الأحد 10 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى افتتاح فعاليات ليلة رقص معاصر

«برقع الحيا».. ينزع عن الرقص الشرقى تهمة الغواية والابتذال ويكشف عوالمه الخفية

انطلقت يوم الاثنين 4 ديسمبر فعاليات «ليلة رقص معاصر» على خشبة مسرح نهاد صليحة الذى يرأسه الراقص عزت إسماعيل عزت، بدأ مشروع «ليلة رقص معاصر» عام 2011 فى نطاق صغير وكانت الانطلاقة الأولى لمؤسسة «سى دى إن»، ثم استمر تدريجيًا بالاحتفاء وتقديم أشكال مختلفة من فنون الرقص المعاصر إلى أن استقر على شكل محدد فى عام 2015، توقف الحدث الفنى لمدة سبعة أعوام ليعود من جديد ويقدم عروضًا وأفلام رقص معاصر بالقاهرة والإسكندرية لمصممى حركة مصريين ودوليين و4 مشروعات لراقصين مبتدئين، بدأت يوم 4 ديسمبر وحتى 16 من نفس الشهر بـ3 مسارح بالقاهرة والإسكندرية.



ليلة رقص معاصر مبادرة وحدث مستقل عبارة عن مزيج من عروض الرقص المعاصر وأفلام الرقص التى صممها مجموعة من مصممى الحركة من دول مختلفة منها, مصر، فرنسا، هولندا، بريطانيا، ألمانيا، أمريكا، ويؤديها راقصون ومؤدون مصريون، معظمها هو نتاج لإقامة فنية للفنانين بالقاهرة لمدة شهر ونصف الشهر، يتضمن البرنامج أيضًا مشروعات عروض لمجموعة من مصممى الحركة المبتدئين كعمل أول، تقدم فى ختام الفاعلية لمجموعة من الفنانين والفاعلين الثقافيين لتطوير هذه الأعمال، يشارك ضمن فعاليات «ليلة رقص معاصر» عروض «برقع الحيا» تصميم وإخراج شيرين حجازي، «لماذا لا تقول أى شيء» تصميم إليا حيلين، «هل أنت» تصميم وإخراج ربييكا نوود، «فى يوم وليلة» تصميم وإخراج نيرمين حبيب، «ما المساحة..وجودا وغيابا» إخراج وتصوير مايكل موريسنز، «قبل حلول الليل» تصميم وإخراج دانيلا ديليرسي، «تحت رجلينا» تصميم وإخراج سمير مكيرش.

«برقع الحيا»

افتتحت الليلة الأولى بالعرض الفنى الراقص «برقع الحيا» تصميم وإخراج شيرين حجازى والذى تطرح فيه شيرين الرقص الشرقى طرحًا فنيًا مختلفًا، حيث تقدمه فى سياق آخر.. سياق غير معتاد وغير مطروق لهذا النوع من الفن الموصوم بـ«قلة الحياء».. من مصطلح ومفهوم الحياء انطلقت قضية العرض الذى يعد المانع الرئيسى فى إقبال المرأة على ممارسة الرقص.. أغلبهن على حد قول شيرين يردن الرقص فى «السر» أو وهن متخفيات وراء حجاب، تطالب بعضهن أن تظهر راقصة مرتدية «برقع» كى تخفى وجهها عن الجمهور حتى لا يشاهدها أحد».. وبالتالى من أقدمت على المشاركة فى هذا الفريق هن فتيات رفعن «برقع الحيا».. تلك بعض المواقف التى روتها مؤسسة فريق «عوالم خفية» شيرين حجازي، مواقف متتالية تتعرض لها مع فريقها أثناء ممارسة الرقص الشرقي، تأسس فريق «عوالم خفية» بالأساس لممارسة هذا النوع من الفن سواء على خشبات المسارح أو حتى فى قاعات أفراح، لتفتح به مجالًا لممارسة الرقص كمهنة مع فريقها بجانب تقديمه بأعمال فنية يشاهدها الجمهور مع وضع فى الاعتبار كل المضايقات والعراقيل التى تواجهها بسبب اسم الفريق «عوالم خفية» أو بسبب ممارسة الرقص كمهنة فى حد ذاته لأكل العيش، كل هذه القضايا والأزمات الخفية ما يحدث لها ولفريقها وراء الكواليس تطرحه حجازى فى عرضها «برقع الحيا» بداية من خوف بعض أولياء أمور الفتيات من ممارسة ابنتهن للرقص ونهاية بعرقلة الفريق وعدم الاعتراف به ضمن المؤسسات والمنظومات الثقافية لأنها تسعى لتقديم فن هادف للربح، ثم استدعاء البعض للفريق ومعاملتهن معاملة لا تليق بهن خاصة فى الاتفاق والمعاملات المادية، وكذلك اسم الفريق «عوالم خفية» والذى يوحى بمعان ملتبسة «عوالم» المشتقة من عالمة وهى الصفة التى تطلق على الراقصة الشرقية لكن هذه الصفة وبعيدًا عن المعنى العام والوعى الجمعى الملتصق بها، تحمل بالفعل معنى آخر قد يكون مفاجئًا وصادمًا مثلما تم تعريف كلمة «عالمة» فى كتاب «أصول الرقص الشعبي» بأن العالمة هى السيدة التى تتقن وتتعلم فنون الرقص والغناء والموسيقى وإنشاد الشعر وإلقاءه وكذلك كان يطلق هذا اللقب على الراقصات وقت الاحتلال لعلمهن ببواطن الأمور وأسرار سياسة البلد من كثرة تواجدهن فى قصور السياسيين والباشوات.

هذا الطرح المسرحى مع تضمينه لفقرات ومشاهد فنية راقصة صممت بحذق ودقة واحتراف، تسعى به شيرين لإخراج هذا الفن من صورته النمطية الملتصقة بأذهان الجمهور والمرتبطة فى الأساس باعتباره فن الغواية وإثارة الغرائز، وبحسب وصف الباحثين للرقص الشرقى بأنه فن مرتبط بـ«الإيروتيكا» إظهار جمال المرأة وأنوثتها ..أحمد عبد اللطيف «تعامل الراقصات مع الجسد من الإيروتيكا للبورنو». 

كما وصفت الباحثة شذى يحيى فى كتابها «الإمبريالية والهشك بشك» أن المستشرق الغربى هو من ألصق بالرقص تهمة اقتصاره على الغواية وهز البطن».. بين كل هذه التعريفات والسياقات التاريخية والنظرة المجتمعية التى يوضع فيها الرقص الشرقى فى مرتبة منحطة بين الفنون سعت شيرين حجازى مع فريقها إلى وضعه فى مرتبته العليا ورده إلى منبعه وسيرته الأولى من الرقص الفرعوني، حيث كن الفتيات يرقصن بالمعابد لإثارة الرهبة والخشوع فى نفوس المتعبدين كما كان يستخدم الرقص عند المصرى القديم بالمواكب الجنائزية للترفيه عن المتوفى، من هذه الخبرة وهذا السياق التاريخى القديم للرقص، بدأت شيرين فى طرح تجربتها مع الرقص الشرقى بتصميم حركات راقصة من الرقص البلدى ممزوجة بحركات استعراضية من طقوس الرقص الفرعوني، وبالتالى قدمت خليطا فنيا يحوى فى طياته الثقافة المصرية بكل حضارتها القديمة والحديثة، بدأ العرض بالرقص على ترنيمة آمون ثم تخللتها رقصة على أغنية «وقف الخلق» وتتابعت الرقصات على أغانى أم كلثوم «ألف ليلة وليلة»، «سيرة الحب»، «أنت عمري»، موسيقى عمر خورشيد وعمر خيرت وموسيقى من أوركسترا ليالى الشرق وموسيقى للمؤلف التركى راؤول فرناندو، فى لوحات متتالية اتسمن فيها الراقصات بأداء حركى مفعم بالحيوية والإنطلاق والتحرر من قيود أفكار المجتمع الباليه، رقص ابطال العرض بهذه المشاعر المختلطة بالبهجة والعزة والكبرياء مبتعدين عن الشكل النمطى فى أداء الراقصات لهذا النوع من الفن فكأنك تشاهد بالفعل مجموعة أقرب للفتيات بالحضارة المصرية القديمة المرسومات على جدران المعابد تجسدن أمامك فى صورة حية يقدمن فى تجل ومتعة تكوينات ولوحات فنية راقصة من داخل محراب المعبد اتحدن معا فى بنيان مرصوص لنزع برقع الابتذال عن الرقص الشرقى وتقديمه فى صورة مسرحية استعراضية راقية، كما ساهمت الإضاءة فى خروجهن بتكوينات مشهدية جمالية بتدرجها على أجسادهن واستخدام النور لإبراز الحركات الاستعراضية الراقصة، وكأن مصمم الإضاءة لبيب عزت يرسم الحركة بالنور بشكل تدريجى بكل لوحة من لوحات العرض اقتربت إنارته لأجساد الراقصين من شكل وتكنيك إنارة المعابد الفرعونية.

 كما استعرضت المخرجة فى فيلم قصير آراء بعض أيقونات هذا الفن مثل سامية جمال، وسهير زكى التى كانت أول راقصة تقدم رقصة على أغنية لأم كلثوم، ثم تحية كاريوكا التى كانت تؤكد على أن الرقص الشرقى جاء بالأساس من الحضارة المصرية القديمة، وفى أحد الحوارات لها مع إدوارد سعيد قالت تحية كاريوكا «حين أرقص أقوم بدور الكاهنة فى معبد الفن»، هكذا اتحدن كاهنات المعبد فى ليلة رقص ممتعة على مسرح نهاد صليحة رافعين شعار إمكانية تحرر الجسد الأنثوى من أفعال الغواية وإثارة الغرائز بتصميم حركى أقرب للاستعراض الفنى من هز الوسط والأرداف! 

«فى يوم وليلة»

قدم فى اليوم التالى بـ»ليلة رقص معاصر عرض «فى يوم وليلة» للمخرجة نيرمين حبيب..وهو عمل خارج كل سياقات وأشكال الرقص المعاصر المعتادة، من المرات النادرة التى يسعى فيها مصمم ومخرج بجرأة كبيرة تقديم عمل راقص «كوميدي» يحكى حدوتة بسيطة عن أربع نساء يتقدم بهن العمر ويتذكرن ويسردن فى قالب فنى ساخر واقعا اجتماعيا يطرح تساؤلات عن الهوية والموروث الثقافى لجيل الثمانينيات والتسعينيات يستدعين ذكريات الطفولة والصداقة والحب وبعض الأفكار التى تشغل المجتمع حول جسد المرأة حاليا وحول وضعها فى إطار محدد خاصة الإطار الذى يحكم تصنيفها باعتبارها امرأة متزوجة أو مازلت عازبة، ثم إطار العمر الذى تسعى النساء حاليا لإخفائه بكل السبل حتى لا تظهر عليهن علامات الشيخوخة، هذه الهموم الاجتماعية طرحتها نرمين مع بطلات عرضها الذى كان اجتماعهن معا مفاجأة للجمهور، كانت المفاجأة بعودة الفنانة ميريت ميشيل للرقص بعد غياب دام عشر سنوات وتعد ميريت من أهم العاملين فى مجال الرقص المعاصر سواء على مستوى الأداء أو الإخراج والتصميم ثم شيرين حجازى ونيرمين حبيب ونغم صلاح، بأداء حركات راقصة فى فقرات متفرقة حركات فردية وجماعية جمعت بينهن لاستعراض مهارتهن معا فى تكوين مشهدى واحد قدمن عملا أقرب للحالة المسرحية القصيرة منها لعرض راقص بشكل متكامل، حيث بدأ العمل بهذا السياق الدرامى أو الخط البسيط الذى بنيت عليه الحركة والحوار فى بعض الأحيان، وعلى الرغم من أن الحوارات الكلامية ليست من فلسفة الرقص المعاصر وأحيانا قد تتسبب فى فصل الجمهور عن جماليات المشاهد الراقصة خاصة إذا لم يتقن الراقص أداء المشهد تمثيليا إلا أن نرمين حبيب استطاعت توظيف هذه الحوارات المتفرقة التى تخللت مشاهد الرقص بوعى فنى كبير، وعى بالفكرة والرؤية الفنية العامة للعرض وكذلك وعى بكيفية توظيف الدراما مع اللوحات الراقصة ومزجهم ببعضهم البعض بصورة تجذب خيال المتلقى وتمنحه متعة لمتابعة مشاهد العرض المتتالية، أسهم فى نجاح هذه التجربة الكاريزما والمهارة والخبرة المسرحية الكبيرة لكل من ميريت ميشيل وشيرين حجازى على وجه الخصوص وشاركتهن نغم صلاح ونرمين حبيب، وبالتالى خرج العرض فى وحدة واحدة لا تتجزأ، الانتقال من الرقص لقول بعض الجمل الحوارية صنع بسلاسة وتماسك بحيث لا يمكن فصلهم عن بعضهم البعض، لن يزعجك الكلام إذا توقفت الموسيقى وقام الراقصون بالأداء التمثيلى وسوف تستمتع بالانتقال إلى لوحات راقصة صممت باتقان ودقة واحتراف كبير فى جمع هؤلاء معا بمشاهد متفرقة، استمتع الجمهور بعرض مبهج للرقص المعاصر متقن الصنع بلمحات من الكوميديا جعلته أقرب لقلب الجمهور من أعمال أخرى لهذا الفن قد تتهم بالبعد والتعالى على الجمهور، فمن غير المألوف أن ينجح عرض رقص فى الجمع بين كل فئات الجمهور ثم ينتزع الضحك من قلوبهم كما مس قضايا حيوية تجمع فئات متعددة من الناس، «فى يوم وليلة» تأليف موسيقى بونجا.