الخميس 11 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بـتشوه

كيف أثرت الحكايات الخيالية سلبًا على نظرتنا للعالم ولأنفسنا؟

لا يتفوه الناس بكلمة «مُعوَّق» أمام أفراد عائلتنا، أو ليس أكثر من مرة.



ترى زوجتي، معلمة الثانوية الصبورة، تلك الكلمات المهينة كلحظات تنويرية، أما أنا فأمسك بسكين.

منذ ثلاثين عامًا، ولدت ابنتنا الأولى زرقاء داكنة، وبمرور الدقائق، وبينما حاول الطبيب تشغيل رئتيها الساكنتين، اختنق المستقبل الذى تخيلناه.

ولكن فتحت بوابة لمستقبل جديد، حياة متشابهة فى غموضها ككل الحيوات الأخرى، ابنتنا مصابة بشلل دماغى وتستخدم كرسيًا متحركًا، وهذا جزء منها فحسب، إنها لا تتحدث، لكن لديها ضحكة رائعة، إنها خجولة لكنها فى غاية اللطف والمراعاة، إنها ليست مأساة وليست ملاكًا، إنها ليست عطية من الرب الذى لن يعطينا ما يفوق قدرتنا، إنها تحب «دكتور سوز»، وكعكة الشوكولاتة، واللهجات الأجنبية، إنها ليست نجمة فى مسلسل درامى ملهم.

إنها ليست «مُعوَّقة».. إنها ابنتنا

فى 2009، شرعت مجموعة تدعى «انشر الكلمة لننهى الكلمة» بتشجيع الناس على إيقاف استخدام تلك الشتيمة المهينة، أخذت المجموعة حملتها إلى آلاف المدارس عبر البلد، فى السنة الماضية، غيرت المجموعة اسمها إلى «انشر الكلمة»، ووسعت من نطاقها إلى الدعوة بقبول أكبر للأشخاص ذوى الإعاقات الذهنية والتنموية، تآزرت تلك الجهود فى الرابع من مارس عما شجع الناس حول العالم على التعهد على نشر الشمولية.

البعض قد يظن أن تلك المجهودات رقيقة ومنمنمة: الحساسية المفرطة للصوابية السياسية لندفات الثلج الذين لا يمكنهم فهم الدعابة، لقد سمعنا هذا منذ بضع سنوات عندما سخر «دونالد ترامب» من الصحفى الحائز على جائزة البوليتزر «سيرجى كوفاليسكي»، والذى لديه مشكلة بالمفاصل تدعى اعوجاج المفاصل، تكرمت «آن كولتر» ووضحت أن «ترامب» لم يسخر من حالة «كوفاليسكي» بل قام «بنكتة المُعوَّق التقليدية».

وبقدر ما لهذا «المعيار» البشع من تأثير على ثقافتنا، فإنه يحط من قدر أشخاص حقيقيين ويفرض عليهم المزيد من الانعزال، ما نستخدمه من كلمات، والصور التى نراها مهمة أو شائعة أو حتى مضحكة هى ما تبنى العالم الذى نعيش فيه.

ناقدة شابة رائعة تدعى «أماندا لو-دو» تستكشف تلك القوة المدمرة للغة فى كتابها «مشوه». تركيزها على الحكايات الخيالية، تلك القصص التى جمعت منذ مئات السنين فى غابات فرنسا وألمانيا، وشُذِبَت لترضى ذوق جماهير العصر الفيكتوري، وصقلها ولمعها «والت ديزني». إنها، بالطبع، مجرد قصص – بنفس منطق أن كلمة عبيط أو معوق هى مجرد كلمات.

تتبع «لو-دو» فتات الخبز إلى خبرتها الشخصية مع الحكايات – ثم تستكشف رواسب تأثيرها. تناولها الجرىء هو مزيج من السيرة الذاتية والنقد الأدبى والتعليق الثقافي، تحركت بمرونة بين الذكريات المدرسية والتحليل العلمي. اقتبست من نصوص العصور الوسطى ومن المسلسلات التلفزيونية. ولديها قدر متساوٍ من المعرفة بالأخوين «جريم» و(X-Men).

فى طفولتها، ذهبت مخيلة «لو-دو» إلى عوالم الأميرات والأمراء الساحرة، مثل الأطفال فى كل مكان، تعلمت أن الطيبين جميلان، أو بعد التغلب على بعض الصعاب يصبحون جميلين، بينما الأشرار فمجانين، أو مشوهون أو معاقون، هذا هو السرد العالمى الذى من خلاله يبنى معظمنا منظورنا الجمالى، وخيالاتنا، وحتى قيمنا، كتبت «تقع الحكايات الخيالية ضمن أكثر القصص أهمية، إنها طريقة لتفسير العالم من حولنا وتخيُّل عالم ممكن الحدوث.»

كطفلة صغيرة وجميلة، أعطت الحكايات لـ «لو-دو» عرشًا مريحًا يمكنها به تنمية خيالاتها، ولكن عندما كانت فى الثالثة، أظهرت الأشعة المقطعية خللًا فى دماغها، ونجحت عملية لاحقة فى إزالة تكَيُّس، لكنه تركها بشلل دماغي، والذى أثر على وركيها وتسبب فى عرجها، لا حذاء زجاجى لها بعد الآن، وتدريجيًا، أدركت أنه تم نفيها من مملكة السعادة الأبدية، هناك العديد من الشخصيات المعاقة فى الحكايات الخيالية – مادة للشر أو الفكاهة أو الشفقة – ولكن لا أحد ممن أرادت الانتماء لهم بدا مثلها أو تحرك مثلها.

طرحَت سؤالًا «كيف تُجادل الصورة النمطية الواضحة لجمال الأجساد القادرة كـ «بيل» أو «سندريلا» فى عالم ديزنى، أو الطريق الذى تنتهى به كثير من الحكايات بنهايات رومانسية؟ كيف ندرك أن انحراف الحياة عن هذا الطريق ليس هو المشكلة، بل وجود هذا الطريق من الأساس – مُثُل/ معايير هذه الأجسام القادرة، توقعات هذه الأجسام القادرة؟»

فى فصل جذاب تلو الآخر، تسرد «لو-دو» أبعاد هذه المشكلة، تأخذ عددًا من الحكايات من «الحورية الصغيرة» وحتى «فرخ البط القبيح» والتى أعادت تسميتها إلى «هانز كريستيان أندرسون فى أقصى درجات الهانز كريستيان أندرسون»، اقتبست وحللت فقرات من ملفاتها الطبية القديمة، واكتشفت فى طريقة وصف الأطباء لحالتها انحيازًا متأصلًا تجاه محدودية احتمالات حياة الإعاقة.

كتبت «أن يكون شخص ما معاقًا وسعيدًا أيضًا هو أمر بعيد التصور للكثير من الناس» كما أشارت أن أكثر القصص نموذجية تعطى احتمالين فحسب: كمالية أخاذة أو مأساة مثيرة للشفقة. وبداخل هذا النمط، تُرك الأطفال الذين حُكِم أنه ميؤوس منهم جسديًا ليموتوا؛ وفى الأزمنة الأكثر «تنويرًا»، تُركوا للملاجئ، لقد تطورنا، بالتأكيد، ولكن هؤلاء من وقعوا خارج حدود مثاليتنا ما زالوا مهمشين بقدر كبير، طرحت «لو-دو» سؤالًا «كم من الحيوات دُهِسَت أو اختفت أو لم تترك لتزدهر بسبب ما نحكيه من قصص؟» إنها، بالطبع، مجرد قصص.

ولكن تشير «لو-دو»، مرة تلو الأخرى، أن تلك القصص تشير أن الشخصية المعاقة هى شخص يجب الخوف منه أو شخص يستقبل حسنتنا بامتنان أو شخص يمدنا بدفعة المعنوية: «العاجز الجميل – عديم الفائدة ولكنه قديس» وبالتالى «فالهدف من السرد هو محو حياة الإعاقة بدلًا من تغيير العالم حتى تتمكن حياة الإعاقة من الازدهار».

تلك التغييرات ممكنة الحدوث – وحان وقتها منذ زمن، راقب لغتك، تحد قصصك، واقرأ هذا الكتاب الذكى والجريء.