رسائل المؤتمر الثامن لرؤساء المحاكم الدستورية الإفريقية: المواجهة القانونية والقضائية لتحديات الأمن والصراعات بإفريقيا

أحمد إمبابى
فى إطار مساعى الدولة المصرية، لتوسيع شراكتها مع الدول الإفريقية فى مختلف المجالات، وتعزيز التعاون القضائى والدستورى مع الدول الإفريقية، استضافت القاهرة، هذا الأسبوع، الاجتماع الثامن لرؤساء المحاكم الدستورية والعليا والمجالس الدستورية الإفريقية، بمشاركة وفود من 35 دولة إفريقية، إلى جانب 5 منظمات دولية، وبحضور قضاة من دول أوروبية وعربية، مثل تركيا وقطر والعراق.
وناقش رؤساء المحاكم الدستورية الإفريقية، المشاركون فى اجتماع القاهرة، “الحماية الدستورية للحقوق والحريات فى الظروف الاستثنائية”، خصوصًا وقت النزاعات والحروب والجوائح.
ويعد اجتماع القاهرة، رفيع المستوى لرؤساء المحاكم الدستورية الإفريقية، هو الثامن، حيث يعقد بشكل سنوي، منذ انطلاق الاجتماع الأول فى عام 2017، فيما عقد الاجتماع السابع عام 2023، وركز على “آليات حماية الخصوصية فى ظل التحولات الرقمية والتكنولوجية”.
المصير المشترك
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى، رؤساء المحاكم الدستورية والعليا الأفارقة المشاركين فى المؤتمر، حيث شدد الرئيس على الأهمية التى توليها مصر لدعم وتعزيز دور السلطة القضائية فى المجتمعات الإفريقية، مؤكداً أن تنظيم هذا المؤتمر وانتظام عقد اجتماعاته يعكس وحدة الأهداف والمصير المشترك بين شعوب القارة، التى تمتاز بالالتزام بقيم الحق والعدل، والتطلع لتعزيز مبادئ سيادة القانون، واستقلال القضاء، واحترام الحقوق والحريات.
وأكد الرئيس السيسى على أهمية الدور الذى تلعبه المؤسسات القضائية فى ضمان أمن واستقرار دول القارة، فضلاً عن دورها الحيوى فى مواجهة التحديات المتعددة التى تواجه الدول الإفريقية، لاسيما فى ظل الظروف الاستثنائية الراهنة، وشدد على ضرورة تعزيز دور القانون والمؤسسات القضائية فى التصدى للتحديات التى تهدد كيان الدول، مع أهمية العمل الجماعى لوضع قواعد دستورية إفريقية مشتركة لمواجهة تلك التحديات.
وأعرب الرئيس السيسى تقديره للدور الجوهرى الذى تقوم به المحكمة الدستورية المصرية، مؤكداً أن الدولة المصرية حريصة على استقلال القضاء، وتعزيز دوره ومكانته، وقال إن دستور مصر قد أكد هذه الاستقلالية، وعلى حماية السلطة القضائية وحظر التدخل فى شئونها، وإعلاء سيادة القانون وترسيخ قيم الحق والمساواة والإنصاف.
وأشاد المشاركون بالدور الذى يضطلع به المؤتمر كأحد السبل الفعالة لتعزيز التعاون بين الدول الإفريقية فى مجال القضاء الدستوري، معربين عن تقديرهم العميق للتاريخ العريق الذى تتمتع به مصر فى هذا المجال، وحرصها على تبادل الخبرات النوعية مع الدول الإفريقية، والتأكيد على دور المحاكم الدستورية والعليا فى الحفاظ على سيادة الدول وحماية مقدرات شعوبها خلال الظروف الاستثنائية.
التجربة المصرية
فى كلمته خلال المؤتمر، قال المستشار بولس فهمي، رئيس المحكمة الدستورية العليا، إن “المشاركة الكبيرة فى اجتماع القاهرة، تعكس التعاون الإفريقى المشترك فى المجالات القضائية”، وأكد أهمية “إعلاء الحوار بين القضاة الأفارقة بشأن تحديات تواجه عملهم، وتعزيز التعاون البناء”.
وقال فهمي، إن “توالى الظروف الاستثنائية فى إفريقيا، وتنوع صور المخاطر، ما بين صراعات جيوسياسية حادة، وأخرى بيئية نتيجة الاعتداء على الموارد الطبيعية، والجوائح الصحية، فرض صياغة مقاربة لها من زاوية دستورية، لتوفيق الحماية للحقوق والحريات، خلال تلك الأوضاع”، مشيرا إلى أن “اجتماع القاهرة سيركز مناقشاته العلمية على هذه القضية لأهميتها”.
وأشار رئيس المحكمة الدستورية العليا، إلى الضوابط القانونية لحماية الحقوق والحريات فى الظروف الاستثنائية فى مصر، مشيرا إلى “الضوابط التى أقرها الدستور الحالي، المعمول به منذ 201، وضعت تدابير محددة لإعلان حالة الطوارئ، وفترات تطبيقها، حتى أصبحت عصية على الاستمرار لفترات ممتدة، وصولا لإنهاء العمل بها”.
واعتبر وزير العدل، المستشار عدنان فنجري، أن “الظروف الاستثنائية الناتجة عن النزاعات والجوائح الصحية، تفرض على الدول الإفريقية، العمل المشترك للحد من آثارها، ولضمان حقوق تلك الدول فى تحقيق التنمية المستدامة”، وشدد على “ضرورة التعاون بين قضاة المحاكم الإفريقية، للتوافق على مبادئ مشتركة لمواجهة التحديات المستحدثة، خاصة التكنولوجية”.
13 توصية
وانتهى الاجتماع الثامن لرؤساء المحاكم الدستورية الإفريقية، إلى 13 توصية، تضمن التأكيد على أهمية توافر تشريعات وسياسات وتدابير تكفل تحقيق المواجهة المناسبة والفعالة للظروف الاستثنائية، وأهمية الدور الدستوري، فى التعامل مع الظروف الطارئة، وضرورة الاستفادة من التجارب الدولية، فى تحقيق المواجهة التشريعية والتنفيذية للظروف الاستثنائية.
وأكدت التوصيات تأثير التطور العلمى والتكنولوجي، على اتساع نطاق آثار الظروف الاستثنائية والطارئة لأكثر من دولة، وأشارت إلى أن مواجهتها، لا يتحتم دوما باللجوء إلى السلطات الاستثنائية، ولكن بالسياسات والتدابير العادية، وأكدت التوصيات، على ضرورة التمسك بسيادة القانون والإدارة الرشيدة وتحقيق التناسب بين مواجهة الظروف الاستثنائية ومقتضيات تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وشددت على أهمية دور الجهات القضائية فى مراقبة التشريعات واللوائح والتدابير التى تتخذ فى مواجهة الظروف الاستثنائية.
كما أكدت التوصيات أهمية دور الجهات القضائية فى حماية حقوق الإنسان وحرياته، من خلال توفير الترضية القضائية لكافة الأفراد، وأهمية استفادة الجهات القضائية الإفريقية من التحول الرقمى والتطورات العلمية والتكنولوجية المختلفة فى توفير خدمات التقاضى للكافة وبصورة آمنة، ضمانًا لحقهم فى العدالة الناجزة.
ونجحت الاجتماعات السابقة لرؤساء المحاكم الدستورية الإفريقية، فى “إطلاق المنصة الرقمية للتواصل القضائى الإفريقى عام 2019، وإنشاء مركز البحوث والدراسات الدستورية للدول الإفريقية، بمصر”، بهدف “ تبادل الخبرات، والأحكام القضائية بين دول القارة”.
تبادل الخبرات
أكد السفير على الحفني، نائب وزير الخارجية للشئون الإفريقية السابق، أن حرص القاهرة، على تنظيم هذه الاجتماعات، يعزز من التعاون القضائي، وتبادل الخبرات الدستورية، وقدم شراكات للتعاون الدستوري، مع الدول الإفريقية، خلال السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن اجتماعات رؤساء المحاكم الدستورية العليا، تضاف لجهود مصر، لتعميق وتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية.
وأشار الحفني، إلى أن “تركيز الاجتماع الثامن، لرؤساء المحاكم الدستورية الإفريقية، على تدابير حماية الحقوق والحريات، فى الظروف الاستثنائية، خطوة ضرورية، وتحقق مصلحة للقارة، خصوصا بعد تكرار الانقلابات فى بعض دول غرب إفريقيا، وغياب الاستقرار السياسى ببعض الدول”، مشيرا إلى “التعاون الإفريقى دستوريا، يساهم فى دراسة، كيفية العودة للمسارات الدستورية فى هذه المناطق”.