«صقور الجمهوريين» تقود السياسة الأمريكية
وسام النحراوى
من الشرق الأوسط إلى الصين مرورًا بأوكرانيا ودول حلف الناتو ودول الحدود الأمريكية المشتركة، بعثت اختيارات الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب برسائل «زلزالية»، حيث ضمت الحكومة الجديدة العديد من الشخصيات المثيرة للجدل، فى خطوة تشير إلى تحولات عميقة محتملة فى السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، إذ تميزت التعيينات باختيار شخصيات معروفة بمواقفها المتشددة وولائها الشخصى لـ«ترامب».
وتظهر هذه التعيينات توجه واضح نحو سياسات أكثر تشدد فى الداخل والخارج، مع تركيز خاص على قضايا الهجرة والعلاقات مع الصين وإيران، والدعم غير المشروط لإسرائيل، مما قد يشكل تحولًا دراماتيكيًا فى السياسة الأمريكية مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض فى يناير 2025.
كانت اختيارات «ترامب» قبل ثمانى سنوات، تعتمد على سجلاتهم الطويلة فى الخدمة الحكومية، أما هذه المرة فالاختيار كان على أساس أن مؤهلهم الأساسى هو ولاؤهم له.
وفى مقدمة التعيينات المثيرة للجدل، يبرز ترشيح السيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية، المعروف بانتمائه لتيار «الصقور» ومواقفه المتشددة تجاه إيران والصين، ودعمه غير المشروط لإسرائيل، كما عين «ترامب» مايك هاكابي، القس المسيحى المؤيد بقوة لإسرائيل، سفيرًا لدى تل أبيب.
وفى مفاجأة غير متوقعة، اختار «ترامب» بيت هيجسيث، الجندى السابق والمعلق فى فوكس نيوز، لمنصب وزير الدفاع، مما أثار صدمة فى الأوساط السياسية وتوقعات بمواجهة صعوبات فى الحصول على موافقة مجلس الشيوخ.
وفى خطوة لافتة، تم تعيين رجلى الأعمال إيلون ماسك وفيفيك راماسوامى لقيادة وزارة مستحدثة للكفاءة الحكومية، مهمتها تفكيك البيروقراطية وخفض النفقات، مما أثار مخاوف حول تضارب المصالح.
ويبدو أن «ترامب» يركز على اختيار المقربين منه أيديولوجيًا وشخصيًا، حيث عين جون راتكليف، المعروف بآرائه اليمينية المتطرفة، مديرًا لوكالة المخابرات المركزية، وقطب العقارات ستيف ويتكوف مبعوث خاص للشرق الأوسط.
وفى إشارة إلى توجهات إدارته المقبلة، اختار «ترامب» ستيفن ميلر، المعروف بتشدده فى قضايا الهجرة، لمنصب نائب رئيس هيئة موظفى البيت الأبيض، كما يتطلع لتعيين مايك والتز، العضو السابق فى القوات الخاصة الأمريكية والمعروف بمواقفه المتشددة تجاه الصين وروسيا، مستشارًا للأمن القومى.
واعتمد الرئيس المنتخب، بشكل كبير على أعضاء الكونجرس الحاليين والسابقين فى اختياراته، فاختار عضوة الكونجرس عن نيويورك إليز ستيفانيك لتكون سفيرة لدى الأمم المتحدة، وعضوة الكونجرس الديمقراطية السابقة عن هاواى تولسى جابارد لتكون مديرة للمخابرات الوطنية، وعضو الكونجرس السابق عن تكساس ومدير المخابرات الوطنية جون راتكليف ليكون مدير لوكالة المخابرات المركزية، كما اختار حاكمة داكوتا الجنوبية كريستى نويم وزيرة للأمن الداخلى.
وتظهر تعيينات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لأعضاء فريق إدارته بعضًا من رؤيته فيما يتعلق بالشرق الأوسط، والتى ترتكز على مزيد من الدعم لإسرائيل وربما الميل الواضح نحو توسعها على حساب أراضٍ فلسطينية، فضلًا عن ممارسة مزيد من الضغط والتحجيم ضد إيران.
ودفعت ترشيحات «ترامب» بشأن ملف الشرق الأوسط إلى اعتقاد خبراء فى أن سياسته بدأت تتشكل، وتبعث إشارة صريحة على ميله الواضح لإسرائيل، ومن المرجح أن تفرض عقوبات أشد صرامة على إيران، لكن «ترامب» يريد تجنب التصعيد «الإسرائيلى _ الإيرانى» الذى قد يجر الولايات المتحدة إلى حرب كبرى فى الشرق الأوسط، وستستهدف العقوبات الأشد صرامة حلفاء إيران أيضًا، حيث لا يهدف الصقور الأمريكيون إلى عزل إيران فحسب، بل لتدمير برنامجها النووى.
ورغم المؤشرات والتفضيلات والسياسات الواضحة لـ«ترامب»، يتفق الخبراء على أنه من الصعب محاولة التنبؤ بالقرارات التى سيتخذها عندما يعود إلى البيت الأبيض.
وفى سياق متصل، فإن الأغلبية الجمهورية القادمة فى مجلس الشيوخ ستشعر بالالتزام بالموافقة على اختيارات «ترامب»، إلا أن التاريخ والسياسة لهما رأى آخر، فقد رفض مجلس الشيوخ آخر مرشح لمجلس الوزراء، ثم منع السيناتور الجمهورى جون تاور من أن يصبح وزيرًا للدفاع.
وكان الديمقراطيون يسيطرون على مجلس الشيوخ فى ذلك الوقت، وكان «تاور» هو مرشح الرئيس الجمهورى جورج بوش الأب، لذا فإن الولاء الحزبى لم يكن فى الحسبان.
هذه المرة، سوف يشعر أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون، بالقلق بشكل أكبر بشأن ترشيحات «ترامب» الأكثر إثارة للجدل لعضو الكونجرس السابق عن ولاية فلوريدا مات جيتز لمنصب المدعى العام وروبرت كينيدى الابن لمنصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية.
وقد يتعثر ترشيح «جيتز» بسبب أسئلة مقلقة للغاية حول سوء السلوك الجنسى وتعاطى المخدرات غير المشروعة، علاوة على تعثر ترشيح «كينيدى» للإشراف على النظام الصحى فى الولايات المتحدة بسبب افتقاره إلى المؤهلات وآرائه المشوهة فى مجال الصحة العامة.
رفض أى من ترشيحات «جيتز» و«كينيدى» أو كليهما من شأنه أن يجعل أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أقل ميلًا إلى إفشال أى مرشح آخر، فهم يدركون أن القيام بذلك من شأنه أن يلحق الضرر برئاسة «ترامب» فى بدايتها، فضلًا عن إشعال فتيل قاعدة «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».
لذا فمن المرجح أن يحصل «ترامب» على فريق الأمن القومى الذى اختاره، لكن رفع الولاء الشخصى فوق الخبرة أمر بالغ الأهمية.
فى السياق نفسه، يدرس ترامب، استخدام آلية «التعيينات أثناء العطلة»، التى تمنحه صلاحية تجاوز موافقة مجلس الشيوخ، لتعيين شخصيات موالية له فى مناصب حكومية رئيسية، حتى فى بعض المناصب الأكثر نفوذا فى الحكومة الأمريكية.
وفى خطوة لتعزيز هذه الصلاحية، دعا ترامب خلال عطلة نهاية الأسبوع قادة الجمهوريين فى مجلس الشيوخ، الذين سيحتفظون بالأغلبية العام المقبل، إلى دعم هذه الآلية.
ويشكل هذا الأمر تحولًا كبيرًا فى ميزان القوى بعيدًا عن مجلس الشيوخ، خاصة أن «ترامب» يعود إلى واشنطن مدعومًا بتأييد شبه كامل من حزبه، بما فى ذلك الجمهوريون التقليديون الذين لا يزالون يتمتعون بنفوذ داخل المجلس، لكن التزام هؤلاء يتم اختباره الآن بعد أن اختار الرئيس المنتخب شخصيات خارج التيار السائد للحزب الجمهورى، مثل النائبين السابقين مات جايتس من فلوريدا، وتولسى جابارد من هاواى، لتولى مناصب عليا.
ويتمتع مجلس الشيوخ، وفقًا لدستور الولايات المتحدة، بدور مهم فى تأكيد أو رفض المسئولين رفيعى المستوى مثل وزراء الحكومة والقضاة والسفراء، وهذا جزء من نظام الضوابط والتوازنات الذى يضمن ألا يتمكن الرئيس من حكم البلاد بشكل أحادى، ومع ذلك، هناك فقرة فى الدستور تسمح للرؤساء بملء المناصب فى إداراتهم عندما يكون مجلس الشيوخ فى عطلة.
خلال تاريخ الولايات المتحدة، كان الكونجرس يأخذ فترات استراحة طويلة من واشنطن، وكان بإمكان الرؤساء استخدام التعيينات أثناء العطلة لتجنب بقاء وظائف مهمة شاغرة، لكن فى السنوات الأخيرة، أصبح استخدام التعيينات أثناء العطلة جزءًا من الخلافات الحزبية بين الرئيس والكونجرس.
وقام الرئيس بيل كلينتون بإجراء 139 تعيينًا أثناء العطلة، بينما قام الرئيس جورج بوش بإجراء 171 تعيينًا، رغم أن أيا منهما لم يستخدم هذه العملية لتعيينات فى مناصب وزارية رفيعة، بينما مارس الرئيس باراك أوباما هذه الصلاحية 32 مرة، إلا أن حكمًا من المحكمة العليا عام 2014 قيّد سلطة الرئيس فى إجراء التعيينات أثناء العطلة، إذ قضت المحكمة بالإجماع بأن الرئيس بإمكانه إجراء تعيينات أحادية الجانب فى حال كان مجلس الشيوخ فى عطلة لمدة 10 أيام على الأقل.
وأدى هذا القرار إلى بروز ظاهرة فى مجلس الشيوخ، حتى خلال فترات استراحة طويلة من واشنطن، وهى عقد جلسات شكلية، حيث يفتح أحد الأعضاء الجلسة ويغلقها دون إجراء أى أعمال تشريعية، كما يتمتع مجلس النواب ببعض السلطة فيما يتعلق بالتعيينات أثناء العطلة من خلال رفض السماح لمجلس الشيوخ بالتأجيل الكامل.