الأربعاء 11 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وإنك لعلى خلق عظيم

ميلاد النبى رحمة للإنسانية وقدوة للبشرية

يحتفل العالم الإسلامى بميلاد سيد الخلق “محمد” صلى الله عليه وسلم، فهو النور الذي أضاء الإنسانية كلها، وتلألأت الأكوان بسيرته العطرة، حيث تعيش الأمة حالة من الفرح بإحياء ذكرى مولده، وتلمس الخير فى سيرته، فبدعوته أشرقت شمس التوحيد على الأمة كلها، فهو رجل من طراز فريد، ارتقى أعلى مراتب الأخلاق والعلم؛ لأنه تربية رب العالمين؛ السراج المنير، والمثل الأعلى، والقدوة العظمى للإنسانية جمعاء، أدبه ربه فأحسن تأديبه، وجاءت بعثته لتربية الأجيال، إذ قال:” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.



وقال الدكتور عبدالفتاح العوارى، العميد الأسبق بكلية أصول الدين، جامعة الأزهر، إن الله تعالى خلق النبى - ﷺ - واصطفاه على عينه والملائكة يحتفلون بالنبى صلى الله عليه وسلم، كما كان النبى يحتفل بيوم مولده، فعندما سُئل عن سر صوم الاثنين قال:” ذلك يوم ولدت فيه”، محذرًا من الدعوات التي تدعو إلى الجفوة والبعد عن النبى صلى الله عليه وسلم، فمن الضرورى الأخذ من سيرته ما ينير طريق حياتنا وديننا.

وشدد “العوارى”، على ضرورة اقتداء الأمة بسنة الرسول، فقد جمع الله كل الصفات التي اقتدى بها الرسل فى شخصه، فسيرته هى العطاء بلا حدود، والخير بلا انتهاء، وهى التطبيق العملى لأوامر الله تعالى، موضحًا أننا فى أمس الحاجة لأن نراجع أخلاقنا ومعاملاتنا، لنكون خير أمة أخرجت للناس كما أراد الله؛ ولن يتحقق هذا إلا بالاقتداء والتأسى بسنة خير خلق الله أجمعين، ليكون أعظم رد على أناس خرجوا فى آخر الزمان يدعون للتخلى عن سنة الحبيب ﷺ.

وأكد الدكتور عطا عبدالعاطى السنباطى، عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، أن الرسول ﷺ منذ طفولته يتحلى بمكارم الأخلاق فهو عجيبة من عجائب الكون، وآية من آيات الله، ومعجزة من معجزاته فى الأرض، فهو رسول يتلقى الوحى ليربط الأرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صلة، وهو رجل سياسة، ورجل سلام، ورجل حرب يضع الخطط ويقود الجيوش، وهو رجل دعوة أخذت جهده ووقته وعقله وروحه، وهو رب أسرة كبيرة تحتاج إلى كثير من نفقات الوقت والفكر والتربية والشعور، فضلا عن النفقات المادية، فيقوم النبى ﷺ بهذا الدور على أعلى وأتم وجه شهدته الأرض وعرفه التاريخ.

وأشار “السنباطى” إلى أن الرسول كان أكثر الناس حياء ويضرب به المثل فى العفة والأدب، إذ يقول: (أدبنى ربى فأحسن تأديبى)، ويكفى أن الله عز وجل شهد له بذلك، حيث قال: (وإنك لعلى خلق عظيم)، مؤكدًا أن الوفود التي كانت تأتى للنبى ﷺ وعندما تعود لموطنها تشهد للنبى بمكارم الأخلاق، مدللًا على ذلك بما دار بين جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه عندما سأله النجاشى: ما هذا الدين الذي فارقتم قومكم به؟ فرد عليه جعفر:” أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسىء الجوار ويأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه فخلعنا ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل الله”. وبعد ما عرف النجاشى صفات النبى أعلن إسلامه.

وأوضح الدكتور وائل عبدالكريم الأستاذ المساعد بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر، أن النبى صلى الله عليه وسلم، هو خير قدوة للبشرية جميعا، لِما اتصف به من صفات الكمال البشرى، فهو الإنسان الكامل فى إيمانه، الكامل فى خلقه، الكامل فى معاملته، الكامل فى قيادته، لذا جعله الله تعالى لنا أسوة شاملة كاملة، فهو الصادق الأمين، متابعًا: “لقد جمع الله عز وجل فى شخص النبى ما تفرق من فضائل السابقين واللاحقين، فاستحق نبينا محمد ﷺ أن يكون القُدوة الحسنة لكل باحث عن الحق، ولكل باحث عن الكمال، قال تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”، ولو نظرنا إلى حياة النبى ﷺ لوجدناها مليئة بالنماذج والصور المشرقة التي نأخذ منها القدوة والأسوة”.

وسرد “عبدالكريم”، صورًا من مجالات الأسوة فى حياته ﷺ منها عبادته فقد كان أعبد الخلق للخالق، وأخشاهم وأتقاهم، لذا كانت عبادته وطاعته ﷺ دستورًا للسالكين وسراجًا للعارفين، فهو يقوم وينام ويصوم ويفطر؛ وذلك لأنه أسوة لأمته فى الطاعة والعبادة؛ فكان يقوم زمن راحته ووقت خلوته تقول عائشة رضى الله عنها: (أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ)، مشيرًا إلى أن الأخلاق الحسنة  ومعاملته لم تقتصر على المسلمين بل امتد حسن خلقه مع غير المسلمين. 

 

 

وتابع: «علم النبى ﷺ الدنيا الوفاء وحسن الشرف حتى فى معاملته مع المشركين، فقد روى مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال: (ما منعنى أن أشهد بدرًا مع رسول الله ﷺ إلا أن المشركين قد أخذونا وقالوا: أتريدون محمدًا؟ قال حذيفة: فقلت: لا.. قال حذيفة: فأخذ المشركون علينا عهد الله وميثاقه أن ننصرف إلى المدينة وألا نشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت إلى النبى ﷺ فأخبرته بما قال المشركون وبما قلت، فقال النبى ﷺ ـ: انصرفا -يعني: لا تشهدا معنا المعركة- نفى للمشركين بعهدهم ونستعين الله عليهم)، مع أنه فى حال حرب مع أعدائه، وفى أمس الحاجة إلى كل رجل يقاتل فى سبيل الله، فقد آثر رسول الله الوفاء مع الأعداء ولم ينكث العهد ولم يغدر.

وتحدث الشيخ رجب الأزهرى من علماء الأوقاف، عن تعامُل النبيّ عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته، حيث قال:” فى معاملته لزوجاته، قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى)، وتثبتُ كتب السيرة النبوية كثيرًا من المواقف فى تعامل النبى عليه السلام مع زوجاته، حيث كان لهنّ نِعمَ الزّوج من خلال المعاملة الحسنة معهنّ -ومن هذه المواقف- مشيرًا إلى أن النبى كان حريصًا كُلّ الحرص على إدخال الفرح والسرور على زوجاته، ويتعامل مع كُلّ واحدةٍ منهنّ بما يُناسب عُمرها، وميولها، ومن ذلك موقفه مع زوجته عائشة -رضى الله عنها-، حيث تقول: (لقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَوْمًا علَى بَابِ حُجْرَتى والحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فى المَسْجِدِ، ورَسولُ اللَّهِ ـصَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتُرُنِى برِدَائِهِ، أنْظُرُ إلى لَعِبِهِمْ)، كما أنّه كان يُناديها بالحُميراء؛ لما فيها من معانى الدلال، والمَحبّة لها، علاوة على حرصه على مُشاورتهنّ والاهتمام بآرائهنّ؛ فكان النبيّ يأخذ آراءهنّ فى بعض أُمور الدين، والدولة.

ولفت الشيخ فواز عبادى رئيس الإدارة المركزية للمنطقة الأزهرية بالقاهرة، إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان خير قدوة يجب الاقتداء بها، حيث تؤثر القدوة على الفرد والأسرة والمجتمع، إذ إن التربية بالقدوة من أفضل الأساليب التربوية وأكثرها انتشارا قديما وحديثًا، مستطردًا:” تعد القدوة من أهم العوامل المؤثرة فى تربية الأبناء وأبرز ما يعين على غرس القيم فى نفوسهم، فهم يكتسبون القيم عن طريق الملاحظة والتقليد، كما أن العديد من الأطفال يقبلون بوجهات نظر آبائهم والمهمين ممن هم فى بيئتهم، وذلك لأنهم يتأثرون بما يرونه من القيم الإسلامية عن طريق المحاكاة والإيحاء والاستهواء، فالأطفال منذ نعومة أظافرهم يبدأون بتقليد آبائهم وهذا التقليد دليل على محبتهم لهم.

وذكر الدكتور محمد أحمد الهادى عثمان مدير مركز الثقافة الإسلامى بمسجد النور بالعباسية، بشارات الكون التي بدت فى الأفق يوم مولد سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ تهيأ الكون كله لاستقبال مولد النور سيدنا محمد - ﷺ - ولم لا؟ وهو الذي وصفه الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز فى أكثر من آية بأنه النور، ومن ذلك قوله تَعَالَى: “يَأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ”، وقد ظهرت من الآيات لمولد النور سيدنا محمد ﷺ ما لا ينكرها إلا جاحد فقد قال الإمام النووى - رحمه الله تعالى -:” (قال وقد جرى من الآيات فى مولد رسول الله ﷺ ما لا ينكره منتم إلى الإسلام وذلك قبل النبوة والانبعاث).

وأردف: «ليلة ميلاده ﷺ ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاصت بحيرة ساوة وأفزع ذلك كسرى، ومن تلك الآيات أيضا إضاءة قصور بصرى بالنور الذي خرج معه فهو إشارة إلى ما خص الشام من نور نبوته بأنها دار ملكه، كما ذكر كعب أن الكتب السابقة ذكرت أن مولده بمكة ومهجره إلى يثرب وملكه بالشام، فمن مكة بدأت النبوة وإلى الشام ينتهى ملكه ولهذا أسرى به ﷺ إلى الشام من بيت المقدس كما هاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام من قبله إلى الشام، إذ قال بعض السلف: ما بعث الله نبيا إلا من الشام فإن لم يبعثه منها هاجر إليها وفى آخر الزمان يستقر العلم والإيمان بالشام فيكون نور النبوة فيها أظهر منه فى سائر بلاد الإسلام”.

 

 

 

وأضاف الشيخ عمر العشماوى من علماء الأزهر الشريف، أن النبى ﷺ اتصف بصفات عدة منها الخلق وقول الله عز وجل عن رسوله (وإنك لعلى خلق عظيم)، وفى صحيح مسلم عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت أنه (صل الله عليه وسلم) كان خلقه القرآن أو كان قرآنا يمشى على الأرض، ولقد ضرب النبى مثلًا بأن الخلق الحسن يوضع فى الميزان ويكون يوم القيامة أثقل من درجة صاحب الصلاة والصيام فقال ﷺ عن أبى ذر الغفارى رضى الله عنه (ما من شىء يوضع فى الميزان أثقل من حسن الخلق وأن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصلاة والصيام)، وكان من أخلاقه أن يعفو عمن ظلمه ويعطى من حرمه ويصل من قطعه، فروى عن سفيان بن عيينة عن الشعبى أنه قال إن جبريل نزل على النبى (صل الله عليه وسلم) فقال له النبى: ما هذا يا جبريل؟ فقال لا أدرى حتى أسأل رب العالمين، فذهب فمكث ساعة ثم رجع، فقال: إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطى من حرمك وتصل من قطعك.

وأوضح الشيخ محمود غيط من علماء وزارة الأوقاف، أن النبى ﷺ نشأ من أول أمره إلى آخر لحظة من لحظاته متحليًا بكل خلق كريم مبتعدا عن كل وصف ذميم فهو أعلم الناس وأفصحهم لسانًا وأقواهم بيانًا، وأكثرهم حياءً، إذ يضرب به المثل فى الأمانة والصدق والعفاف، أدبه الله فأحسن تأديبه فكان أرجح الناس عقلًا وأكثرهم أدبا، مضيفا: «أخلاقه من أهم وسائل دعوته، فقد كانوا يلقبونه بالصادق الأمين، ومن ثم أعلنها النبى وقال (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).