السبت 24 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الثابت والمتغير

الثابت والمتغير

إذا كان الثابت هو الأصل، والمتغير يتسم بعدم الثبات، كالشمس ثابتة نسبياً؛ تدور حولها الأرض، فتتشكل الفصول الأربعة،  فيبقى كل فصل فترة معلومة، سرعان ما يتلاشى ثم يليه فصل آخر، فكذلك هى سنة الحياة، فالحضارات وجودها يدور جوداً وعدماً بأصل ثابت، فإذا ما تخلت عنه ذبلت وتلاشت، فأصل ازدهار الحضارات إنما يقوم على (فكرة، قيم أخلاقية، التزام) فالحضارة الفرعونية على سبيل المثال قامت على هذه الأسس، فكانت تتسم بالمحافظة والتمسك بالالتزام كمبدأ مقدس، وخير دليل على ذلك اهتمام المصريين القدماء بالتفاصيل الدقيقة، فيمكن رؤية مبدأ الالتزام يتجسد بوضوح فى بنائهم للأهرامات والآثار الأخرى إذ يظهر الالتزام صارماً بالإجراءات القياسية، كذلك الأمر بالنسبة للحضارة الإسلامية، فقد نشأت وتطورت فى بيئة بسيطة  سرعان ما ارتقت وتألقت بمبادئ ثابتة هى القيم والأخلاق والالتزام، إذ قامت على مجموعة من الأسس أهمها ربط الأخلاق بالإيمان بالمصير فى الآخرة، واستطعت أن تهزم أعظم إمبراطوريتين فى ذلك الزمان (الروم والفرس)، وتقدمت فى كل الميادين وشاع بين أرجائها العدل والنظام والسلام والمساواة والحرية، ومع تراجع مقومات الازدهار الثلاثة تبدلت الأحوال بعد تزايد الصراعات.كذلك تنطبق فكرة الثابت والمتغير على كوكب الأرض، فكوكب الأرض يعتبر ثابتا نسبياً بالنسبة لكافة أشكال الحياة التى نشأت عليه، فبعدما أمطرت النيازك الغنية بالكربون الكوكب ورشحت العناصر الأساسية فى «برك صغيرة دافئة» ترعرع فيها أول الجزيئات الذاتية للتكاثر، فولدت أول شفرة وراثية للحياة وعاشت عليها العديد من الكائنات الحية فنمت وتكاثرت ثم هلكت ونشأت دورة الحياة بالصورة التى نعرفها على كوكب الأرض، وفكرة الثابت والمتغير يمكن أن تطبق فى كل المجالات، فبالنسبة للدول، فإن الشعوب ثابتة نسبياً والحكومات تتغير، كذلك بالنسبة لكافة العلوم فالذرة ثابتة وتدور حولها إلكترونات سالبة الشحنة، أما بالنسبة للأمور الحياتية وكيفية التجاوب معها وحكمنا على الأمور وطريقة تفكيرنا وكيفية التصدى للأزمات والكوارث والمشكلات، فستتجسد بشأنها غالباً فكرة الثابت والمتغير، أما الثابت فهو ما نجتهد للحفاظ عليه، وأما المتغير فهو أحداث وضغوط وقتية سرعان ما تتلاشى، فإذا تعرضت لأزمة فى العمل فالثابت هو الحفاظ على وظيفتك لاعتبارات عديدة قد تتعلق بتحقيق ذاتك أو سد احتياجاتك المادية أو تحقيق طموحك الوظيفى، أما المتغير فهو ما تتعرض له من ضغوط أثناء عملك يجب أن تتغلب عليها.. إذاً فكل ما يشكل الثبات فى هذه الحياة يجب أن نعضده ونصونه ونحافظ عليه، فالتطور على سبيل المثال مفهوم ثابت لأنه سنة الحياة، فلا يجب أن نقاومه، كذلك فالثابت أن المعطيات تؤدى إلى النتائج ومن ثم فلا يجب أن نستبق النتائج قبل المعطيات، كذلك فإن التجدد فى الحداثة والتحديث مفهوم ثابت وما يعيقه من عقبات هو متغير مصيره الزوال.. وما يعرف بالثوابت الوطنية فهو ثابت طالما تم تقديره وتقييمه فى إطار تحقيق التوازن بين مصلحة الناس والثوابت الوطنية، أما المتغير فهو المصالح الشخصية التى لا يبقى لها أثر، كذلك بالنسبة للبشر فيمكن أن يتمسك المرء بفكرة يؤمن بها ويسخر حياته من أجلها ويبذل من أجل تحقيقها كل غالى وثمين، فهذه الفكرة هى الثابت وكل ما يتعرض له من أزمات وصعوبات فى سبيل تحقيقها فهو زائل ومتغير.