الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إهداء الدورة الثانية للفنان عبدالرحمن عرنوس

انطلاق فعاليات مهرجان «الرحالة للفضاءات المفتوحة» بالمسرح الرومانى فى عمان

 فى مسرح غاص بين أحضان الجبل التفت مقاعده بشكل دائرى، إذا أسعدك الحظ وجلست بين أحد أدراجه جسلت بقلب الجبل، التف حوله الجماهير متسلقين جالسين ومتنزهين من شباب وأطفال نساء ورجال، يمكنك سماع صدى صوت عال من كل اتجاهاته، حيث صمم هذا المسرح لإيصال صوت الممثلين بدون استخدام مكبرات تذكر فقط صدى صوتك يعبر عنك، بين أحضان هذا المكان الأثرى العريق افتتحت فرقة مسرح الرحالة بعمان بمسرح الأوديون فعاليات الدورة الثانية من مهرجان الرحالة للفضاءات المفتوحة برئاسة المخرج حكيم حرب، بدأ الحفل فى الساحة الهاشمية بعزف للموسيقى العسكرية وكرنفال محفل الدمى من تونس ثم عرض الإفتتاح «فرجة عرنوسية» بالمدرج الرومانى الصغير، أجواء احتفالية كرنفالية استهل بها حرب فعاليات مهرجانه الذى أهدى دورته هذا العام للمخرج الراحل ومؤسس مسرح المقهى ومسرح البحر والصيادين الدكتور عبد الرحمن عرنوس، وهو مؤسس المختبر المسرحى بجامعة اليرموك بالأردن.



كرم المهرجان خلال حفل الإفتتاح مجموعة من رموز المسرح الأردنى منهم الفنانة قمر الصفدي، الكاتب والمخرج والممثل عبد اللطيف شما، الفنان محمد العبادي، الفنان حابس حسين، المخرجة والممثلة مجد القصص، الكاتب المسرحى والروائى مفلح العدوان، حيث قامت وزيرة الثقافة هيفاء النجار بتسليم المكرمون الدروع وشهادات التقدير، ثم قدم المخرج حكيم حرب العرض المسرحى «فرجة عرنوسية» والذى احتفى فيه حرب بأستاذه ومعلمه الفنان الراحل عبد الرحمن عرنوس، 

 

يشارك ضمن فعاليات هذه الدورة عدد من العروض المتنوعة منها «عفوا أرسطو دعنى أجرب»، «2077 من يريد البقاء» فلسطين، «واق الواق» الأردن، «الغضراء» تونس، «الطوافة» الأردن، «كلارينيت» فلسطين، «بأم عينى 1948» الإمارات وتضم عضوية لجنة التحكيم كل من المخرج العراقى جواد الأسدى رئيسا، الفنانة عبير عيسى الأردن، الدكتور رياض موسى سكران العراق، الدكتورة لطيفة البقمى السعودية، الدكتور حبيب غلوم الإمارات، ميهيلا ميهوت أمريكا، والناقد محمد الروبى مصر.

«فرجة عرنوسية»

احتفى المخرج حكيم حرب رئيس المهرجان بالفنان عبد الرحمن عرنوس على طريقته الخاصة حيث أقام عرضا مسرحيا عن شخصية الدكتور عرنوس تناول فيه رسم كاريكاتيورى لملامح شخصيته المرحة الساخرة، حيث اشتهر عرنوس بين تلاميذه بالمعلم الساخر من خلال هذه  السخرية وتلك التعليقات والجمل الناقدة الشهيرة والتى أصبحت راسخة بأذهانهم جميعا وتمثل قيم ومبادئ فى شرح التمثيل والسخرية من أشكاله التقليدية، اقتبس حرب بعض مفرداته وجمله الساخرة أعادها فى سياق درامي، كان عرنوس دائما ما يتعمد إيصال رسالته العلمية لتلاميذه من خلال هذا الشكل الكاريكاتيورى الساخر، قدم المخرج بطولة عرضه الإحتفالى الذى بدأ برقصات فلكلورية من التراث العمانى ثم لعب البطولة بتقديم شخصية عرنوس ليحيى بين الجماهير هذه الشخصية الحاضرة بروحها الغائبة بجسدها بدولة الأردن الشقيق ويعيد على مسامع الجمهور كيف كان يوجه عرنوس تلاميذه فى البروفات والتدريب كيف كانت الجمل الساخرة المقتضبة البسيطة عميقة الأثر والمعنى حفرت فى قلوب ووجدان هؤلاء التلاميذ حتى أنشأ جيلا كاملا بعمان تتلمذ على يديه، قدم فى هذا العمل فرجة لأسلوب حياة الراحل عرنوس كيف كان يحيا بين تلاميذه بحميمة البامبوطى البورسعيدى وفكر الفلاسفة.

«الغضراء»

«الغضراء» من تونس قدم بساحة مسرح أسامة المشينى جبل اللويبدة عرض تعبير حركى راقص تناول قصة حب بين رجل وإمرأة ربما جمعهما اختلاف الأديان حيث تدق أجراس الكنيسة فى بداية العرض ثم نستمع صوت الأذان ويجتمع الأحبة متلاصقين ومتعانقين بمفردات حركية وتعبيرات جسدية عبرت عن أجواء الحالة العاطفية التى رسختها أشعار ابن عربى «الحب دينى وإيماني» دارت أحداث العرض المسرحى الذى كان التعبير الجسدى فيه أبلغ وأمتع من استخدام الكلمات، حيث استخدمت البطلة جمل فضفاضة رنانة ربما لا يجمعها سياق أو معنى واضح وبالتالى تاهت العبارات فى التعبير عن معنى واضح للعمل بينما امتلكت البطلة دارين هيشرى إمكانيات جسدية مكنتها من تقديم مفردات حركية بتمكن واقتدار، فإذا اكتفى المخرج وليد قصورى بالتصميم الحركى والموسيقى والأشعار المصاحبة للعرض لكان ابلغ وأشد عمقا وتعبيرا عن الفكرة الرئيسية حيث أضعفت الكلمات والجمل المفككة ما أراد تقديمه من رسالة إنسانية روحية أقرب للحب الصوفي، تسبب هذا الحوار المرسل على لسان البطلة فى تشتيت الجمهور والتباس المعنى.

نظم المهرجان ندوة فكرية رئيسية كبرى بعنوان «رحلة الدكتور عبد الرحمن عرنوس المسرحية والإنسانية إجتمع فى هذه الندوة مجموعة كبيرة ومتنوعة من المتحدثين الذين قدموا شهادات عن علاقتهم بالفنان الراحل، حيث تحدث بهذه الندوة التى ضمت أكثر من محور عن رحلته وبعض الشهادات الإبداعية من تلاميذه عنه، تحدث فى الندوة المخرج المسرحى الكبير عصام السيد الذى قال فى كلمة مقتضبة عن ضرورة إعادة صياغة وتنظيم منهج الدكتور عرنوس الذى يحتاج إلى إعادة نظر من تلاميذه لأن الدكتور عرنوس كان يعتمد على الأفكار المتناثرة التى تحتاج إلى إعادة جمعها وترتيبها بما يتناسب مع النسق العلمى للدراسات المسرحية، كما قدم الناقد محمد الروبى بشيء من الحكى بعض المواقف الطريفة والمداعبات التى شهدها بشكل شخصى مع الفنان الراحل وكانت شهادته تروى علاقته بالدكتور عرنوس فى وصف ملامح شخصيته والعلاقة التى جمعتهما فترة من الزمن، تحدث أيضا عن ملامح شخصيته ورسم له صورة بالكلمات الكاتب التونسى الدكتور محمد المديونى وكذلك الناقد اللبنانى عبيدو باشا، شارك أيضا بهذا المحور الفكرى الدكتور رياض موسى سكران، الدكتور فراس الريموني، بشار عليوي، نبيل نجم، حبيب غلوم، الفنان عمرو قابيل والدكتور هانى الجراح.

كان لكاتبة هذه السطور شرف المشاركة بتلك الندوة الفكرية الهامة التى تناولت جوانب من شخصية الفنان الراحل الدكتور عبد الرحمن عرنوس بشيء من التفصيل جانبا من حياته الشخصية وعلاقته بتلاميذه وآخر عن حياته الإبداعية والفكرية وأثره الفنى فى دولة الأردن، ومن بين الشهادات التى حصلت عليها فى إعداد بحثى عن الفنان الراحل حول نشأة مسرح البحر والصيادين كانت شهادات المخرج الكبير سمير العصفورى الذى قال عنه.. 

«كنا طلابا فى المدرسة الثانوية نحب التمثيل نجتهد، كان لدينا نادى المسرح ببورسعيد.. ناد صيفى داخل مدرسة بورسعيد الثانوية تعرفت عليه، جاء وقتها يعلن عن رغبته فى المشاركة معنا بلعبة التمثيل، لأنه شخصية مقتحمة بسيطة معلنة لذاتها ولحالاتها، بدأت بيننا صداقة وإعجاب، رأيت أمامى كائنا غربيا أوروبيا، ليس أفريقيا رأيت أن هذا الكائن يصلح ممثلا..

وجهه صورته تؤدى إلى أن يكون ممثل قوى جدا، فى نفس التوقيت كان معنا رجل آخر شخصية مهمة الفنان محمود ياسين، عندما أقارن بين نجمين فى حياتى محمود ياسين الممثل القومى الصوت العبقرى صاحب الثقافة الكبيرة كنا لم نبلغ العشرين جميعا التناقض الرهيب بينهما ممثل داخلى عميق الفكر يخفى مواهبه داخله، وآخر معلن عن هذه القدرات خطواته كلها عبارة عن دوائر واسعة الفرق بين الاثنين.. واحد شعبى مطلق السراح إعلامى خارجى.. والآخر كتوم لإبداعه... 

ويواصل العصفورى وصف صديقه فى مرحلة والمراهقة..

«عرنوس فرجوى دوائره واسعة.. تعبيراته شاسعة.. يمتلك أداء صوتيا وحركيا بالتعبير الجسدى إلى حد القدرة على تقديم إيقاع راقص، كان يشغله «اللمة» وهذه الكلمة أستعيرها من «الضمة» البورسعيدية وتعنى الفرجة الشعبية الدائرية يجتمع فيها الناس حول مؤد سواء بالسمسية او إيقاع راقص أو إنشاد أو أداء الأستاذ عرنوس، تشغله المساحات المفتوحة.. بدأ يرى المسرح فى مساحات أكثر اتساعا وحداثة، ليس مجرد فنون فولكولورية بينما الفرجة عنده تعنى مساحة واسعة إلى أقصى درجة ممكنة والتعبيرات المسرحية لديه ليست مجرد لغة أو نصوص مكتوبة، تحرر من هذه النصوص ليقدم أعمالا فيها فن أكثر من الأدب،  كنا نعيش أحداثا صعبة فى فترة 56 لأن بورسعيد كانت مدينة حدودية مستهدفة كانت تقصف بالقنابل ويتم تدميرها، معظمنا ذهب للقرى ومحافظات أخرى، لم أتذكر إلى أين هاجر عرنوس، لكنه بالقطع عمل دائرة فنية كبيرة استفاد من تراث هذه المنطقة، وقتها كنا جميعا مصابين بكهرباء قومية انفعالية، زاد منها قصة العدوان الثلاثي، ظلت تتفجر مشاعره بالتعبير العام حتى وفاة عبد الناصر الزعيم والقوة والروح الوطنية لحظة الوفاة مسجلة رسميا.. لأنه الفم الوحيد الذى نطق وقال..» يا جمال يا حبيب الملايين» انفعل فى دائرة واسعة حتى اتسعت ليودع الجميع الرجل بهذه الجملة التى أصبحت مقدمة لعمل فنى عظيم لأغنية تحولت إلى لحن كبير وللأسف لم يذكر أحد أنها من وحى فنان شعبى وأكاديمى اسمه عبدالرحمن عرنوس.

المخرج حمدى حسين..

«بعد نكسة 67 مباشرة تم تهجير مدن القناة وكان من بينهم مدينة بورسعيد، بدأ الدكتور عبد الرحمن عرنوس فى تكوين فرقة من عازفى «السمسمية» من بورسعيد بالقاهرة وبعض الصيادين الذين فقدوا عملهم شكل فرقة «أولاد البحر»، كانت تقدم حفلات سمر للمهاجرين بأماكنهم بالمدارس والنوادى يجتمعون للعزف على السمسية وهو من يقوم بتأليف وتلحين الأغانى بنفسه، حتى يوم وفاة الزعيم الراحل الرئيس جمال عبد الناصر تجمعت الفرقة بميدان طلعت حرب وبدأ يكتب لهم نشيد الوداع ..»يا جمال يا حبيب الملايين» تغنت الفرقة بالنشيد فى الميدان، وبالتالى تعتبر فرقة أولاد البحر أول من غنى هذا النشيد.

المخرج أحمد عجيبة..

هو مؤلف تلقائى ومخرج مسرحى على مدار خمسين عاما، أنتج خلالها ما يزيد على مئتى أغنية وطنية وعشرات التجارب المسرحية منها «مسرح المقهى»، «مسرح العربة»، «مسرح الشارع»، أسس فرقة شباب البحر الجامعية التى طافت بعروضها معظم المدن المصرية قدمت عروضا صامتة عن التراث العربى، وهو أول من قدم مسرح السيارة فى مصر (1973)، واستحدث مسرح الصيادين على شواطئ بحيرة المنزلة بمدينة المطرية- دقهلية، وقدم عروضا فى حديقة دار الأدباء، وقدم ما يسمى بمسرح الفنان وسط جمهور مقهى «استرا» بالقاهرة، وهو أول من قدم المونودراما واستحدث ما يسمى مسرح المناقشة. ووصفه تلميذه المخرج أحمد طه بالدوشجى قائلا..

كانت موهبته فطرية قدم تجارب مسرحية ارتجالية بالمقاهى أثناء لعب الطاولة والضمنة، تجارب ارتجال تخص اللحظة الراهنة شخصية متفجرة بالإبداع يحمل جين «أبى العربي» البورسعيدى «الدوشجي».. لم يكن من المعتاد الخروج والتحرر من تقاليد المسرح فى ذلك الوقت هو من أسس لهذا الخروج، كان يلحن ويكتب الشعر ويرقص تركيبة بامبوطى خارج السياق، تركيبته ونزعاته الفنية المتحررة لم تنسجم مع الأكاديمية، هو من صاغ كلمة المختبر وليس الورشة البحث المسرحى فى التمثيل والتأصيل عاد محملا بتجربته فى الأردن أصبح منزله فى الناصرية كعبة المسرحيين من كل مكان، وهو من ساعدنى فى بداية تجاربى مع مسرح الثقافة الجماهيرية كانت لدى تجارب خارج الصندوق..كان يبث أفكارا يشجع الناس، كانت لديه بلورة تخصه يرى منها الأشياء كان سابقا بخطوة.