الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى رحيل مكتشف المواهب

عبدالرحمن الخميسى موهبة استثنائية وتاريخ حافل بالإبداع

مهّد الطريق لمواهب كبرى مثل يوسف إدريس، واكتشف طاقات أخرى مثل سعاد حسنى  وترك أثراً خاصا بدوره فى فيلم الأرض ليوسف شاهين.



تمر بنا هذه الايام ذكرى وفاة الأديب والمفكر والشاعرعبد الرحمن عبد الملك الخميسى مراد (13 نوفمبر 1920 - 1987)، وهو شاعر مصرى رومانسى تقلب بين مختلف ألوان الفن فى الشعر والقصة والمسرح والتمثيل والصحافة والتأليف الإذاعى والإخراج السينمائى وتعريب الأوبريت بل وتأليف الموسيقى والأغانى كتابة ولحنا، ومذيعا عرف بأنه «صاحب الصوت الذهبى».

 حياته

ولد فى 13 نوفمبر 1920 بمدينة بورسعيد. درس فى مدرسة القبة الثانوية بالمنصورة لكنه لم يكمل دراسته بها. فى سن مبكرة بدأ الخميسى يكتب الشعر ويرسل قصائده من المنصورة فتنشرها كبرى المجلات الأدبية حينذاك مثل «الرسالة» للأستاذ أحمد حسن الزيات، و«الثقافة» للأستاذ أحمد أمين، ثم استقر قراره على الانتقال للقاهرة عام 1936، وهناك أجبرته الظروف على العمل بائعا فى محل بقالة وكومسارى ومصححا فى مطبعة ومعلما فى مدرسة أهلية والنوم على أرائك الحدائق، كما جاب الريف مع فرقة «أحمد المسيري» المسرحية الشعبية التى كان صاحبها يرتجل النصوص. وفى فترة لاحقة دخل إلى عالم الصحافة بانضمامه إلى جريدة المصرى لسان حال الوفد قبل ثورة 1952.

لمع الخميسى شاعرا من شعراء الرومانسية ومدرسة أبوللو بروادها الكبار: على محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، وإبراهيم ناجى، وغيرهم. وفى سنوات ما قبل ثورة 52 أخذت تظهر مجموعات الخميسى القصصية التى صورت طموح المجتمع المصرى وخاصة الطبقات الفقيرة إلى عالم جديد. وعندما قامت ثورة يوليو، وأغلقت صحيفة المصرى، اعتقل الخميسى وظلَّ رهن الحبس من يونيو 1953 حتى منتصف ديسمبر 1956 نظراً لموقفه الداعى للتشبث بالحياة الحزبية الديمقراطية. بعد الإفراج عنه التحق بجريدة «الجمهورية» لكن الحكومة قامت فيما بعد بنقله فيما يشبه العزل السياسى مع مجموعة من أبرز الكتاب إلى وزارات مختلفة وكان نصيبه منها وزارة التموين، فألّف فى تلك الفترة فرقة مسرحية باسمه كتب وأخرج أعمالها ومثل فيها وجاب بها المحافظات، كما كتب للإذاعة عدة مسلسلات لاقت نجاحا خاصا أشهرها «حسن ونعيمة» التى تحولت لفيلم واعتبرها النقاد «قصة روميو وجولييت» المصرية.

انتقل إلى تعريب الأوبريتات فى تجربة كانت الأولى من نوعها فى تاريخ المسرح الغنائى خاصة أوبريت «الأرملة الطروب»، وألف العديد من الأوبريتات المصرية، ثم انتقل إلى تأليف وإخراج الأفلام السينمائية. إلى جانب ذلك كله كان الخميسى يواصل دوره الصحفي، والأدبى فى مجال القصة والشعر، ومهّد الطريق لمواهب كبرى مثل يوسف إدريس، واكتشف طاقات أخرى مثل الفنانة سعاد حسنى وغيرها، وترك أثراً خاصا بدوره فى فيلم الأرض ليوسف شاهين. وبرجوع الخميسى إلى جريدة الجمهورية كان أول ما نشره سلسلة من المقالات منع نشر ما تبقى منها، وبعدها هاجر الخميسى من مصر فى رحلة طويلة من بيروت إلى بغداد ومن بغداد إلى ليبيا ومنها إلى روما ثم باريس ثم موسكو، حيث قضى ما تبقّى من سنوات حياته فى الغربة حتى وفاته فى أبريل 1987، فنُقل جثمانه ليُدفن فى المنصورة حسب وصيته الأخيرة.

أعمال الخميسى فى الشعر والقصة

ترك الخميسى سبعة دواوين شعرية هي: الدواوين: أشواق إنسان (مايو 1958) القاهرة - ثم «دموع ونيران» 1962 القاهرة، ثم ديوان الخميسى دار الكاتب العربى 1967 ثم ديوان الحب 1969 القاهرة – إنى أرفض؟ بيروت – تاج الملكة تيتى شيرى 1979 بيروت– مصر الحب والثورة 1980 بيروت. وقد اعتبره الدكتور لويس عوض: «آخر الرومانسيين الكبار» وأشار إلى قصيدته «فى الليل» معتبرا أنها «من أروع ما نظم شعراء العربية». واعتبر د. محمد مندور أن الخميسى «بلغ بشعره حد السحر».

توالت مجموعاته القصصية بعد أن أعاد صياغة «ألف ليلة وليلة الجديدة» على صفحات المصرى وصدرت فى جزئين، ثم ظهرت مجموعته الأولى «من الأعماق» ثم «صيحات الشعب» فى نوفمبر 1952، ثم «قمصان الدم» مارس 53، و«لن نموت» مايو 1953 ثم «رياح النيران» مكتبة المعارف بيروت أبريل 1954 و«ألف ليلة الجديدة» و«دماء لا تجف» فى نوفمبر 1956، «البهلوان المدهش» أكتوبر 1961 (الكتاب الذهبى روز اليوسف)، وأخيرا «أمينة وقصص أخرى» (الكتاب الماسي) عام 1962 وكانت تلك آخر مجموعة قصصية له، فلم يعد إلى فن القصة. وله أيضا قصة طويلة لم تطبع نشرت فى المصرى أواخر الأربعينات تحت عنوان «الساق اليمنى».

فى المسرح

كل الخميسى فرقة مسرحية باسمه فى 21 مارس 1958 وقدمت عرضها الأول على مسرح 26 يوليو الصيفى بثلاث مسرحيات قصيرة من تأليف الخميسى وإخراجه وتمثيله وهى «الحبة قبة»، و«القسط الأخير» و«حياة وحياة». ثم قدمت فرقته مسرحية «عقدة نفسية» المترجمة عن الرواية الفرنسية «عقدة فيلمو» لمؤلفها جان برنار لوك واقتبسها للمسرح الإنجليزى جون كلمنتس وسماها «الزواج السعيد» ثم مصرها أحمد حلمى لفرقة الخميسي. كانت عزبة بنايوتى تأليف محمود السعدنى ثالث عروض الفرقة، وفيها قام الخميسى بدور كشف عن طاقاته كممثل بارع. وقدمت الفرقة بعد ذلك عملها الرابع والأخير وهو «نجفة بولاق» تأليف عبد الرحمن شوقى فى مارس 1961، وجابت الفرقة محافظات القاهرة، ثم توقفت بسبب الظروف المالية.

فى مجال الأوبريت والسينما

اتجه الخميسى إلى تعريب الأوبريتات وكتابتها، فقدم أولا الأرملة الطروب عام 1961 التى وضع موسيقاها الموسيقار المجرى فرانز ليهار عام 1905 وعرضت فى نفس العام فى فيينا، وهى من تأليف «فيكتور ليون» و«ليوشتين». وتمكن الخميسى مع الالتزام بالترجمة الشعرية الدقيقة للنص الأصلى من اختيار وضبط الكلمات العربية شعرا على مقياس الوحدات الموسيقية والألحان الأصلية التى وضعها فرانز ليهار. وقدم الخميسى تجربة ثانية مماثلة من تعريبه أيضا هى أوبريت «حياة فنان» تأليف الموسيقار الإنجليزى ايفون نوفيللو، وكان اسمها الأصلى «السنوات المرحة» وتم عرضها بدار الأوبرا فى مطلع شهر ديسمبر عام 1970، وكلفت وزارة الثقافة المخرج النمساوى تونى نيسنر الذى أخرج من قبل «الأرملة الطروب» بإخراجها. وقدم الخميسى للمسرح الغنائى من تأليفه هى أوبريت مهر العروسة عن تأميم قناة السويس ونشر الفصل الأول منها فى الجمهورية فى 27 مايو 1961، وعرضت فى 2 أبريل عام 1964، وفى 29 يوليه 1963 وقع الخميسى عقدا مع المؤسسة العامة للمسرح والموسيقى قدم بموجبه أوبريت جديدة من تأليفه هى الزفة لكنها لم تعرض. وخاض غمار كتابة أوبريت جديدة هى «عيد الحبايب»، كما خطط لكتابة أوبريت مشترك مع الشاعر التركى العالمى ناظم حكمت عن تاريخ كفاح الشعب المصرى وذلك عندما التقى الفنانان فى مؤتمر لكتاب آسيا وأفريقيا فى القاهرة فى فبراير 1962، لكن الظروف الشخصية للشاعرين حالت دون تحقيق ذلك الحلم.

قدم الخميسى أربعة أفلام شارك فى وضع قصصها وسيناريوهاتها وألّف الموسيقى التصويرية لبعضها ومثل فى بعضها الآخر وهي: الجزاء 1965 بطولة شمس البارودى وحسين الشربينى - عائلات محترمة عام 1968 حسن يوسف وناهد شريف - الحب والثمن أكتوبر 1970 أحمد مظهر وزيزى البدراوى - زهرة البنفسج 1972 زبيدة ثروت وعادل إمام. كما قدم للسينما اكتشافه الرائع سعاد حسنى فى فيلم حسن ونعيمة الذى كتب له السيناريو، كما قام بأداء دور الشيخ يوسف فى فيلم «الأرض» ليوسف شاهين.

فى النقد والترجمة

قدم كتاب «الفن الذى نريده» – الدار المصرية عام 1966، وكتاب «مناخوليا – محاورات ونظرات فى الفن» - وكتاب «المكافحون» وهو سير لحياة العظام مثل عبد الله النديم وغيره صدر عن مطبوعات المصرى فى سبتمبر 1951.

ترجم مختارات من أشعار ووردزورث، وكيتس، ثم مختارات من القصص العالمية تحت عنوان «يوميات مجنون» صدرت فى كتب للجميع ما بين 1951- 1952، ثم مختارات من الشعر السوفيت عام 1985 صدرت عن دار رادوجا الروسية، ثم الصهيونية غزو بلا سلاح للكاتب فلاديمير بيجون – بيروت عام 1985.

فى النهاية فقد ترجمت أعمال الخميسى إلى لغات عديدة منها الإنجليزية والروسية والفرنسية وغيرها وكانت موضوعا لرسائل الدكتوراه فى جامعات أوروبية عدة.