الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الروائى إبراهيم عبد المجيد: التجديد فى بناء الرواية هو المعنى الحقيقى للكتابة

على مدار تاريخه الطويل فى عالم الأدب والثقافة، قدم الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد إنتاجًا أدبيًا وفيرًا يضم 21 رواية و6 مجموعات قصصية و12 كتابًا سطر فيها أدق تفاصيل المشاعر الإنسانية وقد صور فيها الواقع ممزوجًا بالخيال.. هو ابن مدينة الإسكندرية التى ظلت تسكنه بكل تفاصيلها، فخرجت أروع أعماله ثلاثية «لا أحد ينام فى الإسكندرية»، والتى تم تحويلها لعمل سينمائي، ومؤخرا تم الإعلان عن تحويل روايته «عتبات البهجة» لعمل درامى فى رمضان القادم بطولة الفنان يحيى الفخراني.. فى هذا الحوار نستعرض عوالم كاتبنا الكبير وروافد إبداعه فإلى نصه.



■ لكل كاتب دوافع ذاتية للكتابة فما دوافعك للكتابة؟

- الكتابة موهبة يتم اكتشافها صدفة وليست قرارًا، فى زمنى المبكر كان التعليم مختلفا، كان التعليم موازيا للثقافة، كان فى المدرسة مكتبة نمضى فيها كل أسبوع ساعتين من القراءة الحرة، كانت فى المدرسة جماعات للموسيقى والرسم والكشافة وغيرها، كانت المدرسة تأخذنا فى رحلة مدرسية كل أسبوع إلى السينما باشتراك قليل هو ثلاثة قروش والسينما كانت درجة أولى تذكرتها تسعة قروش تقوم المدرسة بدفع الباقى، كان ذلك فى بداية الخمسينيات وأظن أنه استمر حتى الستينيات، كنت فى مدرسة القبارى الابتدائية بالإسكندرية وكانت تفعل ذلك، بعدها مدرسة طاهر بك الاعدادية بالورديان ولم يختلف الأمر، فى  مكتبة المدرسة فتنتنى الروايات فوجدت فى نفسى ميالا إليها وإلى التأليف، بدأت اكتب، كانت روايات ساذجة لكنى كنت سعيدا حتى عرفت معنى فن الرواية ومعنى الفن وهذه رحلة أخرى، بعد ذلك صارت الكتابة خلاصا مما حولى إلى عالم موازٍ من خلقى أنا، كل شخصياته تحبنى وأحبها حتى الشخصيات الشريرة، فالكتابة نجاة من القبح.

■ هل تتبنى قضايا معينة فى كتاباتك أم تكتب الفكرة لظروفها الذاتية؟

- القضايا تأتى بها الشخصيات والمكان والزمان، لا أضع فكرة مسبقة فالفكرة المسبقة هى للمقالات، لكن قراءاتى فى الفلسفة تجعل ميلى إلى الاغتراب ومن ثم تذهب روحى إلى هذا النوع من الشخصيات ويأتون إلى من الذاكرة والحياة، اغتراب فى المكان والزمان وعلاقات لا تتم وآمال بعيدة رحلة الوصل إليها هى الأجمل لأنه لا وصول وهكذا، غير الفلسفة والقراءة فلقد قابلت فى حياتى كثيرا جدا من البسطاء الذين كانوا يعبرون عن غربتهم دون أن يدركوا أن وراء ذلك فلسفة، وكانوا كبيرى الخيال جعلوا من العالم المتخيل عالما حقيقيا، ولم يكونوا مؤلفين ولا كتّاب. 

■ ما بين السبعينيات وحتى الآن، هل هناك فرق بين الأدب فى الحقبتين وهل النشر يسير بشكل جيد؟

- أبرز ما فى الأدب منذ الستينيات هو الإجماع تقريبا على التجديد فى شكل وبناء الرواية. ربما اختلف الأمر الآن فهناك مئات الروايات تصدر كل عام كتابها لا يهتمون بهذه الظاهرة التى هى المعنى الحقيقى للكتابة، يستخدمون الحكى فقط كطريقة وحيدة، لكن إذا ذهبتِ إلى كتاب مجيدين وهم كثيرون من الجنسين، ستجدين هذا الملمح من المغامرة فى الموضوع وكسر التابوهات والتجديد فى شكل الكتابة.

■ بدأت حياتك بالكتابة فى القصة القصيرة ثم تحولت للرواية، لماذا تراجعت قيمة القصة القصيرة على عكس السابق؟

- على المستوى الشخصى بدأت بكتابة الرواية، لكن كان نشرها صعبا لكاتب مبتدئ ، فوجدت فى القصة القصيرة طريقا أسهل، وهكذا لم يعرف أحد أنى بدأت بالرواية، منذ السبعينيات دخل العالم فى تغيرات كثيرة وزادت حاجة الإنسان إلى الحكى فزاد الاقبال على قراءة الرواية ومن ثم زادت كتابتها، القصة القصيرة فن رائع أتمنى أن يعود العالم اليها بقوة.

■ هل لديك اتصال جيد مع شباب الكتاب الحاليين، وكيف تشجعهم على الاستمرار فى الكتابة؟

- ربما أكون من أكثر الكتاب اتصالا بالشباب وقراءة لأعمالهم، بل كتبت عن كثير منهم ونشرت وأنشر تغريدات وبوستات على تويتر والفيسبوك عن كثير من أعمالهم، اقرأهم لأن العالم يمضى إلى الأمام ولا يقف عن أحد أو عند جيل، كما أحب أن أعرف أين أنا، هكذا يكون التشجيع على الكتابة، وهم فى الأغلب فى غنى عن التشجيع ففرصهم فى النشر أكبر من جيلنا زمان فهناك عشرات المواقع الالكترونية التى تنشر الأدب، كما أن هناك عشرات الجوائز فى مصر والعالم العربى لم تكن موجودة فى زماننا، وكل هذا يحفز الكتاب الشباب.

■ لماذا تغيرت مكانة الكتاب والمثقفين فى التأثير فى الشارع وتراجعت الثقافة الجماهيرية وتأثير الثقافة الحالى فى تحريك المجتمع؟

- السؤال هو لماذا غابت الثقافة عن الاعلام الرسمى، القنوات التليفزيونية مشغولة بالسياسة وغاب عن القنوات الاحتفاء بالفن والأدب والثقافة والاختلاف إلا نادرا، البحث عن «التريند» جعل الإعلام يجرى وراء أشياء لا تزيد عن مضيعة للوقت، الثقافة الجماهيرية تعمل لكنى لا أتابعها ولا أعرف إلى أين وصلت الآن، لكن بشكل عام الثقافة تصل إلى الناس ليس عن طريق أجهزة الدولة فقط، بل أكثر منها من المجتمع الأهلى مثل دور النشر والصفحات الالكترونية لكن الحياة الاقتصادية تشغل الناس وغير ذلك من القضايا الاجتماعية.  

■  مارأيك فى الرواية العربية الحالية وخاصة المصرية هل هما فى صعود أم هبوط، وحقهما فى نيل الجوائز العالمية؟

- الرواية العربية والمصرية لا تقل عن الرواية فى أى مكان فى العالم الآن وهناك من يستحق جائزة نوبل عن جدارة لكن للجائزة أحكام أخرى، العالم يرانا سياسيا أكثر مما يرانا ثقافيا، فكم من ندوات حضرتها فى أوروبا بمناسبة ترجمة رواية لى تكون معظم الاسئلة عن أحوالنا السياسية وعن الارهاب وغير ذلك وليس عن الرواية وفن الرواية.

■  هل تعتمد على الكتابة فى جنى المال، ومتى حظيت بأول أموال من الكتابة؟

- لم اعتمد على الكتابة لجنى المال، الكتابة متعة فى ذاتها، أنا من الجيل الذى كان ينشر القصة فى الستينيات والسبعينيات فى مقابل خمسة جنيهات، لكنها كانت مثل خمسة آلاف جنيه الآن، فكانت تكفى لشراء بدلة من الصوف الهيلد الإنجليزي، المقالات تساعدنى أكثر على الحياة وليس جنى المال، فالقصة ليست قرارا لأكتبها مثلا كل أسبوع، لأنها أمر يتعلق بالروح لا العقل والقرارات، هى التى تختار وقت كتابتها، لكن الغلاء يستهلك كل مال تأتى به المقالات والجوائز جاءت متأخرة وللأسف جاءت معها الأمراض فاستنفدتها كلها.

■  الأبطال الرئيسيون فى رواياتك تكون أماكن وبعدها الأشخاص، وخاصة الإسكندرية التى تحتل معظم رواياتك، لماذا تعتبر المكان البطل الرئيسى؟

- هكذا شاءت ظروفى، ولدت فى مدينة عظيمة هى الاسكندرية رايتها وهى مدينة العالم فى طفولتى وصباى كم هى واسعة جميلة بها الجاليات الاجنبية والتسامح فى المعاملات والرقى ثم رايتها وهى تتغير لتكون مدينة وهابية امتلات بالفوضى والعشوائيات فالح على المكان الذى اختفى هذا، فضلا عن قراءاتى الادبية والفلسفية فهناك فى الواقعية من يصف المكان لتجسيده مستقلا عن روح الشخصية وهناك فى الرومانتيكية من يرى المكان بمشاعر الشخصية وهناك من يرى الوجود الدائم للمكان لا الانسان فى الواقعية الجديدة وأنا أرى المكان صانع الشخصية، فالصحراء يتصرف فيها الناس على غير ما يتصرف الجالس على البحر مثلا، حتى اللغة وإيقاعها يتغيران بين الزحام والفراغ.

■ تصور بشكل دائم التغييرات التاريخية والاجتماعية وتأثيرها على المكان ثم المجتمع ومن ثم الأبطال فى رواياتك، هل هذا منهجك فى الكتابة؟

- ليس دائما. فهناك روايات حب مثل «أداجيو» وروايات عن العالم الافتراضى مثل «فى كل أسبوع يوم جمعة» وروايات عن الأزمات النفسية والجسدية مثل «العابرة» وروايات عن الحرب مثل « فى الصيف السابع والستين» و«لا أحد ينام فى الاسكندرية» أو السجون مثل الأخيرة  «الهروب من الذاكرة» وروايات عن الزمن مثل « السايكلوب» وهكذا.

■ هل أثر المرض فى رؤيتك للعالم وتمنيت تغيير شىء فى كتاباتك السابقة؟

- أحب أن أنساه وأنسى أيامه، هو فقط استهلك منى أكثر من عام ولا أزال فى فترة النقاهة، فأبعدنى عن الكتابة الفنية وأصابنى بما يسمى قفلة الكاتب، أكتب المقالات ولا أكتب القصص الآن واتنمى أن أخرج من هذه الحالة. أما رؤيتى للعالم فلم تتغير فمنذ بدايتى أدرك أن العالم زائل وأننا ضيوف لا حيلة لنا فى الوجود أو الموت.

■ هل يقاس نجاح العمل الأدبى بالجماهيرية فقط أم بالجوائز الحاصل عليها؟

- الجماهيرية طبعا أهم، القارئ الذى لا يعرفه الكاتب هو الكنز الحقيقى، الجوائز مجرد مساعدة مادية تلتهمها الحياة، لكنا ننظر إليها كاعتراف بالكاتب، والحقيقة انه اعتراف بنفسها كجائزة تذهب لمن يستحق ولها أن تفخر به، القارئ هو الكنز مهما قل عدد القراء.

■ السينما والدراما مقياس لنجاح الروائى أم لأ، وما الرواية التى تتمنى تحويلها للشاشة من أعمالك؟

- السينما والدراما تساعد على انتشار العمل الروائى، والسينما قامت أصلا على الرواية. يوما كانت السينما لدينا نصف أفلامها عن روايات وكنا ننتج سبعين فيلما فى العام وأكثر، انتهى ذلك للأسف وصار عدد الافلام لا يصل إلى ربع انتاجنا قديما، مصر تخسر سوقا رائعا كان أحد مصادر الدخل القومى غير أنه مصدر عظيم لمتعة الناس، بالنسبة لى كلما أصدرت رواية اتصل بى منتجون متحمسون لانتاجها لكن لا يتم الانتاج للظروف التى تعيش فيها السينما، أتمنى طبعا أن أرى روايات مثل » أداجيو» قصة الحب الكبيرة أو «العابرة» قصة التحول الجنسى فى بلادنا وقصة حب أيضا أو «السايكلوب» فكرة العودة من الزمن أو الهروب من الذاكرة عن السجن والحياة خارجه، رواية مثل عتبات البهجة بعتها منذ خمسة عشر عاما ولم تتم ورواية مثل بيت الياسمين بعتها ثلاث مرات عبر عشرين سنة بعد ان ينتهى عقد المنتج ولم تتم، السينما والمسلسلات تخسر كثيرا بابتعادها عن الرواية،

■ ماهى أهم طقوسك فى الكتابة وهل تغيرت مع الوقت؟ 

- طقوسى سهلة جدا هى نفس غرفة مكتبى التى لم تتغير منذ أربعين سنة ونفس الضوء الأبيض وسماع الموسيقى الكلاسيك والكتابة ليلا للقصة والرواية بينما المقالات فى أى وقت، الآن أثناء المرض وبعده تغير طقس الوقت وصرت أكتب بالليل أو بالنهار خوفا أن ينتهى الزمن فجأة ولديّ ما أريد الكتابة عنه.

■ الشخصيات النسائية فى رواياتك تكون مختلفة وتفعل الكثير خارج أعراف المجتمع هل هى مقصودة أما رؤية ذاتية للمرأة الحالية فى المجتمع؟

- أنا أؤمن بأن المرأة جديرة بالحرية لذلك ربما يتحقق لها فى الرواية مالم يتحقق فى الحياة.

■ كيف استقبلت خبر فوزك بجائزة النيل وما تأثيرها عليك، وهل هناك جوائز أخرى تتمنى الحصول عليها قريبا؟

- استقبلتها سعيدا فهى بمثابة تتويج لى من وطنى بعد رحلة شاقة طويلة، وجاءت فى وقت كنت أتمنى فيه الخروج من الحياة من فرط ماعانيت من مشقة وألام فى محنة المرض الطويلة، وأجمل ما فيها كان فرحة المحبين والقراء وتهنئاتهم التى لم تنقطع لي، لا أفكر ولم أفكر فى أى جائزة فأنا لم اتقدم لأى جائزة بنفسى فى حياتى إلا أول جائزة عام 1969 وكنت صغيرا وكانت جائزة نادى القصة بالإسكندرية على مستوى الجمهورية، كانت الجائزة ثلاث جنيهات اشتريت بها نسخا من جريدة الأخبار التى نشرت القصة كاملة مع مقدمة للكاتب الكبير محمود تيمور رحمه الله عنوانها «هذا قصاص موهوب»، وزعت نسخ الصحيفة على من أقابله لأقول له هذا أنا، كانت أياما جميلة، كل الجوائز بعد ذلك كانت ترشيحات من دور النشر أو من جمعيات ثقافية، وآخر جائزة جائزة النيل مثلا، كانت ترشيحا من أتيليه الاسكندرية الذى يرأسه الفنان الكبير مصطفى عبد المعطى وجمعية للفنون الشعبية كان يشرف عليها الدكتور أحمد مرسى رحمه الله ، والشكر لهما موصول إلى حد السماء.