الثلاثاء 28 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مصر ووقف إطلاق النار فى غزة

مصر ووقف إطلاق النار فى غزة

بات التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة على مرمى حجر، بعد معاناة إنسانية، خلفتها جرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبها الاحتلال الإسرائيلى بحق الشعب الفلسطينى فى القطاع.



فمنذ اندلاع الشرارة الأولى للعدوان على قطاع غزة، وتكثف مصر جهودها، حتى تضع الحرب أوزارها، باتفاق وقف دائم لإطلاق النار، للحد من تنامى المعاناة الإنسانية غير المسبوقة للشعب الفلسطينى فى القطاع.

تلك المعاناة غير المسبوقة، لم تتوقف مصر للحظة عن العمل على تخفيف آثارها وإزالة أسبابها، والحيلولة دون تحقيق هدف التهجير القسرى لأهالى القطاع، وهو ما تصدت له مصر بكل صلابة منذ اللحظات الأولى للعدوان الصهيونى فى جولته الأخيرة الممتدة منذ السابع من أكتوبر 2023.

فمن الرفض القاطع للتهجير، إلى بناء رأى عام عالمى مؤيد لصمود الشعب الفلسطينى على أراضيه، إلى مواصلة جهود الإغاثة الإنسانية، وجولات التفاوض المكثفة لإنهاء العدوان باتفاق دائم لإطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، لتتواصل جهود الإغاثة بالقدر اللازم لتخفيف المعاناة وما خلفه العدوان من دمار للإنسان والبنيان.

مساء الثلاثاء، أجرى الرئيس الأمريكى جو بايدن اتصالًا هاتفيًا بالغ الأهمية بالرئيس عبدالفتاح السيسى، تناول جهود الوساطة المكثفة التى تقوم بها مصر وأمريكا وقطر للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين.

الاتصال جاء فى توقيت بالغ الأهمية، يعكس الجهود المكوكية، بين الأطراف المعنية، لتذليل عقبات الوصول إلى الاتفاق، وضمانات تنفيذه، فقد دعا الرئيسان الأطراف المعنية - يقصد بها سلطة الاحتلال بقيادة نتنياهو وحركة حماس - لتذليل العقبات وإبداء المرونة اللازمة للتوصل لاتفاق.

والمدقق فى مضمون الاتصال، وتأكيدات الرئيس عبدالفتاح السيسى بحسب البيان الصادر عن السفير محمد الشناوى المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية، يقف على جهود مصر المتواصلة وأهداف الرئيس الإنسانية بالمقام الأول والرامية للحد من مخاطر توسع دائرة الصراع الإقليمى.

فقد واصل الرئيس السيسى، تشديده على ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار، بهدف رئيسى: «وضع حد للمعاناة الإنسانية الخطيرة التى يعانى منها المواطنون فى القطاع».

«ولإدخال المساعدات الإنسانية لهم دون قيود أو عراقيل»، فإدخال المساعدات بالقدر الكافى ضروة جوهرية لاستعادة أبسط مقومات الحياة لأهالى القطاع الذين يعانون أوضاعًا إنسانية غير مسبوقة من فقدان الطعام والمياه والمأوى فى شتاء قارس البرودة والعلاج وغير ذلك من أبسط احتياجات الإنسان للبقاء على قيد الحياة.  

ويأتى هدف ثالث: «ولتجنيب المنطقة تبعات توسيع نطاق الصراع، وما يترتب على ذلك من تداعيات جسيمة»، فقد عانت المنطقة من تبعات الصراع، ولا تزال تواجه مخاطر اتساع رقعته ما لم يتم وقف إطلاق النار.

وما بين الآثار السياسية والاقتصادية، وفقدان المجتمع الدولى لثقة الرأى العام فى عدالته وقدرته على ردع العدوان امتدت الآثار السلبية التى تتواصل تداعياتها. 

ولعل ذلك يتسق مع موقف مصر، التاريخى الداعم للقضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967، كحل نهائى ووحيد لإحلال السلام الدائم.

ولقد نجحت مصر والدول العربية، فى بناء رأى عام دولى يتبنى الحل الجذرى للقضية الفلسطينية، قائم على حل الدولتين، ولعل الجهود ستتواصل ما بعد وقف إطلاق النار إلى إعادة الإعمار، والعمل على بلوغ الحل النهائى للصراع.

تلك التحركات تعكس وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق وقف إطلاق النار، ومحاولة الوصول لضوابط تذليل النقاط الخلافية بين الأطراف، بل ضمانات تنفيذ بنود الاتفاق، بمراحله وجدوله الزمنى.

كما تعكس إدراكًا لأهمية اللحظة السياسية، فى الضغط على الاحتلال الصهيونى للتوقف عن مواصلة غطرسته وجرائمه، فإدارة بايدن على بعد 5 أيام فقط من تسليم السلطة فى أمريكا رسميًا إلى إدارة الرئيس ترامب، وتستهدف تحقيق إنجاز وقف إطلاق النار قبل الرحيل عن الحكم.

ولعل ترامب أدرك إمكانية تحقق ذلك مُبكرًا، فحاول أن يجنى ثمار الاتفاق قبل توليه السلطة، بأن أصدر تصريحات مُبكرة بشأن ضرورة وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين قبل حفل تنصيبه، ومن ثم ستمارس إدارته تنسيقًا وضغطًا على إسرائيل لتحقيق الهدف.

فيما بلغ طرفا الصراع حالة إنهاك، مع عجز الاحتلال عن حسم المعركة عسكريًا، فرغم الدمار وجرائم الإبادة الجماعية لم يستطع استعادة المحتجزين، فيما تواصل أسرهم الضغط على نتنياهو وحكومته.

فيما بلغت المعاناة الإنسانية لأهالى القطاع، فى ظل صمود أسطورى، أقصى درجاتها، وبات لزامًا على كل صاحب ضمير حول العالم أن يعمل بإخلاص لتخفيف تلك المعاناة.

لن يكون وقف إطلاق النار إلا بداية، لتأتى مرحلة انسحاب قوات الاحتلال وتبادل الأسرى والمحتجزين، ووضع قطاع غزة ما بعد الحرب المدمرة، من ضمانات الالتزام ببنود الاتفاق وتثبيت وقف إطلاق النار، وجهود إعادة الإعمار.

فمصر وحدها قدمت 80% من إجمالى المساعدات القادمة من دول العالم إلى قطاع غزة خلال فترة العدوان، وحجم المعاناة يتطلب تضافر جهود دول العالم لاحتواء آثارها من إنشاء مئات الآلاف من الملاجئ المؤقتة للأسر «كرفانات»،  إلى المخيمات، إلى إزالة ملايين الأطنان من الأنقاض وتكريم من تبقى أسفلها من رفات الشهداء، إلى إعادة الإعمار التى ستمتد طويلًا.

نسأل الله أن تكلل جهود وقف نزيف الدماء، بالنجاح، بوقف إطلاق النار بمراحله، الممتدة 126 يومًا بواقع 42 يومًا لكل مرحلة، لإنقاذ من تبقى من شعب فلسطين بالقطاع وتضميد جراح المصابين، والطبطبة على قلوب المكلومين.

حفظ الله الدماء وكلل جهود مصر وشركاء الوساطة والإغاثة بالنجاح.