بريد روزا
تدبر طبيعتها تأمن تقلبها
يكتبه أحمد عاطف آدم
تحية طيبة من القلب لبريد روزا وبعد…
أنا سيدى الفاضل رجل بنهاية العقد الخامس من العمر أعيش بالقاهرة، تصاحبنى الوحدة والفراغ القاتل، بعد أن توفيت زوجتى رحمها الله - وانتقم منى القدر بقسوة غير مبررة، تلاشت سعادتي، ضاع تمسكى بالحياة وملذاتها، لم أعد انتشى بمركزى المرموق واحترام الناس وحبها لي، فقدت استقرارى وتجمع عائلتى من حولى مثلما اعتدت طوال سنوات، اختفى كل شىء فجأة أستاذ أحمد.. خاصة بعد سفر ابنى الأكبر الطبيب إلى أوروبا لاستكمال أبحاثه العلمية، ثم لحقته ابنتى مع زوجها برحلة كفاحه، حيث يعمل الأخير مديرًا ماليًا بالخليج،، وكنت منطلق فى حياتى بمضمونها الصاخب الممتع، أذهب لعملى نشيطًا كل يوم، أتطلع للنجاح وتأدية دورى على أكمل وجه، دون تكدير أو تقليل من شأن أحد، قاربت على الانتهاء من مدة خدمتى الميرى بديوان إحدى الوزارات - لكن تبدلت أحوالى بين عشية وضحاها،، اضطررت للموافقة دون تردد على فكرة طرحها صديق دراسة عزيز وهى الزواج من إنسانة مناسبة، تعوض فراق وغياب الأحباب، بارك أبنائى أيضًا تلك الخطوة وتزوجت منذ بضعة أشهر، سيدة أربعينية مطلقة لا تنجب، فرحت بها كثيرًا لتشابه ظروفها مع ظروفى بعض الشيء، تعانى ضغوطًا مادية طاحنة وتبحث عن الاستقرار مع رجل يقدرها، بكل تأكيد لم أقصر فى حقها - ومنحتها أهتمامًا عاطفيًا بالغًا خلال فترة وجيزة لتشعر بالأمان - لكننى بعد شهر واحد فقط اكتشفت أنها تختلف كثيرًا عن زوجتى الراحلة، لا تطيق توجيهاتى أو حتى ضيقى وعصبيتى أحيانًا، تتهمنى بسوء معاملتها لأتفه الأسباب، سريعة الإنفعال لدرجة أنها صرخت فى وجهى ذات يوم بشكل مبالغ فيه، وأكدت بأننى لم أشترى عبدة ذليلة، بل زوجة لها كل الاحترام، ثم طلبت الانفصال فى هدوء والتنازل عن أى حق لها - لا أعرف لماذا كان هذا التصعيد، ومنذ ذلك اليوم قررت عدم الاقتراب من أى إمرأة أخرى، وأن أعيش لنفسى ما تبقى من عمري، أخرج بعد انتهاء عملى أجلس مع أصدقائى على مقهى قريب، ثم أعود لشقتى وحيدًا آخر الليل استعد لاستقبال يوم جديد، وهكذا،، حياة روتينية مملة، جعلتنى أفكر فى الانتحار ذات يوم، وأبنائى مهما كان تقديرى لانشغالهم بمسئولياتهم الكثيرة، تجاه أسرهم، أين أنا من اهتمامهم، بعد أن تباعدت فترة اتصالهم بي، لم تفكر ابنتى فى دعوتى مرة واحدة لزيارتها، كما أنه من الصعب عودتها من غربتها قريبًا، تكالبت علىَّ كل الهموم، ولا أعرف مصيرى بعد إحالتى لما يسمونه سن العطاء، أو انتهاء خدمتى الوظيفية قريبًا، فبماذا تنصحني!؟
عزيزى ه. ب تحية طيبة وبعد…
إن القدر له وجهان، أحدهما يمثل سنة الحياة التى فطر الله الناس عليها بحكمته، مثل الحياة والموت والخير والشر،، وهى فلسفة إلهية خاصة، ظاهرها وباطنها العدل، فى توزيع وتقليب الأرزاق بين العباد،، أما الوجه الآخر فهو يمثل اختبار قناعة ورضا المخلوق، وخضوعه الكامل لأمر ربه سبحانه وتعالى، فعن صُهيب بن سِنان الرومى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «عجَبًا لِأَمر المُؤمِن إِنَّ أمرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لِأَحَد إِلَّا لِلمُؤمِن: إِنْ أَصَابَته سَرَّاء شكر فكان خيرا له، وإِنْ أَصَابته ضّرَّاء صَبَر فَكَان خيرا له» صدق رسول الله ﷺ، وهذا إن دل فإنما يدل على أهمية الصبر والقناعة، بيقين العبد المؤمن، واعتباره تلك الأدوات الروحانية بمثابة صك الطمأنية له بدنياه، يتدبر طبيعتها ليأمن تقلباتها، ويتحصن من شر فتنتها والاعتراض عليها، ومما لا شك فيه أن وفاة زوجتك رحمها الله كان قدرًا مقدورًا آجلًا أم عاجلًا، لذا يجب الدعاء لها وتذكرها بكل خير فقط دون مقارنتها بأحد.. وربما تلك المقارنة التى فرضتها على نفسك، بين السيدة التى ارتبطت بها لفترة قصيرة قبل حدوث الطلاق بينكما وبين زوجتك الراحلة، هى من أسباب شعورك بالضيق من اختلاف طبائعهما بعض الشيء - ولا أنصحك إذا فكرت مرة أخرى فى الزواج بأن تقارن إنسان بآخر، لأننا جميعًا مختلفون، ولا ضير فى ذلك طالما أن هذا الاختلاف مقبول، كما أرى بأنك فى حاجة ماسة للبحث عن شريكة حياة جديدة مناسبة، تعاملها بما تحب وترضى لابنتك، كما كنت تفعل مع أم أبنائك، قدم لها الخير كله، تجدها سكنًا لك،، وحاول التقرب إلى الله بمزيد من الطاعات والتأمل والاستمتاع، لا تنتظر من أبناءك أكثر مما تفرضه عليهم ظروفهم، بل حاول أنت الاتصال بهم - لا لأنه ليس واجبًا مفروضًا عليهم، بل لصنع جو مثالى من الحميمية والطاقة الإيجابية لنفسك، وكدافع للإقبال على الحياة وعدم القنوط، لأننا جميعًا نشعر بالامتنان لذاتنا عندما نصنع الفارق بأيدينا،،، أخيرًا لكل ابن وابنه أقول لهم، هكذا الدنيا أتت إليكم بكل شيء فى وقته كأمانه، وحتمًا ستعود يومًا لاستلامها منكم ومنحها لأبنائكم، هذه سنتها بعدل ربها، فأحسنوا استغلال تلك الأمانة وهى بحوزتكم، حتى لا تستغل ضدكم، انفقوا صحتكم وباركوا سعيكم ببر والديكم، كونوا لهما سندًا وعونًا وأمانًا وحصنًا، تسعدوا فى الدارين، يقول الحق جل شأنه فى سورة الأحقاف، بسم الله الرحمن الرحيم
«وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى ۖ إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» صدق الله العظيم.
دمت سعيدًا وموفقًا دائمًا ه. ب