الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يوم فى حياة زينات صدقى على مسرح الهناجر

معاناة الأرتيست

قد يسطع نجم الفنان ويأفل دون أن يعلم عنه جمهوره المزيد، عن تفاصيل هذا الصعود ثم أسباب التراجع والانزواء فترة من الزمن.. أو ربما كل الزمن المتبقى من عمره، بين هاتين الرحلتين مسيرة من النجاح غلفتها رحلة معاناة وألم، تفاصيل حروب وصبر واجتهاد للوصول إلى ذروة النجومية ثم الاختفاء والابتعاد عن الأضواء، هذا التناقض بين حياتين صاحبتهما زلزلة نفس تتوق دائما لحياة أفضل ..بينما يأبى القدر أن يمنح هذا النجم حقه الطبيعى فى التقدير والاعتراف بالقيمة حتى النهاية، يدخله دون سابق إنذار فى حالة أخرى من الصراع النفسى وأحيانا المادى يختلف عن شكل وسياق صراعه الاجتماعى الأول، يخوض حربا جديدة ليست ضد المجتمع لإثبات أحقيته فى ممارسة إبداعه وتحقيق حلمه بينما رحلة إثبات الحق فى الحياة من الأساس، وانتظار تبدل الأحوال ووفاء الزمن بعهده الذى سبق وأن منحه كل شىء من وقته وجهده ثم لم يجن منه سوى التجاهل والنسيان!



من تلك المعاناة نسج المخرج والمؤلف محمد زكى قصة إنسانية بديعة عن رحلة معاناة «الأرتيست».. التقط يومًا فى حياة الفنانة الراحلة زينات صدقى ليستعرض من خلاله نموذجا لقسوة الزمن على أحد أهم نجوم الكوميديا فى عهد مضى، امرأة حفرت اسمها كأهم كوميديانة جاءت على مر التاريخ بينما لم يبادلها الواقع فى آخر أيامها نفس القدر من الأهمية، فلم يمنحها ما تستحق من إجلال وتقدير، من هذا الخط الدرامى التراجيدى فى حياة هذه السيدة التى أضحكت الملايين يبكيك المؤلف على حالها بأهم يوم فى حياتها.

ليلة جلست فيها هائمة متجهمة بمنزلها بين أبناء أخيها، تأتى لها مكالمة هاتفية من الرئيس الراحل أنور السادات يخبرها فيها أنه ينوى تكريمها بعيد الفن عام 1976 تصيبها الدهشة ثم الحسرة والتراجع عن الذهاب لهذا التكريم لأن ليس لديها ملابس مناسبة لحضور الحفل، ومن هنا تبدأ أحداث العرض المسرحى باستعراض ذكريات ورحلة صعود وهبوط هذه النجمة الكبيرة فى عالم الفن والكوميديا.

اختار زكى ليلة فى حياة هذه الفنانة العظيمة ليشير بذكاء إلى جرح غائر أصابها بنهاية حياتها .. جرح ربما لم يخصها بمفردها بينما يخص جيلا كاملا من الفنانين اختفوا وتواروا خلف الأضواء بعد أن كانوا ملء السمع والبصر، عانوا الوحدة والتجاهل والنسيان لم يتذكرهم أحد، تراجعت حياة الرفاهية والدعة لتتبدل بحياة فقر وديون، فى ذلك اليوم كادت صدقى أن تتراجع عن الذهاب لهذا الحفل لأنها لا تمتلك من الثياب ما يليق باسمها وبيوم تكريمها ثم قررت الذهاب فى ثوب بسيط.

ليلة مسرحية دافئة عاشها الجمهور بمسرح الهناجر ليتابع فى شغف وألم قصة معاناة هذه السيدة ورحلة صعودها وخوضها مجال الفن، صمم مهندس الديكور فادى فوكيه ديكورا لمنزل هادئ بسيط غلفه فى ركنى المسرح من اليمين واليسار بغرفتين إحداهما لمنزلها وهى فى الخامسة عشر من عمرها عندما تتذكر خلافها مع والدها وزواجها رغما عنها من ابن عمها الذى أساء معاملتها، ثم الغرفة الثانية للترزى الخواجة الذى دأبت على التعاون والذهاب إليه لتصميم أزياء أعمالها الفنية، تتوسط الغرفتين خزينة الملابس التى تتوقف أمامها صدقى لتستعيد تلك الذكريات المطمورة خلف ستائر منسية .. صورة مسرحية ثابتة بينما تنقلنا بمرونة ويسر إلى حياة هذه السيدة فى أزمنة متفرقة، كما ينقلنا المخرج من حالة إلى أخرى بسلاسة بين الخروج من الواقع والعودة إليه مرة ثانية تنقل هادئ بين الأزمنة يناسب المرحلة الزمنية، حافظ المخرج على اتزان الإيقاع بين هذه التنقلات العديدة من أيام الصبا وهروبها إلى لبنان ثم العودة إلى واقعها الحالى.

 

 

ساهم أبطال العرض فى الحفاظ بدقة ومهارة على الحالة الشعورية الدقيقة للعمل بالكامل وعلى الإيقاع واتزانه فى مراحلها العمرية المختلفة، ربما تأتى على رأس هذه الكتيبة الفنانة هايدى عبد الخالق.. التى طافت كروح هائمة حول زينات صدقى وليست مجرد مؤدية لشخصية فنانة راحلة، طافت حولها فى صباها وشبابها وشيخوختها لتقدم مزجا بديعا بين خفة حركتها وروحها وجدها واجتهادها لتحقيق حلمها ثم حركة جسد أثقلته الهموم والأسى على واقعها، لم تتخل هايدى عن روحها كإنسانة ذات حساسية عالية سواء فى خفة الدم وممارسة الهزار والضحك أو فى مشاعرها الداخلية الحزينة المتأسفة، لم تقع فى فخ تقليدها وإن نجحت بقوة فى محاكاة نبرة صوتها بينما لعبت على الإبحار فى أعماق نفس هذه السيدة التى عانت حتى وصلت ثم انزوت فى ركن بعيد عن الأعين والناس، وبالرغم من وقوع العبء الكبير على بطلة العرض فى لعب شخصية زينات بكامل مراحلها العمرية إلا أنها نجحت فى كل مرحلة بتقديمها بروح العجوز المتذكرة لأيام الصبا وليست مجرد فنانة متصابية تتقن أداء دور فتاة مراهقة وهنا يكمن إبداعها الكبير فى الحفاظ على تلك الشعرة الرقيقة الفاصلة بين الحالتين فى الأداء .. بخفة ورشاقة واقتدار تناقلت وسارت عبدالخالق فى مراحل حياة زينات صدقى مثل عازف البيانو فى رشاقة عزفه للحن بديع .. خرجت روح الأرتيست بالعزف على أوتار أوجاعها فى الصبا والشيخوخة، شاركتها المهارة والخفة فاطمة عادل بدور صديقتها خيرية صدقى التى اتخذت زينات من اسمها بديلا لاسمها الحقيقى وشكلا معا ثنائيا فنيا شديد الروعة خاصة فى مشاهد تذكرها لرحلة هروبها مع صديقتها إلى لبنان واحتراف الرقص بالصالات، قاسمهما الإجادة والبطولة بخبرتهما الكبيرة الفنان ياسر أبو العينين والفنان إيهاب بكير، ثم أبدع الشباب المشاركون بالعرض فى أدوار أبناء الأخ وابنة الصديقة خيرية بهذه البطولة الجماعية ليكتب العمل شهادة ميلاد مجموعة من الوجوه الجديدة ريم مدحت، إبراهيم الألفى، فيولا عادل، ياسمين عمر، مارتينا هانى ومحمود الغندور، تصيم إضاءة أبوبكر الشريف وأزياء أميرة صابر ومحمد ريان.