الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قدسوها وحنطوها وصنعوا لها دفنات ملكية

الحيوانات رفقاء الراحلين إلى العالم الآخر فى مصر القديمة

تحقيق وتصوير- علاء الدين ظاهر



لعبت الحيوانات دورا كبيرا وفعالا فى تشكيل الحضارة المصرية القديمة، حيث كانت لها قيمة بالغة الأهمية فى الحياة اليومية للمصريين القدماء، فقد أمدتهم بالمأكل والملبس والمواد الخام اللازمة لصناعة الأدوات والأثاث، بالإضافة إلى كونها تمثل الإلهام لكل من الدين والفن، حيث كانت أرض مصر القديمة موطنا لعدد هائل ومتنوع من هذه الحيوانات مثل فرس النهر والأسود والظباء، وكان نتيجة التغيرات المناخية والزيادة المطردة فى عدد السكان الأثر البالغ فى هجرة هذه الحيوانات وانقراضها من مصر، وعبر عدة جولات قامت بها “روز اليوسف” فى عدد من المتاحف تعرفنا على حقائق وحكايات مدهشة عن الحيوانات فى مصر القديمة، حيث قدس المصريون القدماء الحيوان منذ العصور الأولي، وقد يرجع ذلك إلى إحساس الإنسان بأن كل حيوان يجسد مقدرة خاصة أو قوة تفوق عادة الإمكانيات البشرية.

وقد أخذت بعض المعبودات هيئات الطيور أو الحيوان وقام المصريون القدماء برعاية تلك الرموز المقدسة لمعبوداتهم، كما قاموا بتحنيطها بعد موتها وصنعوا توابيت خاصة بها، وكانت تدفن فى جبانات خاصة كما كانت بعض الحيوانات الأليفة يتم تحنيطها لتدفن مع أصحابها لكى تظل برفقتهم فى العالم الآخر، وقد قدس المصريون القدماء الحيوان رغبة فى الاستزادة من نفعه واتقاءً لشره، فصوروا معبوداتهم فى صورة حيوانية أو بهيئة آدمية ورأس حيوانية وأعطوا المعبود جسدا آدميا حتى يستطيع العطاء والحماية.

وتعد منطقة آثار سقارة من أبرز الأماكن التى لها علاقة بالحيوانات المصرية القديمة، حيث عثر فيها قبل عدة سنوات على جبانة للقطط و الحيوانات و الطيور المقدسة، وهو الكشف الذى احتوى على مجموعة ضخمة من 75 تمثالا من القطط المختلفة الأحجام والأشكال، و25 صندوقا خشبيا بأغطية مزينة بكتابات هيروغليفية بداخلها مومياوات لقطط، وتماثيل من الخشب لحيوانات مختلفة منها النمس والعجل أبيس وتماسيح صغيرة الحجم بها بقايا تماسيح محنطة، والإله أنوبيس ومومياتين لحيوان النمس، وجعران كبير الحجم من الحجر وأخرى صغيرة، وتمثال من الخشب مميز الشكل لطائر أبو منجل، وتابوتين صغيرين من الحجر الجيرى للقطة باستت، وتماثيل الكوبرا وتمائم ورأس طائر أبو منجل، و 3 تماثيل للصقر حورس.

مومياء صقر

كان المصريون القدماء يحنطون الحيوانات والبشر، وكان كثير من الحيوانات المحنطة يقدم قربانا للمعبودات، وقد انتشرت عبادة الحيوانات بشكل كبير من العصر المتأخر وحتى العصر الرومانى «حوالى ٧٤٧ ق.م - 300 م» وغالبًا ما كانت الطيور الجارحة تمثل المعبود الصقر حورس أو رب الشمس رع، ومنها هذه المومياء الخاصة بصقر»العصر المتأخر، سقارة»فى المتحف المصرى بالتحرير، والتى وضعت فى لفائف بطريقة متعرجة ومتداخلة، مع تشكيل الرأس بعناية على هيئة صقر، حيث أظهرت الأشعة السينية أن المومياء تحتوى على جزء واحد فقط من جناح صقر، وربما فقد باقى الجسد أو وضع فى مومياء أخرى على شكل صقر.

المعبود أنوبيس

يبدو أن هذا الرأس كان قناعا ارتداه كهنة المعبود أنوبيس فى أثناء تأدية الطقوس والشعائر، حيث كان المعبود أنوبيس يظهر عادة بلون أسود على هيئة حيوان ابن آوى أو بهيئة آدمية برأس حيوان ابن آوى، ولأن أنوبيس كان معبودا جنائزيا ارتبط بالتحنيط والشعائر الجنائزية والمقابر، فقد شملت ألقابه «رب الجبانة»، ويلاحظ أن الحواجب وسوالف الشعر بالقناع مذهبة، وهذه الرأس تنتمى تاريخياً إلى العصر المتأخر.

الحمل المقدس

هذه المومياء»عصر متأخر / إغريقى - روماني»تخص حملا، حيث كان مصورا على أنه بعثاً من الإله خنوم، والرأس والأطراف محلاة بالكارتوناج الملون والمذهب وكللت بتاج مصنوع من الخشب، والمومياء منزوعة الأحشاء بالكامل وفراغ الجسد محشو بالكتان وحالة الهيكل توحى بالوفاة عن عمر متأخر وتوجد تمائم مبعثرة مع الجسد.

السمك الشرير 

كان السمك يعتبر عموما حيوانا غير محبوب نفسياً، فالأفراد أو المبجلون مثل الملك والكهنة كانوا لا يسمحون باستقبال السمك كطعام، وحينما انتشرت عقيدة «أوزوريس» أصبح السمك ممثلاً في «ست» الشرير، وفى متحف إيمحتب بسقارة وعاء صغير على شكل سمكة بلطى لحفظ مستحضرات التجميل، وصنع هذا الوعاء على شكل سمكة البلطى والتى كانت رمزاً للخلق والخصوبة، وذلك لارتباط الأسماك فى الفكر المصرى القديم بالخصوبة، والجانب الآخر للسمكة مفرغ لكى يحتوى على بعض العطور.

ويشهد الفن المصرى والديانة المصرية على الدور الذى لعبته تلك الحيوانات فى شتى أشكال الحياة المصرية القديمة، فالنقوش والرسوم الجدارية الموجودة فى المقابر والمعابد تظهر تلك الحيوانات وهى ممثلة مع الرعاة، كما أن الأوانى الفخارية الحجرية قد زينت بأشكال الحيوانات وأحياناً أخرى أخذت هذه الأوانى أشكال الحيوانات، كما صنعت لعب الأطفال ومثلث على هيئة الحيوانات، كما أن الحيوانات حفظت ودفنت باعتبارها حيوانات مدللة أو باعتبارها هيئة تعبدية مثل أبيس وتباح ومونتو والثيران، كذلك التمساح سوبك، واعتبرت مظهراً من مظاهر الآلهة المختلفة على الأرض. ومن ثم قدست تلك الحيوانات أثناء حياتها وهكذا فقد عبدت أثناء حياتها ودفنت بعد وفاتها فى دفنات تشبه الدفنات الملكية. 

مومياوات الحيوانات

الباحث الأثرى تامر المنشاوى قال لـ«روزاليوسف»: حنط قدماء المصريين الحيوان كما حنطوا الإنسان، وهناك أربعة أصناف مختلفة لمومياوات الحيوانات، أولها الحيوانات الأليفة التى كانت تدفن مع أصحابها، وثانيا الحيوانات المحنطة التى كانت توضع كاملة أو مجزأة فى المقبرة كرمز الإطعام المتوفى فى حياته الأبدية، وثالثا الحيوانات المقدسة، ورابعا الحيوانات المقدمة كنذور»قربان»، وكانت مومياوات الحيوانات تنتج بنفس طريقة مومياوات البشر مع تعديلات بسيطة.

فالتحنيط يعتمد أساسا على تجفيف الجسد لمنع انتشار البكتيريا التى تؤدى إلى التعفن، والوسيلة المعتادة عند قدماء المصريين كانت عن طريق إخلاء الجسد من أحشائه بإجراء فتح فى جانبه الأيسر أو على طول بطنه، وعامة كان المحنط يتخلص من الأحشاء بعد إخراجها من جسد الحيوان على عكس ما كان يحدث فى حالة تحنيط البشر، الذى كانت أحشاؤه تحنط أيضا بعد إخراجها من الجسد ثم توضع فى أوان خاصة بها تعرف بالأواني»الكانوبية»، وهناك استثناء لهذه القاعدة، إذ كانت أحشاء الطيور تعاد إلى الجسد بعد تجفيفها وكانت أحشاء الثور المقدس توضع فى أوان كانوبية مثل البشر.

فبعد إخلائه من أحشائه، كان الجسد يغسل ويجفف بواسطة ملح النطرون، وكانت عملية التجفيف هذه تستغرق أربعين يوما، أما عن إتمام التحنيط فكان يستغرق سبعين يوما، ويرجح أن هذه المدة كانت تختلف فى حالة الحيوانات الأصغر حجما، وبعد التجفيف كان الحيوان يدلك بزيوت مختلفة لإعادة الليونة لأعضائه قبل لفه فى اللفائف الكتانية وتحضيره للدفن، والمومياوات الحيوانية المختلفة سالفة الذكر تلقى ضوءا على جوانب مختلفة من البيئة والحضارة المصرية القديمة، حيث يتضح منها أن الثروة الحيوانية كانت أكبر وأكثر تنوعا فى مصر القديمة عما هى الآن، ففصيلة أبو قردان الذى كان يقدس فى مصر القديمة كانت توجد بكثرة آنذاك وقد انقرضت اليوم تقريبا، كما انقرضت أنواع كثيرة من الطيور الجارحة والغزلان.

وتحيطنا دراسة مومياوات الحيوان علما بمستوى الطب البيطرى فى مصر فى عصر الفراعنة وبمدى استئناس الحيوانات فى مصر القديمة، أما عن مومياوات الحيوانات المقدسة والنذور»القربان»، فهى تشير إلى معتقدات دينية معينة، بينما مومياوات الأطعمة تبين لنا نوعية الغذاء عند قدماء المصريين وما ألفوه من الأغذية، وكذلك نجد أن دراسة المومياوات الحيوانية تمنحنا رؤية فريدة للحضارة والتقنية والبيئة المصرية القديمة.

المومياوات المزيفة 

ويبدو أن بعض المومياوات التى كانت تصنع للنذور كانت مزيفة منذ العصور القديمة، فهناك لفائف مومياوات شكلت على هيئة مومياوات كلب أو قط أو صقر وغيرها، لكنها كانت فارغة أو ربما فقط أجزاء من عظام أو طينة أو قطع من الراتنج، ويرجح أن هذه المومياوات المزيفة كانت تصنع عندما كان هناك نقص فى نوع من أنواع الحيوانات المطلوبة، فهذه اللفائف قد تحتوى على جزء من الحيوان الذى من المفترض وجوده داخلها على أساس أن الجزء يمثل الكل، ويقول بعض العلماء إن محتويات هذه المومياوات هى محتويات من أى حيوان عاش فى هذه الأماكن المقدسة واكتسبت بالتالى قدسيتها من قدسية المكان.

الحيوانات فن 

لقد أحب الفنان المصرى القديم منذ فجر التاريخ تصوير كل ما فى محيطه من إنسان وطير وحيوان وجماد، وأطلق الفنان المصرى القديم العنان لأنامله لكى تزين جدران مقابره ومعابده بآيات من الجمال فيما يعرف بفن التصوير المصرى القديم، ولقد كانت الحيوانات المختلفة من أهم موضوعات فن الرسم المصرى القديم التى وصلت إلينا، وتمثل هذه الرسوم قائمة ضخمة من مختلف أنواع الحيوانات، كما تدل فى الوقت نفسه على أن رؤية الفنان لهذه الحيوانات كانت رؤية دقيقة، انعكست فى دقة التعبير عن خصائص الحركة والشكل العام لكل حيوان اتخذه الرسام موضوعاً لعمله، وفى جميع المناظر نستطيع أن نلتمس بسهولة كيف استطاع الفنان المصرى القديم أن يعبر عن الخصائص المميزة لكل نوع من هذه الحيوانات، وقد اتبع الفنان المصرى القديم قواعد المنظور الفنى القديم السائد فى عصره لتصوير الحيوانات وأبدع فى إظهار النسب والألوان.