الأربعاء 5 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التحدى الأعظم والوحدة الحتمية

تصريحات الاستحواذ على غزة بلا شرعية دولية كاشفة لحقيقة مخطط طريق البخور الأمريكى فى مواجهة الحرير الصينى

التحدى الأعظم والوحدة الحتمية

لم تكن النيران المُتصاعدة من المدفأة التي توسطت جلسة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وحليفه رئيس وزراء الكيان الصهيونى بنيامين نتنياهو، إلا إشارة للنيران التي ستشعلها تصريحاتهما فى مؤتمرهما الصحفى المُشترك.



ولم تكن تلك التصريحات التي أعلن فيها ترامب عن عزم أمريكا الاستحواذ على قطاع غزة، وتجديد التأكيد على تهجير سكانه، إلى دول الجوار وبلدان أخرى مؤسسة لتوجهات بقدر ما أنها كاشفة لمخططات تتوالى على تنفيذها الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

وما تغير الإدارات الأمريكية، إلا تنوع فى النموذج الأنسب لكل مرحلة، ومستويات الأهداف المتصاعدة، ولك أن تعود بذاكرتك قليلًا لبوش الابن الذي دمر العراق وأسقط نظامها مخلفًا مليون شهيد فى سنوات الحصار والعدوان والاحتلال، رحل ليأتى  «أوباما»، نموذجًا لمرحلة تالية استهدفت غسل ثوب أمريكا من دماء ضحايا العراق، فقوبل بأمل وترحاب لما قيل عن أصوله الأفريقية وجنوحه للسلام، فإذا بإدارته ترعى نموذج إسقاط الدول الوطنية من الداخل فى الخريف العربى.

استعمار جديد.. ذلك الذي تحدث عنه الرئيس ترامب، فلا شرعية لحديثه عن السيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه لأراضٍ بديلة فى دول ذات سيادة، ذلك الاستعمار الذي يعيد إلى الأذهان نشأة الكيان الصهيونى وأهدافه.

ذلك الاحتلال الذي ابتليت به منطقتنا العربية، كيان وظيفى، سعت منذ القدم القوى  العظمى لغرسه فى المنطقة لتحقيق أهدافها، وينمو ويبقى بمقدار قدرته على صناعة أرضيات مشتركة تتلاقى فيها مصالح القوى العدوانية الجديدة مع أهدافه ومصالحه.

فمن رحم الاستعمار الفرنسى ولدت فكرة خلق كيان وظيفى معادٍ للعرب 1798، يحقق دور الحاجز البشرى المحقق لأهداف الاستعمار فى حماية طرق تجارته وفصل مصر عن امتدادها العربى بالشام.

لم يجد نابليون من يهود العالم آذانا صاغية حينها، واضطر بعد فشل حملته لجر أذيال الخيبة والرحيل، ليلتقط الاحتلال البريطانى الخيط بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وتنامى دور المشرق العربى، وظهرت الحركة الصهيونية الحديثة فتلاقت الأهداف.

تفتق ذهن آرثر جيمس بلفور وزير الحرب البريطانى عن مخطط نابليون بخلق حاجز بشرى صهيونى موالٍ لبريطانيا على حدود مصر، لتحقيق هدفين: الأول حماية الحدود الشرقية المؤدية لقناة السويس من أى عدوان لقوى منافسة قادمة عبر الشام، والثانى تحقيق مصالح الاحتلال البريطانى وطرق تجارته.

استغل تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، المصالح البريطانية، وسعى إلى  قيادة الإمبراطورية، للضغط على مصر عبر المعتمد البريطانى اللورد كرومر عام 1903 للحصول على موافقة الملك والحكومة المصرية على السماح لهم بإقامة مستوطنات صهيونية فى سيناء بتوقيع ميثاق استعمارى يمنحهم ضمانات استغلالًا للنفط والثروات لمدة 99 عامًا.

جاء رد الحكومة المصرية بالرفض، وباءت ضغوط بريطانيا بالفشل، فبعث بالرد: «نأسف لعدم استطاعتنا الضغط أكثر من ذلك على الحكومة المصرية، لدفعها لتغير موقفها». كان ذلك نص برقية الخارجية البريطانية إلى تيودور هرتزل.

فالقضية منذ البداية تدور حول موقع مصر الجغرافى وقناة السويس وسيناء، والصراع على طرق التجارة العالمية، والقضية الآن ذاتها، استبدال القوى المنشأة للاحتلال بوعد بلفور الداعم لإنشاء الكيان الصهيونى عام 1948 بأمريكا الدولة الأقوى فى النظام العالمى القائم.

ومن جديد يسعى الصهاينة لدى الأمريكان، حيث يبرمون صفقات مع إداراتها، تمنحهم سيطرة على قطاع غزة مقابل استيلاء وتمدد الاحتلال فى الضفة، وتصدر الأزمات والتحديات لمصر والأردن.

من جديد تقول مصر لا، بلسان مصري عربى وطني قومى مُبين، لا للتهجير، لا لتصفية القضية الفلسطينية، لا للظلم، لا للتفريط فى حبة رمل مصرية، وتقول الأردن لا، وتقول السداسية العربية لا.. موقف موحد لا يقبل التفريط ولا التنازل ولا التفاوض على حقوق الشعب الفلسطينى التاريخى.

يعيد التاريخ نفسه، وسيضطر ترامب أن يقول لنتنياهو «نأسف لعدم استطاعتنا الضغط أكثر من ذلك على مصر لتغيير موقفها»، فقد قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي ومن خلفه الشعب كالبنيان المرصوص: لا حياد، لا تنازل، لن نشارك فى ظلم الفلسطينيين.

لكن مصر والمنطقة والأمة العربية والقضية الفلسطينية تواجه أخطر التحديات، فكما ذكرت فى مقالاتى السابقة منذ بداية الأزمة أكتوبر 2023 القضية أكبر من حلقة جديدة فى الصراع، الهدف الحقيقى هو إخلاء القطاع لإنشاء محطة فى الممر التجاري الدولى الأمريكى طريق «البخور» الذي يمتد من الهند، فى مواجهة مشروع الحزام والطريق الصينى «طريق الحرير»، وهو ما أوضحته حينها تفصيلًا وتثبت الأيام صدق تحليلى.

الحقيقة ما يحدث حول العالم وما يصدر من تصريحات كاشفة لمخططات، ما هى إلا حلقات صراع بين القوى العظمى أمريكا والصين وحلفائهما على إعادة رسم خارطة القوى الدولية الجديدة، وخريطة النفوذ الجيوسياسى والاقتصادى وطرق التجارة العالمية.

هذا التحدى المصيرى الأخطر يتطلب وحدة حتمية بين كافة الدول العربية بلا استثناء ودوائرها الأفريقية والإسلامية لمواجهة الخطر القادم، والحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وحماية الأمن القومى العربى.

الوحدة تبدأ فى تلاحم الشعب مع مؤسسات الدولة، وهذا متوفر فى مصر بفضل الله، ويجب الحفاظ عليه وتقويته، والوحدة بالمثل داخليًا فى دول المواجهة العربية، خاصة السداسية التي وقعت البيان الأخير فى القاهرة.

ثم الأهم فى تلك اللحظة الراهنة لا مفر من وحدة الشعب الفلسطينى وفصائله، والتخلى عن التنافس الهدام فى وقت القضية كلها فى خطر التصفية، لا مفر من توحيد القيادة الفلسطينية، والثبات على الأرض.

ولا مفر من بناء موقف عربى موحد قوى، ينطلق لبناء موقف دولى ضاغط لتنفيذ مقررات الشرعية الدولية بتفعيل حل الدولتين، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو وعاصمتها القدس الشرقية.

فما يصدر من تصريحات ومحاولات عدوان على سيادة الدول فى شتى المجالات يُصعد من حدة الصراع الدولى الذي قد ينجرف بالعالم إلى خطر حرب عالمية ثالثة.

حفظ الله مصر وفلسطين والوطن العربى والعالم أجمع.