الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نار الإرهاب تحرق مقدرات إفريقيا

تواجه القارة الإفريقية تحدى توطن وتمدد التنظيمات الإرهابية فى كثير من بلدانها، خصوصًا منطقة الساحل والصحراء، بما يمثل الخطر الأكبر على استقرار وتنمية الشعوب الإفريقية، وخلال السنوات الأخيرة تشهد القارة تناميًا مقلقًا فى نشاط التنظيمات الإرهابية، خصوصا تنظيم «داعش» والقاعدة، حيث تعتبر تلك التنظيمات إفريقيا بيئة مناسبة للانتشار، وتتوافر فيها الظروف الموائمة لنمو تلك التنظيمات وانتشارها.



وأصبح كثير من الجماعات والتنظيمات الإرهابية الكبرى، تتخذ من دول إفريقيا موطنًا لها ولنشاطها، بل إن نشاط هذه التنظيمات خلال هذا العام كان أكثر انتشارًا فى القارة الإفريقية عن غيرها من أماكن تواجدها فى مناطق أخرى، بدليل كثرة الهجمات الإرهابية والهجمات المسلحة المروعة التى شهدتها بعض الدول الإفريقية وراح ضحيتها الألاف.

ووفقًا لأحدث تقرير لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، عن جرائم الإرهاب فى القارة الإفريقية أشار إلى أن عدد جرائم التنظيمات الإرهابية خلال شهر أكتوبر 2023، وصل إلى 15 عملية، وأسفرت عن مقتل 143 شخصًا وإصابة 21 واختطاف 11 شخصًا آخرين.

ورغم كثرة هذه الجرائم فى شهر واحد، إلا أن سجل الجرائم الإرهابية  فى شهر أكتوبر الماضى قد سجل انخفاضا كبيرًا مقارنة بعددها فى شهر سبتمبر السابق له، والتى بلغت 31 عملية إرهابية، بمعدل 51.6%، أسفرت تلك العمليات عن سقوط 757 ضحية، فضلًا عن إصابة 120، واختطاف 9 آخرين. 

وأشار التقرير إلى أن الانخفاض فى عدد العمليات الإرهابية، إنما يعود إلى جهود مكافحة الإرهاب فى الدول الإفريقية، خصوصًا فى الصومال ونيجيريا، وكشف المرصد عن أن «بوركينا فاسو» لأول مرة لم تشهد أى عمليات إرهابية فى شهر واحد، منذ فترة كبيرة، والتى لطالما تصدرت المشهد العملياتى فى منطقة الساحل الإفريقي، وهو ما أدى بدوره إلى انخفاض ملحوظ فى عدد الضحايا والمصابين، مقارنة بالشهر الماضي.

شرق إفريقيا فى المقدمة 

وبحسب الإحصائية فقد جاءت منطقة شرق إفريقيا فى المركز الأول من حيث عدد العمليات والضحايا؛ إذ شهدت المنطقة المضطربة بمفردها 8 عمليات إرهابية، أى أكثر من نصف العدد الإجمالى للعمليات الإرهابية التى نفذتها التنظيمات المتطرفة فى إفريقيا خلال الشهر، بما يعادل 53.1% من إجمالى عدد العمليات الإرهابية التى نفذتها التنظيمات الإرهابية فى القارة خلال شهر أكتوبر، وأسفرت تلك العمليات 82 من الضحايا، و20 من المصابين، حيث كان لـدولة «الصومال» منها 6 عمليات إرهابية، أما «كينيا» فقد تعرضت لعملية إرهابية أدت إلى مقتل شخصين، وإصابة 4آخرين، بينما تعرضت «أوغندا» لعملية وحيدة سقط على إثرها 3من الوفيات، دون حدوث إصابات.

واعتبر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الاشتباكات الدائرة بين القوات الحكومية فى الصومال وحركة الشباب الإرهابية تتخذ من الكر والفر منحى لها، ولا تعدو أن تكون حربًا بين قوى غير متكافئة من جهة عدم حسمها فى ساحة القتال، كما أن خطة سحب قوات «أتميس» من الصومال كان لها أثرًا سلبيًا على جهود مكافحة حركة الشباب، وهو ما لا يمكن فصله عن استمرار محاولات الحركة الإرهابية استعادة سيطرتها وتصعيد عملياتها الإرهابية.

جرائم الإرهاب فى الساحل

ووفقًا للإحصائية، جاءت منطقة غرب إفريقيا فى المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات، فيما جاءت فى المرتبة الرابعة من حيث عدد الوفيات؛ حيث شهدت المنطقة 3هجمات إرهابية أى بما يعادل 20 % من إجمالى عدد العمليات الإرهابية، تمركزت جميعها فى «نيجيريا» وأسفرت عن سقوط ضحايا، ومختطفين، دون وقوع إصابات، على الرغم من أن نيجيريا جاءت فى المركز الثاني، إلا أن عدد الضحايا كان ضئيلًا جدًا، وهذا يؤكد أن الجيش، من خلال عملياته، يواصل انتصاره ضد آثار أعمال التمرد والإرهاب من أجل تحقيق الأمن والاستقرار.

وخلال الشهر جاء إقليم الساحل والصحراء الذى يشكل مصدر قلق فى المرتبة الثالثة من حيث عدد العمليات، وفى المرتبة الثانية من حيث عدد الضحايا؛ إذ شهد وقوع حادثين إرهابيين، أى بما يعادل 13.3% من إجمالى عدد العمليات الإرهابية، تم تنفيذهما فى «النيجر» ما أسفر عن سقوط 36 قتيلًا دون وقوع إصابات فى صفوف المدنيين أو الجنود.

ومن الملاحظ أن «بوركينا فاسو» لم تشهد وقوع عمليات إرهابية على أرضها فى هذا الشهر، على الرغم من أن منطقة «الحدود الثلاثة» الواقعة بين «النيجر» و»بوركينا فاسو» و»مالي» فيما يُعرف بـ «مثلث الموت»، تشكل ملاذا «للإرهابيين» لاسيما جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التى تبايع تنظيم «القاعدة»، ومنطلق لهم لشنّ هجماتهم فى هذه الدول الثلاث. وفى هذا الصدد أعلن الجيش فى بوركينا فاسو، أنه أحبط هجومًا إرهابيًا كبيرًا كانت تخطط له مجموعة إرهابية تتمركز فى غابة تقع فى أقصى شمال البلاد، غير بعيدة عن الحدود مع دولة مالي. كذلك الأمر فقد قام الجيش المالى بمباغتة مجموعة إرهابية من خلال هجوم مزدوج برى وجوى وتمكن من القبض على أحد القادة البارزين، فضلًا عن مصادرة كميات من الأسلحة.

أما منطقة وسط إفريقيا فقد جاءت فى المركز الرابع من حيث عدد العمليات، والثالث من حيث عدد الوفيات الناجمة، حيث سجلت المنطقة هجومين إرهابيين؛ وقع أحدهما فى «الكونغو الديمقراطية» ونُسب إلى متمرّدى «القوات الديمقراطية المتحالفة» المرتبطة بتنظيم «داعش» الإرهابي، ما أسفر عن مقتل 20 فيما وقع الهجوم الآخر فى «الكاميرون» ونُسب إلى جماعة «بوكو حرام» الإرهابية وتسبب فى مقتل جندى كاميرونى واختطاف 3 مدنيين.

جهود مكافحة الإرهاب

يأتى ذلك فى الوقت الذى تواصل فيه الحكومات الإفريقية جهودها لمكافحة الإرهاب، حيث أسفرت تلك الجهود على قتل 406 عناصر من التنظيمات الإرهابية، واعتقال 94 آخرين، فضلا عن استسلام 15 عنصرا، وجاءت الصومال فى مقدمة الدول التى أسقطت عناصر إرهابية، حيث قتلت الحكومة الصومالية 165 من مقاتلى حركة «الشباب» الإرهابية، واعتقلت 11، فيما استسلم 15 إرهابيين طواعية لقوات الجيش.

ومن جانبه تمكن الجيش الأوغندى من تصفية 5 من عناصر حركة الشباب الإرهابية. بينما نجح الجيش الكينى فى تحييد عنصرين اثنين من مسلحى الحركة الإرهابية، وفى غرب القارة، أدت جهود الجيش النيجيرى فى مكافحة جماعة «بوكو حرام» وتنظيم «داعش غرب إفريقيا» إلى مقتل 159 من العناصر الإرهابية، واعتقال 82 آخرين، وفى منطقة الساحل، أسفرت جهود القوات الأمنية فى «مالي» من تصفية 40 من العناصر الإرهابية، واعتقال آخر. وتمكنت القوات النيجرية من تحييد 31 إرهابيًا، وفيما يخص وسط إفريقيا فقد أسفرت جهود الجيش الكاميرونى عن مقتل 4من العناصر الإرهابية.

الفقر الدافع الأول للإرهاب

يشار فى هذا الصدد، إلى تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى فى فبراير الماضى الذى أشار إلى أن الفقر هو الدافع الرئيسى لانضمام الأفارقة إلى الجماعات المتطرفة والإرهابية، وليس الدين، أو التطرف الديني.

وجاء التقرير بناءً على مسح إجراء برنامج الأمم المتحدة على آلاف الأشخاص فى 8 دول إفريقية شملت مالى ونيجريا والصومال، وقال 17% فقط ممن شاركوا فى الاستطلاع إن الدين هو سبب الانضمام إلى الجماعات المتطرفة، فى حين قال 40% إن الفقر هو الدافع الأساسى وراء ذلك.

 

.. ونقل التجربة المصرية فى مواجهة الإرهاب لمالى

 

فى إطار جهود مصر لدعم الدول الإفريقية فى مواجهة خطر الإرهاب، عقد مركز القاهرة الدولى لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام فى العاصمة المالية باماكو وبالتعاون مع الحكومة المالية وبعثة الاتحاد الإفريقى فى مالى والساحل MISAHEL دورة تدريبية بهدف تعزيز دور القيادات الدينية والأئمة فى مجال الوقاية من التشدد والتطرف المؤدى للارهاب.

يأتى تنظيم المركز لهذه الدورة فى إطار حرص مصر على تقديم الدعم للدول الإفريقية الشقيقة، وخاصة دول منطقة الساحل، من أجل التصدى للإرهاب والفكر المتطرف ودحض الأفكار والمفاهيم التى يساء استغلالها من قبل الجماعات الإرهابية، وذلك وفقًا للأولويات الوطنية، ومن خلال تبنى مقاربة شاملة تستند إلى التجربة المصرية الرائدة ذات الصلة، وهى مقاربة لا تقتصر على البعد الأمنى وإنما تمتد لتشمل الجوانب الفكرية والاقتصادية والتنموية، وهو ما يمثل أحد أهم محاور منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين الذى يتولى مركز القاهرة مهام سكرتاريته التنفيذية.

عقدت الدورة التدريبية بمشاركة ٢٩ من الأئمة والقيادات الدينية،  وتم خلالها تقديم محتوى تدريبى شامل يتم إعداده وتقديمه بالاشتراك مع علماء فى الشريعة الإسلامية وفى إطار التعاون القائم بين مركز القاهرة الدولى ومرصد الأزهر لمكافحة التطرف، بحيث يتم تعريف هذه القيادات بأهم العوامل التى من شأنها أن تؤجج من حدة الفكر المتطرف وتمكينها من دحض الخطاب المتطرف وصياغة خطاب قائم على قيم ومبادئ التعايش السلمى فى الشريعة الإسلامية السمحة، وذلك استناداً لدورهم المؤثر والحيوى داخل مجتمعاتهم.

وأشار السفير أحمد نهاد عبد اللطيف، مدير مركز القاهرة الدولى إلى حرص مصر على دعم الدول الإفريقية على أرض الواقع وبناء قدرات كوادرها على مكافحة الفكر المتطرف، فى ظل ما تواجهه القارة الإفريقية من تهديدات إرهابية ، حيث يشير  تقرير المؤشر  الدولى للارهاب إلى ان منطقة جنوب الصحراء الكبرى فى إفريقيا سجلت أعلى زيادة فى وفيات الإرهاب فى عام ٢٠٢٢، فى حين شكلت منطقة الساحل وحدها ٤٣% من وفيات الإرهاب العالمية. 

 

الدعم الإفريقى للقضية الفلسطينية

جنوب إفريقيا تقاضى إسرائيل فى المحكمة الجنائية الدولية

 

فى إطار المواقف الإفريقية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، وإدانة الجرائم التى ترتكب فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، أعلن رئيس جنوب إفريقيا ماتاميلا رامافوزا، أن بلاده قدمت شكوى للمحكمة الجنائية الدولية من أجل التحقيق فى «جرائم حرب» ارتكبتها إسرائيل فى قطاع غزة، مشيرا إلى  أن إسرائيل «ترتكب جرائم حرب وعمليات إبادة جماعية فى قطاع غزة»، الذى قتل فيه آلاف الفلسطينيين، بالإضافة لتدمير مستشفيات وبنى تحتية عامة.

يأتى الموقف الإفريقي، ليضاف لمواقف الدول الإفريقية الرافضة للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، والتى تأتى على رأسها موقف الدولة المصرية، الحاسم والرافض للعدوان والرافض أيضا لسياسات التهجير القسرى للفلسطينيين فى قطاع غزة.

وتأتى خطوة جنوب إفريقيا، بالتزامن مع توقعات بمناقشة نواب البرلمان فى جنوب إفريقيا اقتراحا، الخميس، يدعو لإغلاق السفارة الإسرائيلية فى جنوب إفريقيا، وقطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل حتى توافق على وقف إطلاق النار فى غزة.

ويأتى موقف جنوب إفريقيا الحاسم والرافض بشدة للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، منذ بدء العدوان فى السابع من أكتوبر، وسبق وأن دعت جنوب إفريقيا فى شهر أكتوبر الماضى 33 دولة أفريقية عضواً فى المحكمة الجنائية الدولية لرفع دعاوى مشتركة ضد إسرائيل فى شأن ما يمكن وصفه بممارسة إبادة جماعية فى غزة وانتهاكات ضد الإنسانية، حيث قدم هذه الدعوة للدول الإفريقية مركز العدالة بجوهانسبرج.

وأرجع رئيس جنوب أفريقيا سبب دعم بلاده لحقوق الشعب الفلسطيني، إلى أن بلاده تهتم بما يحدث فى فلسطين، لأن شعوبنا تثمن هذه الخسارة والشجاعة أملا فى تحقيق حريتهم ورغبة فى إنهاء معاناتهم؛ دعمًا للشعب الفلسطيني» وأضاف « يجب الالتفات إلى حل الدولتين، بناء على حدود عام 1967، ويجب العودة للمفاوضات وفض المنازعات، ودفع السلام وحقوق الإنسان، وإنهاء المعاناة التى بدأت تتضاعف فى قطاع غزة».