كرامة الإنسان أولا
نزلاء لا سجناء
مروة مصطفى
تضع الدولة المصرية “حقوق الإنسان” نصب أعينها، وتعمل على صون كرامة جميع المواطنين على السواء، فلم يعد قضاء العقوبة الجنائية نهاية المطاف لصاحبها، بل قد يكون بداية لحياة جديدة قوامها النجاح فى “مراكز الإصلاح ” التى توفر الرعاية الصحية والتعليم وحتى “الحضانة” لأبناء النزيلات.
استطاعت الدولة أن ترسّخ مفهومًا جديدًا لحقوق الإنسان يضمن آدميته بعيدًا عن شعارات الغرب، وذلك من خلال الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل 3 سنوات.
تهدف الاستراتيجية فى المقام الأول إلى “كفالة حق المواطن المصري ” حتى إن كان مُذنبًا، وقد تحقق ذلك بخطوات عملية من أهمها بناء “مراكز التأهيل والإصلاح”، لتغير الصورة الذهنية عن السجون المصرية.
نزيل وليس سجينًا
لم يكن التغيير ظاهريًا فى استراتيجية حقوق الإنسان، بل تم تطبيقه بمفهومه الشامل، بدءًا من تغيير مصطلح “سجين” إلى “نزيل”، ومأمور السجن إلى “مدير مركز تأهيل”.
حتى المبانى لم تعد تلك التى ظهرت على مدار سنوات فى الأعمال الفنية، بل تحولت “العنابر ” إلى أماكن آدمية للإقامة تضمن حياة كريمة لـ”النزيل” أثناء قضاء فترة عقوبته.
داخل مركز الإصلاح لا مجال للصدفة، فقد تم تصميمها وفقا للمعايير الدولية بشكل يضمن التهوية الجيدة والإنارة الطبيعية مع وجود مساحات خضراء.
إصلاح وإنتاج
يضم المركز 3 مراكز فرعية تم إعدادها لاستقبال النزلاء الذين يقضون مددًا قصيرة أو ظروفهم لا تتيح لهم العمل فى المواقع الإنتاجية التابعة لمراكز الإصلاح.
بالداخل توجد ورش للأعمال اليدوية لتأهيل النزلاء مهنيًا وصقل مهاراتهم فى شتى المجالات المختلفة.
يضم المركز أيضًا مناطق الزراعات المفتوحة والصوب الزراعية والثروة الحيوانية والداجنة والمصانع والورش الإنتاجية، بجانب منافذ خارج أسوار المراكز لتسويق المنتجات، والتى يتم تخصيص عائدها المادى للنزيل وتوجيه هذا العائد حسب رغبته.
وفى ساحات التريض يمارس النزلاء جميع الألعاب الرياضية، حيث تنظم إدارة المراكز مسابقات مع فرق خارجية وتقدم جوائز للفريق الفائز.
هناك أيضا مكتبات بها شتى الكتب، وفصول تعليمية تساعد النزلاء فى استكمال تعليمهم، حيث حصل بعض النزلاء على شهادات علمية مختلفة، لدرجة حصول بعضهم على الماجستير والدكتوراه.
يهتم المركز كذلك بتقديم دورات تدريبية وجلسات نفسية واجتماعية تهدف إلى تأهيل السجين للعودة إلى الحياة الطبيعية، ومحو أمية النزلاء، فضلا عن وجود دور عبادة للمسلمين والمسيحيين.
أما عن الرعاية الصحية، فيوجد مستشفى مركزى مجهز بأحدث المعدات والأجهزة الطبية وصيدلية ومعامل التحاليل والأشعة، ووحدة للغسيل الكلوى.
هذا بجانب مجمع المحاكم الذى يضم 8 قاعات لجلسات المحاكمة «منفصلة إداريا» لتوفير عناء الانتقال إلى المحاكم المختلفة.
أما عن عنابر النزلاء فهى عنابر للنوم مجهزة بأسرّة وشاشات تليفزيون وحمامات ومطبخ صغير لتجهيز المشروبات، وأيضا مطابخ لتجهيز الجراية “الوجبات”، للنزلاء، ومركز لرعاية الأطفال أبناء النزيلات “ حضانة” .
حقوق النزلاء
يتمتع النزيل داخل مركز الإصلاح بكامل حقوقه التى كفلها له القانون، حسبما أكد أحمد الفخراني، المستشار بديوان وزارة العدل.
وأضاف فى تصريحات لـ”روزاليوسف”، أن قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 الذى تم تعديله فى 2022 نص على تغيير اسم السجناء إلى نزلاء، ومأمورى السجون إلى مديرى مراكز تأهيل، وإلغاء كلمات سجون وليمانات، حيثما وردت بتعديلات القانون.
وأشار إلى أن القانون أعطى حقوقًا للنزلاء مثل: تسليمهم المذكرات والمكاتبات شخصيا، وحقهم فى استكمال تعليمهم والمشاركة بامتحانات الصفوف الدراسية.
تستند الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان إلى عدد من المبادئ الأساسية المنصوص عليها فى الدستور والمستقرة فى قضاء المحاكم العليا، والمتضمنة فى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
و تهدف فى المقام الأول إلى كفالة حق المواطن المصرى فى المساواة وتكافؤ الفرص واحترام مبدأ المواطنة والحريات الأساسية، وإعلاء مبدأ سيادة القانون وتعزيز الحكم الرشيد وإرساء قيم الشفافية لضمان التمتع بهذه الحقوق.
الأكبر عالميًا
أغلقت وزارة الداخلية أكثر من 45 سجنًا بينها “العقرب” و”طرة”، ليتم نقل النزلاء إلى مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة، حيث يعد مركز الإصلاح والتأهيل فى وادى النطرون هو الأكبر على مستوى العالم.
وقال الخبير الأمنى ، أحمد السرساوي، إن مركز الإصلاح والتأهيل يقدم الخدمات الضرورية للنزلاء؛ إيماناً من وزارة الداخلية باحترام حقوق الإنسان باعتبارها ضرورة من ضرورات العمل الأمنى.
كما تتميز هذه المراكز بتقديم برامج متنوعة تهدف إلى تحسين الظروف الاجتماعية والنفسية للنزلاء وتطوير مهاراتهم اللازمة “ للعودة للحياة العادية بعد الإفراج”.
وأشار السرساوى إلى أن المراكز تساعد النزيل على استكمال حياته التعليمية من خلال تقديم دورات وبرامج لتعليم المهارات المهنية، ومساعدته على الاندماج فى سوق العمل.
كما تساعدهم المراكز فى توفير دعم مالى للمساعدة لبدء حياة جديدة بعد السجن، مثل الحصول على وظيفة أو بدء مشروع صغير”أكشاك” أو توفير فرص عمل براتب.
التواصل مع العالم الخارجى
نزلاء مراكز الإصلاح ليسوا فى عُزلة عن العالم الخارجي، بل يتم توفير فرص للتواصل مع عائلاتهم ومحاميهم، وأحيانا يتمكنون من المشاركة فى أنشطة خارجية منظمة بالتعاون مع جهات إنسانية ومنظمات حقوقية.
وأوضح المستشار محمد الطنبارى بمحكمة الاستئناف، أن هذه المراكز أيضًا تستهدف تقديم الدعم النفسى والاجتماعى والتعليمى للمساجين، وتزويدهم بالمهارات الضرورية لإعادة دمجهم فى المجتمع بعد الإفراج عنهم.
وأشار إلى أنه يمكن للنزلاء الاستفادة من برامج التعليم والتدريب داخل المركز، من خلال التسجيل فى البرامج التعليمية والتدريبية المتاحة وحضور الدروس وورش العمل.
الاندماج فى الحياة
وعن دور مراكز الإصلاح فى مساعدة النزلاء للاندماج فى الحياة الطبيعية بعد انقضاء فترة العقوبة، قال محمد أبو سليمان المستشار بمحكمة جنايات القاهرة، إن مراكز الإصلاح توفر برامج توجيه تهدف إلى تحفيز النزلاء على تغيير سلوكهم السلبى وتوجيههم نحو طريق ناجح بعد الإفراج.
وأضاف أنها تساعد النزلاء على تجاوز عواقب السجن وبناء حياة جديدة تساعدهم على الاندماج بنجاح فى المجتمع بعد انتهاء مدة السجن، من خلال المساعدة على توفير فرص عمل وتحسين الوضع الاجتماعى للنزلاء بعد الإفراج عنهم.