السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قوة الوعى.. وجناحا الأمن القومى العربى

قوة الوعى.. وجناحا الأمن القومى العربى

خلف الرئيس عبدالفتاح السيسى، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وقف ضباط شباب، أثناء إلقاء كلمته، فى ختام الندوة التثقيفية 40 للقوات المسلحة المصرية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 51 لانتصار أكتوبر المجيد.



6  ضباط عددهم، وهو تاريخ الانتصار 6 أكتوبر، بينما تراوحت رتبهم ما بين الملازم والملازم أول، بما يعنى أنهم يمثلون أحدث جيل من الدماء الجديدة التى تضخ سنويًا من الأكاديمية العسكرية فى شرايين القوات المسلحة المصرية.

بينما كانت القاعة تجمع بين قيادات القوات المسلحة الفريق عبدالمجيد صقر وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة، وقيادات الأفرع، وضباط شباب متباينى الرتب، وأبطال قاتلوا فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، وممثلين لفئات المجتمع المصرى كافة، المقاتلون فى ساحات العمل والإنتاج وجبهات بناء الوعى والتنوير.

على مسرح التكريم، كان الرئيس عبدالفتاح السيسى، يتقدم لاستقبال المكرمين من الأبطال أعلى درجات صعودهم، ويودعهم فى عودتهم، يحمل دروع تكريمهم، رسائل بليغة الامتداد جيلًا بعد جيل، يقدم لمصر العطاء ويبذل الدماء، حفاظًا على ترابها الوطنى وأمنها وتنامى قدراتها الشاملة.

«لا يزال نصر أكتوبر بعد 51 عامًا يفيض بالعبر والدروس والتجارب التى نستلهم منها رؤيتنا لحاضرنا ومستقبلنا»، عبارة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته بالندوة التثقيفية 40 التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصار السادس من أكتوبر.

تفيض الدروس، بأن ثلاثة أضلاع ذهبية رسمت مثلث انتصار أكتوبر: «التخطيط العلمى - التنفيذ الدقيق - التكاتف أمام التحديات»، السبيل المضمون لتحقيق الأهداف.. فلا نجاح دون تخطيط علمى محكم يراعى القدرات والتحديات ومختلف الاحتمالات، يليه بناء القدرات للتنفيذ الدقيق للخطط، ولا يتحقق ذلك دون تلاحم مجتمعى وإرادة قوية.

 «وحدة الشعب»، هى مفتاح انتصار المصريين على كل التحديات على مدار تاريخنا الضارب بجذوره فى عمق الوجود الإنسانى على كوكب الأرض.. توحد على قرار استعادة الأرض ورفض الاستسلام عقب نكسة 67، وبالتخطيط العلمى وبناء القدرة والعمل المضنى والتضحيات، وتلاحم الشعب والجيش والمؤسسات والقيادة الحكيمة حققنا انتصار أكتوبر الخالد.

بوحدة الشعب، تكرر الانتصار فى مواجهة تهديدات هدم الدولة2011، 2013 وانتصرت إرادة المصريين، بالحفاظ على بنيان الدولة، وحماية هويتها، ودحر أخطر موجة إرهابية فى العصر الحديث، فلا يقل الانتصار فى تلك الحرب عن الانتصار فى السادس من أكتوبر1973، فكلاهما استهدف الاستيلاء على سيناء، وزاد الإرهاب على ذلك بتهديد قوى الدولة الشاملة.

قوة الوعى 

إذًا، تعزيز وحدة الشعب الواعى الصامد المؤمن بالله والوطن، الممتلك لإرادة قوية، أهم أهداف الدولة الاستراتيجية، لمواجهة التحديات والتهديدات، ولا يتحقق ذلك إلا بتعظيم قوة الوعى.

فى المصانع والمزارع والمستشفيات والمنازل، كانت وحدة الإرادة والتحدى فى سنوات حرب الاستنزاف والاستعداد للحرب ما بين 67 و73  الأبطال على جبهة القتال، وخلفهم جيش شعبى فى ساحة العمل والإنتاج، وفى المنازل أمهات قدمن فلذات أكبادهن دفاعًا عن الوطن، وزوجات يحملن مسئولية الأبناء، وأشقاء وشقيقات وأبناء تحملوا لوعة الفراق.

وكلما جاء شهيد استُقبل بالزغاريد، ففى سبيل الوطن تبذل الدماء، ولا ضير، فالذين ارتقوا أحياء عند ربهم يرزقون إلى أن يجتمع الشمل فى جنات النعيم بإذن الله.

هذه المشاهد التى لم يعايشها شباب اليوم فى 1973 وما قبلها، عايشناها فى السنوات العشر الأخيرة، شاهدنا أبطالا يقدمون أرواحهم فداء للوطن، فى معركة القضاء على الإرهاب، وأمهات يستقبلن من ارتقى منهم بالزغاريد المختلطة بدموع الفراق، شاهدنا زوجات وأبناء فقدوا أغلى ما يملكون «رب الأسرة».

لكنها الرسالة دائمًا والتى أكدها الرئيس عبدالفتاح السيسى باسم مصر وشعبها: «شعب مصر أصيل لا ينسى من ضحى من أجله، ستظل مصر بارة بأسر الشهداء وذويهم، كما كان أبناؤهم بارين بها».

فى الندوة التثقيفية رسائل بالغة الأهمية بعث بها الرئيس عبدالفتاح السيسى القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية: 

١- بلدنا بخير رغم التحديات وما يواجه المنطقة من تهديدات الحرب الشاملة.

٢- قدرات الجيش المصرى، لحماية حدودنا وأمننا القومى، وليست لفعل شيء ضد أحد.

٣- الحفاظ على القوة الشاملة للدولة بكل معانيها: عسكرية- اقتصادية- ثقافية- قوة الوعى.. والوعى هنا مسئولية كل مؤسسات الدولة تعليمية وإعلامية ودينية ونخبة ثقافية.

٤- تنوعت تكريمات الأبطال ما بين قيادات وجنود وأفراد، ومعهم عميد المحررين العسكريين الكاتب الصحفى القدير عبده مُباشر، فى إشارة إلى أن الانتصار إنجاز كل قادة وأفراد وجنود وأسلحة الجيش المتنوعة، ومعهم الإعلام المقاتل على ثغور الوعى.

ففى حين كان «مُباشر» على الجبهة مع أبطال الجيش، كانت الإعلامية سناء منصور فى إذاعة مونت كارلو الدولية تنقل حقائق النصر، التى أوجعت الاحتلال فقدمت حكومته احتجاجا رسميا لدى فرنسا، وقابلت منصور وثلاثة إعلاميين عرب محاولات الضغط باستقالة جماعية دفعت إدارة الإذاعة للتفاوض معهم للعدول عن قرارهم.

٥- العمل الفنى المسرحى رحلة مدرسية لأبنائنا امتداد شعب مصر، وما أحدثته المعلومات المستقاة من مواقع الإنترنت من تشويش وتزييف للحقائق حول انتصار أكتوبر المجيد، وأهمية تدريس التاريخ للأجيال الجديدة واستلهام العبر.

٦- الحرب مستمرة على جبهات متنوعة أخطرها جبهة الوعى، فقوة الدولة الحديثة تنبع من مجموع القوى الشاملة وأخطرها قوة الوعى، والوعى ينشأ من المعرفة العميقة بالتحديات والحقائق ما يحقق قناعات راسخة عصية على قذائف الشائعات والأكاذيب التى تستهدف الرأى العام لتفتيت الدول من الداخل ببث روح اليأس والإحباط.

٧- السلام خيار مصر الاستراتيجى، والحفاظ على السلام، يفرض على مصر، الاستمرار فى بناء القدرة الشاملة للوطن، كونها السبيل الوحيد لصون وحماية السلام، وردع أى محاولة للتفكير فى الاعتداء عليه.. رسالة واضحة من الرئيس السيسى.

والقدرة الشاملة تعنى مواصلة تعزيز قدرات الجيش، والاقتصاد، وامتلاك المعرفة والعلم، والقوة الناعمة المصرية ثقافية وإعلامية وتعليمية، وتعزيز حصون الوعى بحجم التحديات والتهديدات وما يستوجبه من تقوية تلاحم الشعب، وقيادته ومؤسساته.

٨- مساعى مصر الدائمة للحفاظ على السلم والأمن الإقليمى، ولن يتحقق ذلك إلا بسلام عادل، يمنح الشعب الفلسطينى حقه فى دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق الشرعية الدولية، وتخلى الاحتلال عن أوهام التوسع وسياسات العداء لضمان التعايش السلمى بين شعوب المنطقة وتجنيب الأجيال القادمة ويلات الصراع.

درس القائد الشهيد السادات وقوة الوعى 

«هزم الرئيس محمد أنور السادات خصومه فى غيابه، وتثبت السنوات عمق رؤيته وأنه كان سابق عصره، يملك رؤية ثاقبة للمُستقبل»، عبارة أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى على مضامينها فى أكثر من مناسبة فى أكتوبر الجارى.

فالرئيس محمد أنور السادات عبقرى مصرى، من تلك القيادات التى سخرها الله لتنفيذ مراده لحماية وحفظ مصر، التى اختصها بالتجلى على أرضها دون غيرها من بقاع الأرض، وقال فى كتابه الحكيم: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»..

يقول التاريخ إن الرئيس السادات، تحمل القيادة فى أخطر تحديات مصر، وطن خرج من قاع الهزيمة، يجاهد لاستعادة الأرض والكرامة، فى مواجهة احتلال تأسس جيشه بقدرات ودعم قوى استعمارية تضمن له التفوق على جيوش العرب مجتمعة.

- زعيم تولى حكم البلاد فى 16 أكتوبر 1970، فترأس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد ثلاثة أيام فقط 19 أكتوبر 1970، للاستماع لتقديرات الموقف وجاهزية القوات، فأصدر أول توجيه عسكرى سياسى، بوضع خطة لاقتحام خط بارليف المنيع، وتحرير شرق القناة ولو أمتار معدودات لتتولى السياسة عملها لاستكمال التحرير.

- هذا القائد السياسى والعسكرى العبقرى، جاء للحكم مدركًا لأهدافه وقدراته وقدرات العدو ومَن خلف العدو.. فحدد هدف صفعة عسكرية للعدو تجبره على التفاوض ليستطيع هو بدهائه السياسى استكمال تحقيق أهداف تحرير كامل التراب الوطني. 

- يقول التاريخ إن السادات الذى كان يعمل فى صمت للإعداد للعبور العظيم، تعرض لأسوأ موجة إساءات لحاكم مصرى، من سخرية ونكات وإساءات لشخصه وعائلته، لكنه كان مؤمنا بأنه يعمل من أجل الوطن وتنفيذ خداع استراتيجى يسهم فى إنجاح معركة تحرير الأرض.

- انتصر السادات عسكريًا، وواصل تحقيق أهدافه سياسيًا بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام، وحقق بها استعادة كامل الأرض.

- انتقل العدوان على السادات وسياساته من مغيبى الوعى بالداخل إلى مقاطعة عربية باستثناء سلطنة عمان، لم يدرك القادة العرب حينها قدرات السادات السابقة لعصرها.

- دفع السادات روحه فداء لسياساته التى استعادت الأرض بانتصارات عسكرية وسياسية واستشهد بنيران التطرف الغادر.

- بعد عقود أدرك العرب الذين يبرمون اتفاقيات السلام الآن عمق رؤية السادات، وأدركت الشعوب التى سارت خلف أصحاب الشعارات الجوفاء، أن تلك الجماعات التى اغتالت السادات استهدفت اغتيال الوطن ذاته والاستيلاء على الحكم.

- أدرك العالم أن السادات عبقرى حقق بالحرب والسلام ما لم يحققه غيره.

- من فهمنا للتاريخ أعتقد أن ليس كل ما يعرفه ويخطط له القائد العبقرى يقال، لذا تسير مصر على نهج السادات الذى استخدم الحرب استثناء ووسيلة لفرض السلام.

- تعزز مصر قدراتها العسكرية لحماية السلام والحفاظ عليه، وتعزز قدراتها الشاملة وعلينا تعزيز حصون الوعى.  

- دروس التاريخ وتحديات الحاضر تتطلب وعيا بمتغيرات وحقائق، الحرب اليوم آلياتها وأسلحتها متنوعة ومختلفة، إعلامية واقتصادية وسياسية وعسكرية.

- الحرب العسكرية لم تعد خاطفة تنجز أهدافها خلال أيام أو أسابيع، بل الحرب الروسية الأوروبية عبر أوكرانيا، تخطت العامين وممتدة، والعدوان على غزة تخطى العام، ومعنى ذلك أنها حرب طويلة تتطلب إمدادا بالذخائر وإحلال الأسلحة المدمرة، وإمداد القوات بالوقود والغذاء والذخيرة وتعويض خسائر الاقتصاد. 

- فى أكتوبر ١٩٧٣ أنشأت أمريكا جسرا جويا لإمداد العدو الصهيونى بالذخائر والسلاح بينما مصر كانت تقاتل بدعم عربى روسى محدود قياسًا بحداثة السلاح الأمريكى، وانتصرت بالإرادة.

- أمريكا والغرب دعموا إسرائيل خلال العام المنقضى بأكثر من 140 مليار دولار، منها 50 ألف طن ذخائر بحسب إحصائيات المراكز المتخصصة.

-  تكلفة الحرب باهظة، وخوضها استثناء، لضرورة ردع ودفاع وحفظ السلام، لعل كل التحليل السابق يساعدنا على فهم ما ذهب إليه الرئيس بالقول: «إن الرئيس السادات انتصر على خصومه»، ولعل معركتنا اليوم وغدًا ستظل تعظيم قوة الوعى فى مواجهة حملات التضليل واللاوعى حتى لا نكرر أخطاء الماضى.

مصر والسعودية جناحا الأمن القومى العربى.. 

التكامل ضرورة حتمية 

شهد محيط العلاقات الدولية أمواجًا سياسية عاتية، بلغت ذروتها بـ«تسونامى» «الحرب الروسية الأمريكية- الأوروبية على الأراضى الأوكرانية»، وما أعقبها من حرب الإبادة الجماعية فى قطاع غزة، وما يشهده الصراع من مخاطر الحرب الشاملة.

فى تلك الحروب التى لم تضع أوزارها بعد، استُخدم خليط من الأسلحة، من قنابل وصواريخ ذكية، إلى شحنات القمح والوقود وتجاذبات التحالفات، وتواصل إمدادات الدعم الاقتصادى والعسكرى للحلفاء، ومحاولات حصار الخصوم لإنهاك القدرات والحيلولة دون تعظيم القدرات الشاملة.

وتؤكد دروس انتصار العرب فى أكتوبر ١٩٧٣، أن قوتنا فى وحدتنا والتعاون البناء فى مواجهة تحديات وتهديدات الأمن القومى العربى.. ومصر والمملكة العربية السعودية جناحاه.. بما لهما  من حضارة وتاريخ ومكان ومكانة وقدرات تتعزز بالتكامل.

ومن هنا تأتى أهمية تدشين مجلس التنسيق الأعلى المصرى السعودى، برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى والأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى رئيس مجلس الوزراء، الذى استقبله الرئيس السيسى الثلاثاء وشهدا توقيعه.

تزداد أهمية تعزيز التعاون، تعويضًا لما فقدته القدرة الشاملة العربية، نتيجة ما شهده عدد من بلدان الخريف العربى، لم تتعاف منه سوريا والسودان وليبيا واليمن حتى الآن.

ومن ثم تتحمل الدول التى حفظها الله مسئولية الحفاظ على السلم والأمن، بتعزيز قدراتها الشاملة، وفى القلب منها التعاون الاقتصادى، ودعم استعادة الدول العربية التى أصابتها شروخ لقدرات مؤسساتها الوطنية، مع مواصلة دعم الشعب الفلسطينى للثبات على أرضه وحقه فى دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

حفظ الله مصر والسعودية والوطن العربى.