دبلوماسية التوازن الاستراتيجى فرضت رؤية مصر دوليًًا
محمد سعيد هاشم
ما بين تجميد العضوية فى الاتحاد الإفريقى ووقف المساعدات وحملات تشويه دولية وإقليمية، تنوعت صور استهداف مصر بعد 30 يونيو خاصة على المستوى السياسى وهو ما تصدت له الدبلوماسية المصرية من خلال وعى بعثاتها فى الخارج وإلمام أعضائها بتفاصيل ما تعرضت له الدولة من مخطط الإسقاط السياسى والاقتصادى والأمنى، الأمر الذى أسهم فى دحض الافتراءات وكشف الحقائق أمام المنظمات الدولية والعواصم المؤثرة وصولًا إلى تصفير الأزمات والاتجاه بقوة إلى مؤشر الصعود بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجى مع الدول ذات الثقل السياسى والاقتصادى والعسكرى.
خلال عقد كامل من الزمن بذلت الدبلوماسية المصرية جهودًا غير عادية ضمن خارطة طريق وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ تولى الحكم فى 2014 .. وتحت شعار العمل ولا شيء غير العمل فى الجمهورية الجديدة، رسخ الدبلوماسيون حضور مصر الفاعل فى الأمم المتحدة وأمام الهيئات الدولية لتعضيد مصالحها القومية والدفاع عن حقوق مواطنيها.
٣٦٥٠ يومًا أو يزيد من العمل، شهدت خلالها السياسة الخارجية نشاطًا مكثفًا للذود عن المصالح الوطنية وتحقيق التوازن والتنوع فى علاقتها مع مختلف دول العالم وفتح آفاق جديدة للتعاون اتساقًا مع مبادئ السياسة المصرية القائمة على تعزيز السلام والاستقرار فى المحيط العربى والإقليمى والدولى والتمسك بمبادئ القانون الدولى. لتجنى القاهرة فى ١٠ سنوات ثمار سياساتها الخارجية الجديدة بالحصول على مقعدٍ غير دائم فى مجلس الأمن ورئاسة لجنة مكافحة الإرهاب بالمجلس، ورئاسة القمة العربية، والجمع بين عضوية مجلس السلم والأمن الإفريقى ورئاسة لجنة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية المعنية بتغير المناخ، فضلًا عن اختيارها لرئاسة الاتحاد الإفريقى وعضويتها فى البريكس، كما توثقت علاقات مصر بدول العالم وقواه الكبرى.
فضلًا عن تعزيز شراكات استراتيجية مع القوى الدولية الكبرى فى أنحاء العالم؛ عبر شبكة مُتشعبة من العلاقات المُتنامية؛ تهدف إلى تعظيم المصالح المصرية مع الأطراف الفاعلة فى مختلف دوائر التحرك، سواءً الأمريكية بدول قارتها الشمالية والجنوبية، أو الأوروبية فى إطارها الثنائى أو من خلال الاتحاد الأوروبى، وكذا الدول الآسيوية التى تشهد معها العلاقات طفرات متوالية خلال السنوات الماضية، انتهت بتوقيع مصر لاتفاقية تجارة حرة مع تجمع الميركوسور أحد أهم التكتلات الاقتصادية فى أمريكا الجنوبية، وانضمام مصر عضوًا شريكًا للحوار فى منظمة شنغهاى للتعاون فى آسيا.
رغم حصار البدايات، إلا أن الدبلوماسية المصرية فرضت إرادتها و نجحت فى استعادة دور مصر القيادى والريادى والمحورى فى منطقة الشرق الأوسط وقارة إفريقيا والعالم من خلال العمل على تسوية النزاعات والصراعات وتنمية القارة السمراء والدفاع عن مصالح شعوبها وإقامة علاقات متوازنة تقوم على الاحترام وتحقيق المصالح.
فى هذا السياق قال وزير الخارجية الأسبق محمد العرابى لـ«روزاليوسف»: إن الدبلوماسية المصرية خط الدفاع الأول عن الدولة ضد محاولات التشويه عمّا جرى فى ٣٠ يونيو مما جعل بعض الدول تشكك فيما حدث فى مصر ولكن المساندة الشعبية الكاملة واصطفافها وراء القيادة السياسية بعد ٣٠ يونيو نال إعجاب كل دول العالم وأفشل جميع افتراءات الإخوان.
وأضاف العرابى، أن الخارجية المصرية نجحت فى تجاوز تلك العقبات بدبلوماسية اعتمدت على موقف صارم لا يحتمل أى نوع من الافتراء على الإرادة الشعبية والاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول والوقوف بحزم أمام أى محاولات لتهديد الأمن القومى المصرى والحفاظ على استقرار دول الجوار، وأسهمت تلك السياسة فى دفع مسار العلاقات الخارجية المصرية للأمام وأصبح لدينا علاقات استراتيجية مع روسيا وأمريكا والهند وكوريا الجنوبية ومع تركيا التى استعادت رشدها بعد أن شهدت علاقتنا معها توترًا، مؤكدًا أنه ما كان لكل ذلك أن يتحقق إلا بسياسات خارجية مصرية متوازنة.
بدوره قال السفير حسين هريدى مساعد وزير الخارجية الأسبق: إن هناك ٣ مراحل تعاملت معها الدبلوماسية المصرية بطرق مختلفة بدأت من 28 يناير 2011حتى يونيو 2013 ، ومن يونيو 2013 حتى يونيو 2014، ومن يونيو 2014 بعد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى حتى الآن.
و أكد «هريدى» فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف» أن الديلوماسية المصرية تعاملت مع كل مرحلة بطرق مختلفة وأساليب مختلفة عدا الفترة التى حكمت فيها جماعة الإخوان من يونيو 2012 حتى يونيو 2013، هذه الفترة كانت جميع أركان الدولة فى مهب الريح وكانت خطرًا على الدولة المصرية، بعد 28 يناير 2011 كانت الدبلوماسية المصرية دفاعية نظرًا للتطورات المتلاحقة على حدودنا الغربية والشرقية ونظرًا للظروف الداخلية والصراع على السلطة الذى كانت تؤججه جماعة الإخوان وهو ما لم يمنح الدبلوماسية المصرية القوة المعتادة.
ويتابع بقوله: كان هناك تحدٍ كبير جدًا بسبب الموقف الأمريكى والغربى من ثورة 30 يونيو وواجهت الدبلوماسية المصرية جميع المحاولات لإعادة الاخوان للحكم مرة أخرى تحت شعار زائف وهو الديمقراطية مع أن جميع السياسات التى اتخذتها جماعة الإخوان خلال فترة حكمهم لمصر كانت ضد الديمقراطية وكانت تخدم الجماعة فقط، إلى أن أدركت الولايات المتحدة أن ثورة 30 يونيو إرادة شعب ولذلك تراجعت عن الإجراءات العقابية التى اتخذتها اتجاه مصر وأرسلت وزير الخارجية جون كيرى فى نوفمبر 2013 لتوضيح ذلك.
السفير هريدى أوضح أن الدبلوماسية المصرية بدأت فى التعافى واسترداد زمام المبادرة وأصبحت دبلوماسية تقدمية قومية ابتداء من 3 يوليو 2013 بعد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ بدأت مرحلة تأسيسية للدبلوماسية التى انفتحت على العالم ورويدا استعادت تأثيرها ودورها فى المنطقة والتوازن اتجاه القوى العظمى والكبرى، وخلال 10 سنوات نجحت مصر فى العودة لمكانتها من خلال قراءة الخريطة والنوايا بطريقة صحيحة للأحداث وأصبحت لها بصمة إقليمية ودولية رغم حالة القطيعة مع بعض دول العالم التى نظرت إليها وقتها برؤية غير صحيحة.
من جهته، قال السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق: إن مصر كان لديها تحدٍ عقب 30 يونية؛ لأن بعض الدول تخيلت أننا فى موقف ضعف ولكن كانت لدينا دبلوماسية مصرية مشاغبة رفضت أن تقف فى موقف المعتذر وتحدت كل محاولات التشويه وكل الطلبات التى حاولوا فرضها علينا وكان لدينا ردود ومواقف حاسمة تقنع الوفود الأوروبية بعدم خرق حقوق الإنسان ولم تفرط الدبلوماسية المصرية فى حق مصر.
وأوضح بيومى أنه مع انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى بدأت الدبلوماسية الرئاسية التى اعتمدت على الرئيس فى تحركاته وعلاقاته واتصالاته شرقًا مع الصين وروسيا وغيرهما والثانية شرق المتوسط، وعزَّزَتها بتدشين منتدى للغاز عام 2019، وتقوية العلاقات مع أوروبا و قبرص واليونان، وعادت مصر إلى مقعدها فى الاتحاد الإفريقى كذلك.