أ.د. رضا عوض
الحقائق التاريخية لأرض فلسطين (٢)
تمركزت القبائل السامية فى شمال شبه الجزيرة العربية وتكاثرت وتكونت بما يعرف بالخزان البشرى للقبائل السامية، ونتيجة للعوامل المناخية والجفاف المتكرر فى هذه المنطقة انطلقت منها موجات الهجرة الجماعية إلى منطقة (الهلال الخصيب) إلى أرض العراق والشام ومصر فكانت أولاها هجرة الكنعانيين إلى أرض فلسطين, والثانية هجرة الأكاديين والكلدانيين أجداد سيدنا إبراهيم إلى جنوب نهر الفرات، فمنذ عام ٣٠٠٠ قبل الميلاد حدثت الهجرة الكنعانية من شبه الجزيرة العربية إلى أرض فلسطين واستوطنوا هذه المنطقة، فهم أول من سكن أرض فلسطين وأول من بنى حضارة عليها وهم كلهم عرب، وكان الكنعانيون شعبًا مسالمًا وكانوا مدافعين عن أنفسهم ولم يكونوا مهاجمين، واشتهروا بالزراعة وبرعوا فى التعدين وصناعة الخزف والزجاج والثياب، وفى فن العمارة يقول المؤرخ ( فيليب حتّى) أنه لم يعتنِ شعب سامٍ بالغناء والموسيقى كما عنى به الكنعانيون.. واليبوسيون هم الذين أنشأوا مدينة القدس وهم أحد بطون القبائل الكنعانية التى هاجرت إلى فلسطين عام ٢٥٠٠ق م، وقد سميت المدينة باسم مدينة (يبوس)، والذى ورد اسمها فى التاريخ المصرى القديم باسم (يابيث) أو (يابيثى) وتقع أطلال هذه المدينة فى الهضبة التى تدعى اليوم باسم (جبل صهيون)، وفى عهد الملك اليبوسى الذى يعرف باسم (ملكى صادق) والذى حكم اليبوسيين خلال جزء من القرن العشرين ق. م تغير اسم المدينة إلى (أورسالم) أى مدينة السلام، وهكذا نجد أن مدينة القدس قد بناها اليبوسيون الكنعانيون وسكنوها مدة طويلة قبل مجىء العبرانيين (بنى إسرائيل)، بل إن المصادر العبرية نفسها تعترف بأن إبراهيم الخليل- عليه السلام- حينما وصل إلى أرض كنعان (فلسطين) مهاجرًا من موطنه (مدينة أور) بجنوب غرب نهر الفرات وبصحبة زوجته (سارة) وابن أخيه سيدنا (لوط) وهى بداية وجود العبرانيين بأرض كنعان كان يدفع ضريبة العشر إلى ملك القدس (ملكى صادق) حوالى عام ١٩٢٠ ق.م، وأن هذا الملك الكنعانى كان ملكًا موحدًا، ودليل ذلك أنه بارك إبراهيم- عليه السلام- بقوله (مبارك الله العلى الذى أسلم أعداءك فى يدك)، كما ورد اسم أورسالم فيما يسمى بنصوص اللعنة وهى تتضمن أسماء البلدان والمدن والحكام الذين كانوا فى حالة صراع مع فراعنة مصر ويرجع تاريخ هذه النصوص إلى عصر حكم الملك الفرعونى سيزوستريس الثالث ( ١٨٤٢- ١٨٧٨) ق م ، كما ذكر اسم (أورسالم) بعد هذا التاريخ بحوالى خمسمائة عام فيما يعرف بألواح تل العمارنة، وهى عبارة عن ست رسائل أرسلها حاكم أورسالم (عبدى هيبا) إلى فرعون مصر أخناتون فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد يطلب منه العون العسكرى للدفاع عن مدينة أورسالم وذلك فى فتره تبعية أرض كنعان إلى مصر فى ذلك الوقت، ويضاف على ذلك أن اسم أورسالم بالذات ليس عبريًا وإنما هى تسمية كنعانية، حيث إن الألواح المكتشفة فى مدينة (أيبلا السورية) القديمة التى تم تخريبها على يد الأكاديين قبل وصول العبرانيين إلى المنطقة بوقت طويل ذكرت وجود مدينة أورسالم فى المنطقة، بل إن التوراة نفسها تعترف بأن القدس غير عبرية، حيث ورد اسم القدس فى التوراة أحيانًا باسم مدينة اليبوسيين.