الخميس 28 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
روزاليوسف وصدقى باشا وجولة فى الشارع

روزاليوسف وصدقى باشا وجولة فى الشارع

فى سطور بالغة الدقة والشجاعة تصف السيدة روزاليوسف بداية نهاية مرحلة إسماعيل صدقى باشا بأسرع مما كان يتوقع خصومه وأنصاره!



تقول السيدة روزاليوسف: كان المفروض أن تعيش وزارة صدقى عشر سنوات على الأقل أو هكذا رسم الإنجليز والملك فؤاد خطتهم، وكان أصدقاء صدقى لا يكفون عن ترديد هذا الذى استقر عليه العزم، وما الذى ينقصهم لإنفاذ هذه الخطة؟ إن القوة فى يدهم، والقصر يسندهم والشعب مهما سخط أو غضب عاجز عن اقتلاع الوزارة من الحكم، ودستور 1923 سوف ينساه الناس بعد قليل!

والغريب أن هذه الوزارة التى ظفرت بأكبر قسط من سخط الناس أطول الوزارات عمرا فى تاريخنا البرلمانى كله، على أنه لم تمض ثلاث سنوات على ميلاد دستور سنة 1930 -  دستور صدقى - حتى أخذ ينتشر إحساس عام بأن هذه الحالة الشاذة لا يمكن أن تدوم، وأن هذا النظام الذى أقيم لا يستطيع أحد أن يجلس عليه طويلا بدأت الخلافات والعقبات تتراكم فى الأفق، وبدأ الملك «فؤاد» يتخلى عن صدقى بعد أن أدى مهمته، وقرر الإنجليز أن يغيروا سياستهم كما تعودوا من حين لآخر فنقل «سير لورين» المندوب السامى البريطانى - الذى كان يسند «صدقى» من مصر وعين بدلا منه سير «مايلز لامبسون».

وشعرت الوزارة أن الأرض تميد تحت الأقدام وبدأ الأنصار يرسمون خطط الفرار من السفينة الغارقة، وحين سقط صدقى تخلى عنه كل شىء، تخلى عنه حزبه وتخلت عنه جريدته، وتخلت عنه الأغلبية التى أوجدها من العدم، وزاد الطين بلة الأزمة الاقتصادية التى اجتاحت العالم فى ذلك الوقت!

وتعترف روزاليوسف قائلة: لقد ذهبت هذه السنوات من عمر المصريين بددا فإن بقى منها شىء يذكر لها ففى أوله طريق الكورنيش، وبالرغم مما أثاره خصوم «صدقى» حوله من اتهامات بشأن هذا الطريق، فإنه بغير شك عمل مجيد، ولا أذهب إلى الإسكندرية مرة وأرى كيف خلقها هذا الكورنيش خلقا جديدا إلا وأذكر فضل «صدقى» الذى صنعه فى سنتين اثنتين فقط!

ومن العقبات التى صادفت «صدقى» فى شق الكورنيش ثكنات مصطفى باشا التى كان يحتلها الإنجليز والتى كانت بين الشاطئ والثكنات وقالوا فى تبرير ذلك إنه لا يصح أن تعبر العائلات الإنجليزية الشارع لكى تصل إلى البحر، وكان مدير البلدية رجلا من رجال «صدقى» الأستاذ أحمد صديق فأقام مأدبة دعا إليها الجنرال «روبرتسون» وكان من الضباط المسئولين فى ثكنات مصطفى باشا وأقنعه بأنه يمكن حفر نفق تحت الكورنيش يستعمله الإنجليز للوصول إلى الشاطئ دون أن يعبروا الشارع ووافق الإنجليز على الاقتراح!

وكانت آخر مرة رأيته فيها حين ألف وزارته الأخيرة سنة 1946 وطفت معه بعض شوارع القاهرة والمظاهرات الصاخبة تحيط بثكنات الإنجليز وتريد الهجوم عليها.

والاشتباك بين الإنجليز والمصريين ينذر بالخطر وكان «صدقى» قد تغير لم يعد الجبار القديم بل أصبح رجلا شيبته التجارب يلجأ إلى الحيلة دون سواها.

وظل إلى آخر لحظة فى حياته دائب النشاط دائم التفكير لا يترك مناسبة إلا ويتحدث فيها ويعلن رأيه صريحا بلا مواربة.. لم يكن كغيره من الزعماء الذين إذا خلعوا ثياب السلطان وانزووا فى بيوتهم ومثلوا أدوار الصمت الحكيم وهو فى الواقع صمت الفراغ والاستحياء! 

وسافر صدقى إلى فرنسا ليموت هناك وكانت آخر نصيحة أرسلها إلى مصر رسالة ينصح فيها بالتمسك بأحكام الدستور دائما وفى كل وقت وهى نصيحة ثمينة جدا، إذ تصدر عن الرجل الذى حارب الدستور وألغاه، فهو فى خاتمة حياته وبعد كل تجاربه بأنه لا يعرف للبلاد صخرة نجاة إلا الدستور.

وللذكريات بقية!