الجمعة 28 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اسمحوا لى بالتلصص

كتاب يبحث عن دور التلصص فى حياة الأدباء

صدر حديثا عن دار صفصافة كتاب «اسمحوا لى بالتلصص»، للكاتب الصحفى محمد إسماعيل زاهر وهو كتاب يتوقف عند تلك النماذج الواضحة فى الأدب والتى كان التلصص مدارها، ولكن يحاول أن ينظر إلى الأدب بأكمله بوصفه موضوعا للتلصص على الذات والآخرين والعالم بأكمله، فكل حكاية كبرى تتأسس على التلصص: ألف ليلة وليلة، الأخوان غريم، حكايات الديكاميرون، حكايات أندرسون، أليس فى بلاد العجائب، فكل تلصص فى هذه الحكايات به قبس من طفولة، فالعين لم تتعلم بعد آداب وقواعد النظر، ولم تعاقب على ما تصطاده من مشاهد، عين الطفل منفلتة تتجول فى العالم بحرية مطلقة وبجرأة تحسد عليها، عين الطفلة أليس نظرت فى أركان العالم الموازية والمخفية وعقلها طرح أسئلة سيالة لم تعرف المحاذير او المحظورات وروحها لم تختنق أبدا بالخوف.



فى الكتاب يرى زاهر أن كل روائى كبير هو أيضا متلصص كبير، وبعض الروائيين لم يفعلوا أكثر من كتابة تلصصهم فى شكل مكثف، فى «العمى» لجوزيه ساراماجو يفقد جميع البشر البصر عدا امرأة واحدة تتلصص عليهم وعلى العالم، وعندما انتهى وباء العمى واسترد الجميع قدرتهم على البصر كان لا بد من التخلص من هذه المتلصصة بقتلها فى الجزء الثانى من الرواية «البصيرة».

يطرح الكتاب أسئلة عدة تتعلق بالتلصص: هل يسعى المتلصص عن عمد وراء هتك كل مخبوء ومستور؟ هل يقتصر التلصص على الأماكن المغلقة أم يمكننا أن نتلصص فى الشارع وعلى الفضاء العام؟ هل تحدو المتلصص رغبة فى نزع أقنعة الزيف من خلال التجسس على بشر فى أماكن خاصة يتخففون فيها من تلك الأقنعة؟ هل التلصص يقتصر على العين فقط؟ هل يشترط التلصص جهل من نتلصص عليهم بنظرتنا المختلسة إليهم؟

يدور التلصص فى مدار النظرة، ويميز زاهر بين أنواعها، فهناك التحديق وهو فعل جارح، فالعين هنا لا تتسلل ولكنها تقتحم، والشخص المحدق فج لا يخاف ممن يتفرس فيهم ولا يخجل منهم، هو بمعنى ما يغزوهم بنظراته ولا تعنيه ردود أفعالهم، وذلك بخلاف المتلصص حيث النظرة المنزوية والمخطط لها والتى يحاول صاحبها حجبها وإحاطتها بالكتمان، شغوفا بأشياء يكتشفها على مهل وتؤدة، المتلصص متوحد أما المحدق فشخص جريء لم تعقه فى طفولته أبواب مغلقة أو صناديق مخفية أو أماكن معزولة، ولم تعترضه غرف خاصة ممنوع دخولها، ولذلك عينه لا تعرف الاستئذان أو التحرك ببطء أو حذر. لقد كان العالم فى لحظة تكوينه محرما على المتلصص مفتوحا وبقوة للمحدق.

ينطلق الكتاب، من هذا الفهم إلى ربط التلصص بالإنسان المتوحد.. بأبطال الأدب العظام، والذين نلتقى بهم فى معظم الفصول، ويحاول أن يتسع بمفهوم التلصص، من الأدب إلى الحياة، يقول زاهر: «كل الحياة مدار للتلصص، وجميع البشر يمارسونه بشكل أو آخر، من منا لم يتلصص فى طفولته؟ من منا لا يمضى لحظات يستبطن فيها ذاته ويذهب إلى تلك المناطق فى داخله التى لا يطلع عليها أحد؟».

يتلصص زاهر فى الكتاب على تسعة مفردات حاول التعاطى معها من منظور خاص جدا، وهي: الانتظار، الذاكرة، الثوب، الانتقام، الخريطة، اللعب، الطيران، البطء والنوم. وهو منظور المتلصص أو المتوحد على وجه الدقة.