بابا المواقف الوطنية
البابا تواضروس: وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن.. فيبقى الوطن ودور العبادة
منيرفا سعد
شخصية وطنية، وقيادة دينية، وعقلية علمية، وقيمة فكرية، صاحب حكمة وخبرات، سجل اسمه فى كتب التاريخ، بعدما قاد دفة الكنيسة الضاربة بجذورها فى تاريخ مصر بعمق قرابة ألفى عام، بحكمة ووطنية، فعندما تعرضت مصر للخطر، كان اختيار قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية واضحًا إذ قال: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».
فى 4 نوفمبر عام 1952 بمدينة المنصورة، ولد البابا تواضروس باسم «وجيه صبحى باقى سليمان»، واستمر بالمنصورة لمدة 5 سنوات ثم سافر إلى سوهاج بعد نقل والده، وعاش بها 3 سنوات، ثم سافر إلى دمنهور والتحق بها بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية، وتوفى والده قبل حرب 67 بيومين، والتحق فى دمنهور بالمدرسة الثانوية، وهى المدرسة نفسها التى تخرج فيها د.أحمد زويل، حيث كان يحلم بالالتحاق بكلية الصيدلة، وذلك لمساعدة المرضى، وهذا ما تحقق بعد ذلك.
«البابا» حصل على مجموع 300.5 درجة فى الثانوية العامة، والتحق بكلية الصيدلة، وكان يحصل على مكافأة تفوق 5 جنيهات فى الشهر، وتخرج بتقدير «جيد جدًا» مع مرتبة الشرف عام 1975.
«الأب» كان كلمة السر فى حياة « البابا تواضروس»، حيث ورث عنه النظام والالتزام فى تفاصيل حياته، منذ صغره تعلم كيف ينظم مكتبه الخاص ويحافظ على مكانة الكتاب المقدس أعلاه، مع اهتمامه بتعليمه الخط العربي، حيث كان يقول له: «وأنت تكتب أنت تولد الحرف، فلا تلد الخط معوجًا»، كما كان والده يحفظ قصائد شعر غنائى لمحمد عبدالوهاب، علاوة على أن والده اهتم بتعليمه المعايشة للحياة اليومية، فأخذ دروسًا عملية رائعة.
الأم أيضًا لعبت دورًا مهمًا فى حياة البابا تواضروس، حيث أسهمت في تخطيه أزمة وفاة والده، وفى حبرية البابا كيرلس السادس عام 1968، ظهرت العذراء مريم فى كنيسة الزيتون، وأخت البابا كيرلس، أبلة شفيقة، كانت ناظرة مدرسته فى الإعدادية، وكانت صديقة والدته، فذهبت مع والدته لزيارة الكنيسة ثم ذهبا معًا للبابا، وكانت أبلة شفيقة لا تنجب، فطلبت من البابا كيرلس أن يصلى له، وأن يتحقق حلمه بدخول كلية الصيدلة، فقال لها «متخافيش»، هيكون كويس جدًا.
«البابا» تخرج عام 1975، وحسب تكليف وزارة الصحة، عمل عامين بمحافظة البحيرة، وعام 1978، وزارة التعليم العالي، أعطته منحة لدراسة الهندسة الصيدلية فى جامعة الإسكندرية، فأعطته وزارة الصحة إجازة، وحصل على جائزة الدكتور محمد مطاوع للصيدلة، وتسلم شيكًا بـ30 جنيهًا، أنفق منه على أسرته وحياته وتبرع بجزء للكنيسة.
بعد ذلك قرر الذهاب للدير فى 20 أغسطس عام 1986، ووالدته كانت مرحبة، وهى التى حضرت حقيبة ملابسه، فى عام 1990، نزل الخدمة مساعدًا لمطران البحيرة، وعام 1997، اختير أسقفًا مساعدًا لمطران البحيرة، فى منطقة «كينج مريوط»، وخدم بها 15 سنة، ورسمه البابا شنودة أسقفًا، ولم يكن يفكر يومًا أن يجلس على كرسى «مار مرقس»، إلا أن القدر كان له رأى آخر، ففى يوم مولده جلس البابا تواضروس على الكرسى الباباوى ليصبح البابا 118 فى تاريخ الكنيسة.
وكان اللافت أن «مجموعة من الأساقفة والمطارنة كانوا قد حضروا للاحتفال بعيد ميلادي، وأحضروا تورتة، فاحتفلوا أيضًا باختيارى بابا».
فى 18نوفمبر، تولى رسميًا موقع البطريرك، لكن الأحداث التى حدثت فى تلك الفترة كانت عصيبة، فكما وصف البابا تلك الفترة بقوله «مصر بتتسرق» من الجماعة الإرهابية، وفى يوم 18 يونيو 2013، تواصل مع فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب، وقال له «البلد بتضيع مننا»، واتفقا على الجلوس مع الرئيس الأسبق مرسي، وبعد اللقاء أكدا أنه مسئول منفصل عن الواقع.
«تواضروس» كان شريكًا، مع مكونات الوطن فى المشهد التاريخى الحاسم فى 3 يوليو 2013، وفى أعقاب الإطاحة بالإخوان حاولت الإرهابية والأجهزة الخارجية، إحباط ثورة 30 يونيو، فكانت الأحداث الجسام عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، من حرق كنائس وعمليات إرهابية، فخرج البابا بعبارة عبقرية وقتها «وطن بلا كنائس خيرٌ من كنائس بلا وطن»، وكان على قناعة بأن مسلمى مصر الحقيقيين لم يفجروا كنيسة.
البابا على قناعة بأن المصريين، يعيشون منذ فجر التاريخ على ضفتى نهر النيل، هذا النهر الهادئ، الذى يختلف عن غيره من الأنهار ذات الفيضانات المدمرة، ومن هذا النهر أخذ المصرى هدوءه ووحدة نسيجه الوطني، ونعيش على مساحة 7% من الأرض فى نسيج واحد، من أب واحد وأم واحدة، لا تستطيع أن تفرق بين مصرى مسلم ومصرى مسيحي، إلا من المكان الذى يذهب للتعبد فيه، وما دون ذلك وحدة وطنية طبيعية.
وتربط البابا تواضروس الثانى روابط المحبة والاحترام والتقدير مع القيادة السياسية، بداية من الرئيس السابق عدلى منصور ثم الرئيس عبد الفتاح السيسي، خاصة مع زياراته المتتالية للكاتدرائية للتهنئة بعيد الميلاد المجيد التى تم افتتاحها فى العاصمة الجديدة.
ولأن مواقف البابا تواضروس، فى دعم الدولة لم ولن تتوقف، فقد قال الرئيس السيسي، خلال زيارته الأخيرة للكاتدرائية لتهنئة الإخوة الأقباط بعيد الميلاد المجيد: «أكن كل محبة واحترام لقداسة البابا تواضروس وأن هذه المحبة نابعة من مواقف لا يصنعها إلا رجال مخلصون يحبون بلادهم وحريصون عليها».