الجمعة 17 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحلام التوسع الإسرائيلية هل بدأت الدخول لحيز التنفيذ؟

ساعات قليلة فصلت بين إعلان الفصائل السورية المسلحة سيطرتها على العاصمة دمشق، وإعلان إسرائيل احتلال المنطقة العازلة والتوغل فى الأراضى السورية.



وكعادتها، انتهزت إسرائيل فرصة الاضطربات التى تشهدها الساحة السورية لفرض واقع جديد بمنطق القوة والغدر، إذ استغلت الضعف الذى ضرب بالجيش السورى خلال السنوات الماضية لتوجيه ضربات أسفرت عن تدمير غالبية القوات المسلحة السورية، خاصة الطائرات والأسطول البحرى وقواعد الرادار ومخازن الأسلحة الاستراتيجية لا سيما الصواريخ.

وفى خطوة لا تخلف فى مفاجأتها عن سرعة تقدم الفصائل السورية حتى سيطرت على العاصمة، أعلن رئيس حكومة الاحتلال، بينامين نتنياهو، وقف العمل باتفاق فض الاشتباك 1974 بشكل أحادي، بزعم أنه مع انسحاب الجيش السورى من المنطقة العازلة تم وقف العمل بالاتفاق، بشكل لا يتماهى مع القوانين الدولية.

المنطقة العازلة وجبل الشيخ

وأعلن الجيش الإسرائيلى نشر قواته فى المنطقة العازلة الفاصلة بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة، سبق هذا تأكيد مصادر عسكرية السيطرة على جبل الشيخ فى سوريا بعد انسحاب الجيش السورى من مواقعه.

وتعد هضبة الجولان من المناطق الحيوية فى الشام، وتصر إسرائيل على السيطرة عليها باحتلالها، وخرج نتنياهو ليعلن أنها «ستظل جزءا من أرض إسرائيل إلى الأبد».

ومثلت تلك المنطقة إشكالية على مدار عقود طويلة، فبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وفى عام 1923 كانت سلطات الانتداب الفرنسى والبريطانى تسيطر على الشام ومصر، تم ترسيم الحدود بين الانتداب الفرنسى على سوريا ولبنان، والانتداب البريطانى على فلسطين، وتم الاتفاق وقتها على أن تكون هضبة الجولان بأكملها ضمن مناطق الانتداب الفرنسي، وأن تكون بحيرة طبريا بأكملها ضمن الانتداب البريطاني.

وفى عام1946،انتهى الانتداب الفرنسى وأصبحت هضبة الجولان جزءاً من الجمهورية السورية، ومع قيام إسرائيل عام 1948 اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية، وبعدها بعام 1949 تم التوصل لهدنة بين سوريا وإسرائيل نصّت على حدود لوقف إطلاق النار بينهما، وإقامة مناطق منزوعة السلاح قرب بحيرة طبريا وسهل الحولة.

إلا أنه فى عام 1967، أقدمت إسرائيل على احتلال غالبية هضبة الجولان، بما فى ذلك مدينة القنيطرة، إلى جانب سفوح جبل الشيخ، المعروف فى إسرائيل باسم جبل حرمون، شمال الجولان.

فى أعقاب هذا تم التوصل لاتفاق هدنة بين البلدين يتضمن خطاً لوقف إطلاق النار، ما يُعرف بـ”الخطّ البنفسجى”.

وفى حرب أكتوبر 1973، هاجمت القوات السورية هضبة الجولان، واستطاعت التقدم فى بعض المناطق، خاصة الأجزاء الجنوبية منها، إلا أن إسرائيل شنت هجوما مضادا واستعادت خلاله السيطرة على الهضبة، وتوغل الاحتلال شرق الخط البنفسجي، واحتلت مناطق إضافية فى العمق السورى لم تكن تحتلها قبل العام 1973، بما فى ذلك مناطق على طول الطريق بين هضبة الجولان والعاصمة دمشق، وقمة جبل الشيخ.

وفى عام 1974 تم التوصل لما يعرف باسم “اتفاقية فض الاشتباك”، والتى بموجبها انسحبت إسرائيل من كافة المناطق التى احتلتها فى حرب 1973،إضافة إلى مناطق محدودة احتلتها فى عام 1967 تشمل مدينة القنيطرة، واتفق الطرفان على إنشاء منطقة عازلة بين الجزء الذى تحتله إسرائيل من هضبة الجولان وبين سوريا، وتكون هذه المنطقة داخل الأراضى السورية شرق الخط البنفسجي، وعلى طول امتداد الخط من جبل الشيخ شمالا وصولا إلى الحدود بين سوريا والأردن جنوبا.

وبموجب الاتفاق، تولت سوريا الإدارة المدنية داخل منطقة الفصل، مع بقاء الجيش السورى خارج حدودها، كما شملت الاتفاقية منطقة تمتد بالتساوى على جانبى الحدود، يكون حجم الوجود العسكرى فيها محدوداً للطرفين وفق تفاهمات معينة.

وتمتد منطقة الفصل على طول 75 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب، وبعرض يتراوح بين 200 متر و10كيلومترات، وتتمركز داخلها قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، المعروفة باسم “أندوف”، وتتولى مسئولية مراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين.

وعلى مدار 50 عاما، ظلت اتفاقية فض الاشتباك قائمة رغم وقوع انتهاكات خلال الحرب الأهلية السورية، تمثلت فى زيادة الأنشطة العسكرية فى منطقة الفصل.

جبل الشيخ

ومع احتلال إسرائيل المنطقة العازلة فى سوريا، من جديد، حرصت على السيطرة على جبل الشيخ، لما له من أهمية كبيرة بالنسبة لها.

وفى بيان له، زعم  جيش الاحتلال أن سيطرته على المنطقة العازلة فى الجولان ومنطقة جبل الشيخ “ضرورية لضمان أمن سكان إسرائيل”.

ورغم المزاعم التى صدرت من إسرائيل، من عدة مستويات وعلى رأسها وزير الخارجية جدعون ساعر، بأن الهدف ليس التوغل فى الأراضى السورية والبقاء فيها بشكل دائم، بل استغلال الوضع لتعزيز أمن إسرائيل وحماية هضبة الجولان المحتل، إلا أن الواقع يبدو بعيدا عن هذا الادعاء.

ويمنح جبل الشيخ، السيطرة عليه عسكريا، عمقا استرايتجيا عسكريا لإسرائيل فى منطقة جنوب سوريا ولبنان أيضا، خاصة أن الجبل يطل على العاصمة دمشق وأجزاء من الأراضى اللبنانية.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلى قد أكد قائلا: “لن نسمح لأى قوة معادية بأن تتمركز على حدودنا”، ما يشكك فى صحة البيانات الإسرائيلية بأن احتلال المنطقة العازلة وجبل الشيخ خطوة مؤقتة.

خاصة أن تقارير إعلامية عبرية أكدت أن الجيش الإسرائيلى يدرس استمرار التوغل فى الأراضى السورية لتوسيع المنطقة العازلة فى الجولان.