مكاسب مباحثات السيسى وأفورقى وشيخ محمود
رسائل «قمة أسمرة»
أحمد إمبابى
فى خطوة تستهدف تعزيز العلاقات المصرية مع دول منطقة القرن الأفريقي، وحماية مصالحها الإستراتيجية، بمنطقة حيوية كالبحر الأحمر، شهدت العاصمة الإريترية «أسمرة» قمة ثلاثية، جمعت قادة مصر وإريتريا والصومال، الأسبوع الماضي، بهدف دعم التنسيق والتعاون الإستراتيجى بين الدول الثلاثة بشأن المسائل الإقليمية والدولية، وحماية مصالح الدول الثلاثة.
وقبل التوقف أمام نتائج القمة الثلاثية، مثّلت الزيارة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى أسمرة، فى العاشر من شهر أكتوبر الجاري، محطة فارقة، من محطات التعاون المصرى مع دول القرن الأفريقي، وتعزيز شراكتها على الصعيد الثنائى والإقليمى مع تلك الدول.
قمة أسمرة التى جمعت الرئيس السيسي، مع نظيريه الإريترى إسياس أفورقي، والصومالى حسن شيخ محمود، أسفرت عن شراكة أساسها التعاون الإستراتيجى بين الدول الثلاثة، بهدف مواجهة المخاطر والتحديات الآنية والمستقبلية، التى تهدد الأمنى القومى لكل منها، وصاغت فى سبيل هذا الهدف، مجموعة من المبادئ التى تضمن مجابهة التحديات المختلفة، وتعزيز التعاون المشترك.
أهمية القمة
اكتسبت قمة «أسمرة» الثلاثية، أهمية مضاعفة، نظرا للتوقيت المهم الذى عقدت فيه، ويمكن حصر مصفوفة أهمية تلك القمة فى خمس نقاط أساسية هى:
1- توقيت إنعقاد القمة: حيث تعقد القمة، فى توقيت تشهد فيه المنطقة توترات بأكثر من جبهة، بداية من التوتر المتصاعد بين الصومال وإثيوبيا، على خلفية توقيع الأخيرة، اتفاقا غير قانوني، مع إقليم «أرض الصومال» الإنفصالى، مطلع العام الجاري، يضمن لها حق الإنتفاع بميناء بربرة على ساحل البحر الأحمر، وهو مع عارضته الحكومة الفيدرالية بالصومال، والدول العربية وعلى رأسها مصر.
2- آلية تعاون ثلاثي: دشنت قمة أسمرة، لـ«آلية تعاون ثلاثى» جديدة، بمنطقة حيوية للدولة المصرية وهى البحر الأحمر، وهى خطوة تتكامل مع نهج اتبعته الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة، لتعزيز تعاونها الدولى والإقليمي، فى مناطق حيوية تتقاطع مع أمنها القومي، كما حدث مع (آلية التعاون الثلاثى مع قبرص واليونان) فى شرق المتوسط، و(ألية التعاون الثلاثى مع الأردن والعراق).
3- توترات البحر الأحمر: تنطلق الأهمية الثانية، من واقع التوترات الأمنية التى تشهدها منطقة جنوب البحر الأحمر، عند مضيق باب المندب، بسبب هجمات جماعة الحوثيين اليمنية، منذ نوفمبر الماضي، على السفن الإسرائيلية وحلفائها المارة، تضامنا مع قطاع غزة، وهو ما أثر على حركة التجارة الدولية عبر المجرى الملاحى لقناة السويس المصرية، حيث وصلت خسائره لنحو 62%، وهى فاتورة عالية تدفعها الدولة المصرية بسبب تلك التوترات، دون أن يكون لها يد فيها.
4- أزمات المنطقة: من الأبعاد المهمة التى ناقشتها القمة الثلاثية، هو التنسيق المشترك، فيما يتعلق بالأزمات التى تشهدها المنطقة، بداية من الوضع فى السودان، وضرورة دفع الحلول السياسية للحفاظ على وحدة وسيادة السودان، وهى المبادئ نفسها، فيما يتعلق بالوضع فى الصومال، حيث توافقت الدول الثلاثة على دعم وحدة وسيادة الصومال، فى مواجهة التحديات التى تواجهها.
5- حماية المصالح المصرية: ومن الأبعاد المهمة، التى سعت القمة الثلاثية لتحقيقها، هو دعم مصالح الدول الثلاثة (مصر وإريتريا والصومال)، وبالتالى كان من بينها مصالح الأمن القومى المصري، فى منطقة البحر الأحمر، والتى تتعلق بشكل أساسي، بتأمين حركة الملاحة فى قناة السويس، وهو ما يفرض تعزيز الشراكة الإستراتيجية لمصر مع تلك الدول.
مبادئ ورسائل
أبعاد استراتجية، ذات دلالات ورسائل مهمة، تضمنها البيان المشترك، الصادر عن قمة أسمرة الثلاثية، والذى تضمن، مجموعة من الرسائل والمبادئ الهامة، وهى:
1- الالتزام بمبادئ القانون الدولي: أولى النقاط التى أكدت عليها القمة الثلاثية، هو ضرورة «الالتزام بالمبادئ والركائز الأساسية للقانون الدولى باعتبارها الأساس الذى لا غنى عنه للاستقرار والتعاون الإقليميين»، وأكدت القمة على أن «الاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضى بلدان المنطقة، والتصدى للتدخلات فى الشؤون الداخلية لهذه الدول تحت أى ذريعة أو مبرر».
2- دعم الصومال ومؤسساته: الرسالة الثانية، التى أكدت عليها القمة، كانت “تطوير وتعميق التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث من أجل تعزيز إمكانيات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية”، ومنها “تمكين الجيش الفيدرالى الصومالى الوطنى من التصدى للإرهاب بكافة صوره، وحماية حدوده البرية والبحرية، وصيانة وحدة أراضيه”.
3- الأزمة فى السودان: ناقشت القمة الثلاثية، بشكل معمق، الأزمة فى السودان، وتداعياتها الإقليمية، وتوافقت أراء القادة الثلاثة، بشأن تلك الأزمة وتأثيراتها على المنطقة، وضرورة أن يكون هناك حلول سياسية، لوقف دائم لإطلاق النار فى أقرب وقت ممكن، لحماية وحدة وإستقرار السودان، ودعم جهود الإغاثة للمتضررين من تلك الحرب، مع العمل على توفق سياسى داخلى بين الأطراف السودانية كافة.
4- تأمين حركة الملاحة بالبحر الأحمر: وهذه من النقاط الأساسية، التى ناقشتها القمة بعمق، وتوافقت بشأنها أراء ومواقف القادة الثلاثة، للتنسيق فى قضايا الأمن والتعاون بين الدول الساحلية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، من منطلق أهميته القصوى كممر بحرى حيوي.
5- لجنة التعاون الإستراتيجي: وضعت القمة، ألية دائمة، للتعاون الإستراتيجى المشترك، حيث تم التأكيد على آليات التنسيق الدبلوماسى والجهود المشتركة بين الدول الثلاث، حيث تم الاتفاق على إنشاء لجنة ثلاثية مشتركة من وزراء خارجية إريتريا ومصر والصومال للتعاون الاستراتيجى فى كافة المجالات.
الرسالة المصرية الأهم، أكد عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى كلمته بالمؤتمر الصحفى المشترك بعد القمة، حينما أكد على أن «مصر لن تدخر جهدا ولن تبخل بالمشورة، فى خدمة ومصالح وتطلعات دول وشعبوية منطقة القرن الأفريقى»، وأشار إلى أن «قمة أسمرة تعكس تنامى أهمية تطوير وتعزيز العلاقات بين الدول الثلاثة، فى مواجهة تحديات مشتركة، والإستفادة من القدرات المتوفرة لدى كل دولة، لصالح شعوب الدول الثلاثة».
قمة فى صالح الجميع
واعتبر السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الأفريقية، إن قمة أسمرة الثلاثية، نتائجها تأتى فى صالح الجميع، وتستهدف تعزيز التعاون والشراكة بين الدول الثلاثية فى منطقتى البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وربط حليمة، فى تصريحات خاصة، بين أهمية ونتائج تلك القمة، وبين التحركات الإثيوبية غير القانونية فى الصومال، وقال إن «التحرك الإثيوبى غير القانونى للتواجد بأرض الصومال، يستدعى مزيدا من التنسيق مع إريتريا والصومال، لحماية السيادة الصومالية»، وأشار إلى أن القمة استهدفت مواجهة مخاطر وتحديات أنية ومستقبلية لكل دولة، وتوقع زيادة حجم الإستثمارات المشتركة والتبادل التجارى بعد هذه القمة.
وأكد حليمة، أن التعاون الثلاثى بين الدول الثلاثة، قائمة على أسس صلبة، حيث تتشارك مصر والصومال وإريتريا، فى العديد من المنظمات الإقليمية والدولية، بداية من الاتحاد الأفريقي، ومجلس الدول العربية والافريقية المتشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن، والجامعة العربية التى تجمع مصر والصومال.
وأشاد السفير الصومالى بالقاهرة، على عبدى أواري، بمخرجات قمة أسمرة الثلاثية، وقال فى بيان مشترك، إلى أنها «تمثل خارطة طريق لتعزيز وتعميق العلاقات التاريخية بين الدول الثلاثة، ودعم قدرات الدولة الصومالية فى مواجهة التحديات الراهنة»، وقال إن «القمة الثلاثية حملت رسائل هامة بشأن دعم السلام الاستقرار فى المنطقة».