الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
السد العالى حكاية شعب

السد العالى حكاية شعب

الوجوه السمراء الطيبة تظل فى الوجدان لا تموت ذكراها بفعل الزمن أو التاريخ، ومن هذه الوجوه «عم أحمد»، صاحب الثمانين عامًا الذى حضر أعمال بناء السد العالى قبل ما يقرب من 60 عامًا.. هذا الرجل الأسوانى البسيط والد أحد الأصدقاء الأعزاء يروى أيامًا وشهورًا وسنين قضاها مع العمال المصريين من الوجهين البحرى والقبلى والمهندسين والخبراء السوفييت الذين قاموا بهذا البناء العظيم فى القرن العشرين، هذا الرجل وغيره الكثيروين من الموجودين على قيد الحياة يحتاجون لمن يكتب تاريخهم البسيط من أجل أن تعرف الأجيال الجديدة، أن العمل وبذل الجهد يأتيان بالنجاح والافتخار.. وعندما تغنى العندليب «قلنا هنبنى وآدى إحنا بنينا السد العالى» كانت مصر كلها تغنى للسد العالى.



هنا نتوقف قليلًا لنتحدث عن أهم مشروع فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر رحمة الله عليه، وكيف أن السد العالى حمى مصر من موجات الجفاف والطوفان على مدار نصف قرن وزيادة من الزمان. 

الأسبوع الماضى حلت الذكرى السنوية لهذا البناء العظيم فى التاسع من يناير كل عام، والافتتاح كان فى 15 يناير 1971‪ عام فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث نتذكر كل رجال مصر الشرفاء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل بناء السد العالى، وصاحب فكرة البناء المهندس المصرى اليونانى الأصل، أدريان دانينوس الذى تقدم إلى قيادة ثورة 1952 بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه، حيث بدأت الدراسات فى 18 أكتوبر 1952، بناء على قرار مجلس قيادة الثورة فى هذا التوقيت، ومن خلال وزارة الأشغال العمومية (وزارة الرى والموارد المائية حاليًا) وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات، حيث استقر الرأى على أن المشروع قادر على توفير احتياجات مصر المائية، وفى أوائل عام 1954 تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع، قامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم وأقرته فى ديسمبر 1954، كما تم وضع مواصفات وشروط التنفيذ. 

ومهما خرجت علينا أصوات من الخبراء تنتقد مشروع بناء السد العالي، ولكن الحقيقة التى لا تدع مجالًا للشك، أنه حمى مصر من كوارث الجفاف والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحة الإيراد فى الفترة من 1979 إلى 1987، حيث تم سحب ما يقرب من 70 مليار متر مكعب من المخزون ببحيرة السد العالى، لتعويض العجز السنوى فى الإيراد الطبيعى لنهر النيل، كما كان للسد دور كبير فى حماية مصر من أخطار الفيضانات العالية التى حدثت فى الفترة من 1998 إلى 2002، فلولا وجود السد العالى لتعرضت معظم أراضى المحافظات المصرية للخراب والدمار، ولتكبدت الدولة نفقات طائلة فى مقاومة هذه الفيضانات وإزالة آثارها المدمرة.

تذكرت وأنا أكتب هذا المقال بأول رحلة قمت بها إلى محافظة أسوان وزيارة السد العالى ونحن فى المرحلة الثانوية، وقفت أمام هذا البناء العظيم، أدعو لكل روح طاهرة ساهمت بنقطة عرق من أجل حماية أبناء الوطن فى المحافظات من الغرق والمجاعات التى كانت تتعرض لها البلاد قبل زمن الخمسينيات. ومن هذا المنطلق أتوجه إلى وزارات الشباب والتعليم والتعليم العالى بضرورة استمرار قطار الشباب الذى كان يحمل آلافًا من الطلاب لزيارة الأقصر وأسوان سنويًا بعد انتهاء الفصل الدراسى الأول كل عام، ويجب تسليط الضوء إعلاميًا على مثل هذه الرحلات وارتباط الماضى بالحاضر من خلال تعرف الشباب على المشروعات الزراعية الكبيرة فى توشكى والتى نفذتها الجمهورية الجديدة فى هذا العصر. 

تحيا مصر.