شهداء على الأرض المباركة
هناك على تلك البقعة الغالية من أرض الوطن سالت دماء الآلاف من أبناء الشعب المصرى دفاعاً عنها، فلقد كانت سيناء هى كلمة السر فى حماية الأمن القومى المصري، لمكانتها العسكرية و الاقتصادية والدينية، فعبر التاريخ الممتد لآلاف السنوات كانت أرض الفيروز هى بوابة الأمن لمصر وشعبها.
«سيناء» الأرض المقدسة والمباركة التى تجلى الله عليها وقال فى كتابه العزيز «فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِى مِن شَاطِئِ الْوَادِى الأَيْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ»، وقال أيضًا «إنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى»، ما يؤكد أن الله سبحانة وتعالى منح هذه الأرض خصوصية شديدة، جعلها فى عهدة من قال عنهم خير الأنام الرسول الكريم: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفًا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض .. فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال : لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة»، لذلك على العدو قبل الصديق أن يدرك أن أرض سيناء العزيزة هى «دين» والمصريون لا يفرطون فى دينهم، ولسنوات طويلة حمى الجيش المصرى تلك البقعة بأرواح جنوده وقادته، الذين يعدون خيرة هذه الأرض الطيبة.
النصيب الأكبر من شهداء الوطن روت دماؤهم أرض سيناء فاختلطت دماء الشهداء عبر العصور من 1948 مرورًا بنكسة 67 وحرب الاستنزاف ونصر أكتوبر العظيم، إلى أن انتهت بحرب مصر ضد الإرهاب، حيث امتزجت دماء هؤلاء الأبطال وشكلت درعًا وحصنًا يحمى سيناء مكتوب عليه « هذه أرضى أنا وأبى ضحى هنا.. وأبى قال لنا مزقوا أعداءنا»، ولأنى قارئ جيد للتاريخ، فالجيش المصرى العظيم قدم الشهداء والمصابين فى سبيل حماية كل حبة رمل من تلك الأرض.
أتذكر خلال حوارى مع أحد الأبطال الذين شاركوا فى تحقيق نصر أكتوبر العظيم، أنه أخبرنى عن شيء حدث خلال الاستعداد للحرب وخلال المعارك، إذ قال لى نصًا: «قبل الحرب أيقنا أن عناية الله سبحانه وتعالى ترعانا وتخفى تحركاتنا عن أعين العدو الإسرائيلى، وخلال المعارك كنت أشعر أننا لا نحارب وحدنا بل أن هناك ملائكة حولنا تحارب معنا.. ولا أخفيك سرًا كنت أشعر أن أرواح شهدائنا السابقين تحارب معانا وتحثنا على تحرير الأرض»، هنا أدركت أن سيناء أرض الشهداء، وأن الله سبحانه وتعالى جعلها جزءًا لا يتجزء من مصر، وسخر خير أجناد الأرض لحمايتها والدفاع عنها، وأن المصريين مستعدون لدفع أرواحهم فداء لشبر واحد من تلك الأرض.
ولأن تكريم الشهداء واجب وطني، فقد شرفت بحضور فعاليات الندوة التثقيفية الـ 39 للقوات المسلحة، بمناسبة الاحتفال بيوم الشهيد، والتى أكد فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى أن هؤلاء الشهداء سيبقون فى وجدان الأمة، فهم محل تقدير واحترام الضمير الوطنى، ودليلًا قاطعًا على أن حب الأوطان ليس شعارات ترفع أو عبارات تنطق، وإنما تضحيات حقيقية عرق وجهد ودماء ثمنًا لصون مصر وأمنها واستقرارها وتقدمها، حيث كانت كلمة الرئيس بمثابة رسالة للجميع أن مصر لم ولن تنسى يومًا شهداءها، وسيظلون محفورين فى ذاكرة شرف هذا الوطن.
ولأن لكل مقام مقال ولكل حدث حديث، واعتزازًا بشهداء مصر الذين ضحوا بأنفسهم فى سبيل الوطن علينا أن نتذكر الشهيد الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق الذى استشهد بين جنوده على الجبهة، وضرب القائد الشهيد بذلك أروع مثال للتضحية، فرغم كونه رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة، إلا أنه كان دائمًا فى الصفوف الأمامية، تأكيدًا على تلاحم القائد مع جنوده فى الميدان، حيث اختارت مصر يوم 9 مارس، ليكون «يوم الشهيد»، وذلك تقديرًا لذكرى ذلك القائد العظيم، الذى أثبت أن تاريخ العسكرية المصرية يزخر برجال أبطال وقادة عظام، قدموا الغالى والنفيس ووهبوا حياتهم من أجل الدفاع عن الوطن ورفعته، وسطروا أسماءهم بحروف من نور فى سجل الشرف والعزة، وكانت سيرتهم دروسًا فى الوطنية تتوارثها الأجيال.
«الجنرال الذهبى _ حكيم العسكرية_ نسر مصر_ الفارس»، كلها ألقاب تحلى بها الفريق عبد المنعم رياض، وبعد استشهاده أطلق عليه «أيقونة الشهداء»، وكان مشهد جنازته مهيبًا، حيث تحولت الجنازة لمظاهرة فى حب الوطن وزادت المصريين إصرارًا على تحرير الأرض.
لكن أكثر ما لفت نظرى هى كلمة وكالة اليونيتدبرس عن الشهيد، حيث قالت: «رياض ختم حياته جنديًا مخلصًا لجنديته»، وهو أمر ليس غريبًا على واحد تربى فى واحدة من أعرق المؤسسات الوطنية العسكرية فى العالم، حيث انتقلت روح الشهيد عبد المنعم رياض إلى أبنائه داخل الجيش، وساروا على نفس الطريق رافعين شعار «كلنا فداء لمصر».
أسماء الشهداء التى سطعت فى سماء الشهادة لا تعد ولا تحصى، فكلهم كتبوا بدمائهم قصة بطولة وفداء ستظل خالدة فى ذاكرة كل مصرى تتوارثها الأجيال، فمن ينسى البطل العميد إبراهيم الرفاعى، واللواء شفيق مترى سيدراك، الشهيد الرائد طيار عاطف السادات، العقيد أركان حرب الشهيد إبراهيم عبد التواب، ومن شهداء مصر خلال حربها على الإرهاب، العقيد أحمد المنسى، والعميد رامى حسنين، وغيرهم من الشهداء الذين روت دماؤهم الطاهرة الأرض المباركة.
وفى يوم الشهيد أوجه تحية إعزاز وتقدير لأبناء مصر الذين سالت دماؤهم الزكية على مر العصور دفاعًا عن تراب الوطن وسلامة شعب مصر، وأشدد على أن الشهداء ليسوا صورًا تعلق على الحوائط أو أسماء تذكر فى الكتب، بل هم أبطال كتبوا بدمائهم وثيقة حماية هذا الوطن، تلك الوثيقة التى وقعوا حروفها بدمائهم الطاهرة، وباعوا أرواحهم فداءً لمصر وشعبها العظيم.