الخميس 11 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الدور المصرى لا يحتاج شهادة من أحد.. فهو من يتحدث عن نفسه

الدور المصرى لا يحتاج شهادة من أحد.. فهو من يتحدث عن نفسه

من يجهل القضية الفلسطينية وتاريخها وتعقيداتها، لا يمكنه فهم دور مصر الراهن ولا الحكم عليه بموضوعية ولا حتى خلال المراحل والحقب التاريخية التى نشأت معها هذه القضية وتطورت، وكثيرا ما يغفل المنتقدون البعد الجيوسياسي، الذى يربط بين مصر وفلسطين عضويا عبر التاريخ، ويكاد لا يخلو فصل من فصول تاريخ المنطقة دون تناول هذه العلاقة، التى لا يفهمها ويقيمها جيدا سوى الشعبين المصرى والفلسطيني. 



ولأن دور مصر كان ينطلق دائما من الحقيقة القومية والوطنية والجيوسياسية، ومن الحرص على الشعب الشقيق، الجار الأقرب، ألا وهو الشعب الفلسطينى وقضيته الوطنية العادلة،  كان هذا الدور ولا يزال عرضة للتشكيك من قبل أولئك الذين تقتصر علاقتهم بالقضية الفلسطينية إما بالاستخدام أو من زاوية أخرى استغلالها كورقة تكتيكية لخدمة مصالحهم.

لنبدأ من اللحظة الراهنة، حيث تتزامن فيها الذكرى الـ 76 لنكبة فلسطين المأساوية مع حرب الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل فى قطاع غزة والقدس والضفة، والمتواصلة منذ أكثر من سبعة شهور، نحن فى فلسطين، وخاصة القيادة الفلسطينية، ندرك أن منطلقات الدور المصرى بخصوص ما يجرى فى غزة تنبع من فهم مصر وقيادتها السياسية العميقة للقضية الفلسطينية، وشعورها بالمخاطر التى تحدق بالشعب الفلسطيني، من هنا كان تصدى مصر الصارم لمخططات التهجير هو الأساس فى المشهد كله، التهجير لمن لا يعرف يعنى عمليا تصفية للقضية الفلسطينية واستكمالا بشعا لما جرى فى نكبة العام 1948، ولأن المسألة بهذه الخطورة، فإن دور مصر كان حاسما وتصدى بالطرق المناسبة لمسألة التهجير وتحاول مصر بكل ما تستطيع منع تصفية حل الدولتين التى تستهدفه حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بشكل مباشر، بهدف منع قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وفى قراءة متأنية لدور مصر فى الحقب التاريخية المتعلقة بالصراع العربى الإسرائيلي، والفلسطينى الإسرائيلي، فإن صحافة مصر هى أول من نبه الرأى العام العربى لمخاطر المشروع الصهيونى على الأمة العربية وفلسطين تحديدا، عندما نشرت صحيفة «المقطم» فى نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين سلسلة تقارير بهذا الشأن، وعندما بطشت بريطانيا والمنظمات الصهيونية بثورة الشعب الفلسطينى الكبرى عام 1936 - 1939، استقبلت مصر من موقع الإخوة أولى دفعات اللاجئين، كما فتحت أبوابها لقيادة الشعب الفلسطينى لتعمل بحرية من مصر. 

وانطلاقا من الحقيقة الجيوسياسية والتاريخية، ومن الشعور بالمسئولية تجاه الشعب الفلسطينى الشقيق اتخذت مصر قرارها التاريخى بمساندة فلسطين وشعبها فى حرب العام 1948، ولم تكن منطلقاتها سوى دعم الشعب الشقيق ومنع ضياع وطنه وتشريده، وخلال الحرب أبلى الجيش المصرى وبذل كل ما يستطيع من أجل حصر المشروع الصهيونى فى أضيق الحدود، وروت دماء الجنود والضباط المصريين ثرى فلسطين وامتزجت دماء المقاومين الفلسطينيين والجنود المصريين بعضها مع بعض فى الحرب، وكتبت مصر أول فصل من تاريخ علاقتها بالقضية الفلسطينية بالدم والتضحيات. 

لقد واصلت مصر دورها بعزيمة أكبر بعد ثورة 23 يوليو 1952، وكانت القضية الفلسطينية فى قلب المشروع القومى العربى الطموح للرئيس جمال عبد الناصر، ودفعت مصر ثمنا باهظا من دماء جنودها ومن رفاة شعبها خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وكانت ومشروعها السياسى التنموى المستهدف الأول من المشروع الصهيونى وداعميه من القوى الاستعمارية، ولفهم التشكيك الراهن بدور مصر، يمكن التذكير بالمرحلة التى تلت حرب أكتوبر عام 1973، هذه الحرب التى فرضت للمرة الأولى فى تاريخ الصراع نوعا من التوازن.

اليوم مصر تقوم بالدور الذى يمليه عليها أمنها القومى ومصالح الأمة العربية والقضية الفلسطينية، ومن يشكك بهذا الدور فإما له أهداف أخرى، ليست القضية الفلسطينية من بينها، أو ربما بسبب الجهل بهذه القضية والتباساتها وما قد يضر بها فى كل مرحلة، وهنا دعونا نتفق أن العلاقة بين مصر وفلسطين وبين الشعبين المصرى والفلسطينى هى أقوى وجذورها أعمق فى التاريخ والجغرافيا من أن ينال منها المشككون، وهى معمدة بالدم وروح الإخوة الحقيقية والمصالح المشتركة، وربما من الضرورى القول هنا إن مصر وبسبب دورها التاريخى هى أكثر الأطراف فهما للقضية الفلسطينية وهى الأكثر إدراكا بما يضر بهذه القضية والمفيد لها، وأن العلاقة بين القيادتين المصرية والفلسطينية لا يمكن أن يزعزعها أحد.

وفى الذكرى الـ 76 للنكبة، وعبر كل المراحل لا نستطيع نحن الفلسطينيون إلا أن نقول لأشقائنا المصريين شكرا ونحن من نقدر أكثر من غيرنا تضحياتكم وتضحيات مصر من أجل فلسطين، فالدور المصرى لا يحتاج لشهادة أى طرف فهو من يتحدث عن نفسه.