عبرت بالجسد والحركة والإيماءة والهمهمات الصوتية الغير مفهومة والكلمات المتقطعة والضحكات الساخرة عن جوهر فكر بيكيت فيما قدم من كتابات فنية، الذى كان دائم التساؤل فيها عن الزمن وجدوى مروره بلا معنى ونهاية الحياة وما الذى سوف نجنيه من تلك النهاية القائمة بالأساس.. تدور أفكاره حول الزمن المتوقف، حيث تناول بيكيت العدم فى أقصى تجلياته وعلى وجه التحديد فى «نهاية اللعبة» التى رأى فيها أنه لا بد لكل شىء أن ينتهى، من فلسفة الانتهاء قدمت ماران مجموعة من الشخصيات منتهية الصلاحية شخصيات عاجزة عن الحركة أو الحياة ظهروا جميعا فى صورة أشباح أو مسوخ متجانسة الحركة والمنظر فى الملابس وطلاء وجوههم بمادة بيضاء أقرب للطين، اختفت ملامحهم واختفى معها كل شىء بدوا مثل الخيالات الطائفة فى عالم بائس كئيب محاطون بالوحدة وفقدان الأمل.

   تطوف هذه الشخصيات حول نفسها وحول بعضهم البعض فى حركة واحدة متسقة منسجمة بإيقاع واحد محدد، حركة مدغدغة مثل آلة الزمن أو الزمن المدغدغ الذى لا يتحرك حسب تقدير هؤلاء الموتى فى أجساد أشباح طائفة على المسرح، سبق وأن قدم مهرجان أيام قرطاج المسرحية فى أحد دوراته برئاسة الدكتور حاتم دربال النسخة الفرنسية من هذا العمل الفنى البديع وفى الدورة الخامسة من أيام قرطاج الكوريغرافية قرر وتجرأ رئيسه سليم بن صفية إعادة صياغة وتقديم نسخة تونسية من نظيرتها الفرنسية براقصين من تونس وتحت إشراف وتنفيذ المصمم والراقص قيس شويبى.

  بعد أن كان شويبى أحد أعضاء فريق سهام بلخوجة فى تونس التحق بفرقة ماجى ماران بفرنسا، ووجدت ماران أنه الأقدر والآمن على نقل نسخة أخرى تونسية من عرضها الفرنسى، وبالفعل كان شويبى على قدر كبير من الوعى والمسئولية فى حمل هذه الأمانة الفنية بإعادة تقديم نسخة تونسية بروحها وطازجتها الأصلية كأنك سافرت لمشاهدة العرض بإحدى المدن الفرنسية، لو لم يفصح المهرجان عن هوية الراقصين والخلفية الفنية التى قدم العرض من خلالها لخدعت وظننت أنك أمام فرقة ماران الفرنسية، امتلك شويبى وتشبع بالوعى بالتكنيك الحركى والفكرى للعمل الفنى البديع «ماى بي» كما يطرح العرض فرضية الإحتمال..إحتمال تبدل الأحوال أو إحتمال استمرار الوضع على ما هو عليه بلا تغير أو تجدد سيظل هؤلاء أموات بلا حياة يتحركون ويتشاورون بلا معنى، ويتغامزون ويهيمون على وجوههم فى حركة واحدة بنفس واحد وأوصوات متكررة بلا هدف أو جدوى فى انتظار احتمالية وقوع أمر ما..من معنى العرض وضع قيس فرضية تخصه أخذ المعنى على عاتقه فى تحقيق حلمه باحتمالية وإمكانية تجسيد هذا الإبداع الفرنسى بروح عربية خالصة، ليطرح ويعيد الإجابة عن التساؤل أن الأزمة ليست فى عدم امتلاك المهارات والإمكانيات والكوادر البشرية فى خلق إبداع متقن الصنع، بينما تكمن الأزمة فى قضية الإيمان بهذه الكوادر ومنحها حقها فى التعبير عن نفسها بحرية وانطلاق دون قيود أو خوف، تولد الإجادة ويتفجر الإبداع المتقن من الإيمان بالإمكانيات والقدرة على إمكانية التفرد فى تقديم عمل فنى مكتمل الهيئة فى الصورة والتصميم الحركى والوعى بالفكر ونسج تفاصيله بروعة تستحق التوقف والدراسة والتكرار، وكأن قيس بإبداعه فى هذه التجربة أراد أن يقول من المحتمل أو «ماى بى».. أن يكون الإبداع تونسيا أيضا وليس حكرا على فرنسا وحدها!

  «تمهيد».. كان من بين العروض المميزة أيضا ضمن فعاليات المهرجان تصميم كادرا عطو قدم على خشبة مسرح الفن الرابع، حاول فيه المصمم طرح نموذج مختلف من رقصة الهيب هوب التى استطاع أن يوظفها على أشكال متنوعة من الموسيقى الكلاسيكية والعربية الشرقية والجاز أنواع متباينة ومتفاوتة فى المزاج والعزف الموسيقى قرر المصمم والراقصون تطويع أجسادهم عليها جميعا وتقديم عمل فنى بدأ بالتمهيد لعرض شئء مختلف ربما لم تشاهده برقصة الهيب هوب أو أحد أشكال رقص الشارع من قبل استعرض فيه إمكانيات راقصيه الجسدية الذين تمتعوا بلياقة بدينة عالية فى القدرة على الحركة والحفاظ على درجة الإجادة والاتقان والإيقاع الحركى السريع مع الموسيقى لمدة زمنية طويلة فى مشاهد ورقصات متفرقة.