الأحد 16 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كيـف نجحـت الدولـة فــى تحقيق المعـادلـة الصعبـة

فى خطوة غير مسبوقة، أعلن رئيس الوزراء المصرى، مصطفى مدبولى، عن تحقيق تساوى الإيرادات الدولارية مع المصروفات لأول مرة فى تاريخ الموازنة المصرية، هذا التطور الذى آثار التساؤلات حول أسبابه، ومدى استدامته، وتأثيره المباشر على مستقبل الاقتصاد المصرى، وهل يمثل هذا الإعلان إنجازًا حقيقيًا أم مجرد انفراجة مؤقتة؟.. ويشير هذا الإعلان، إلى أن مصر تمكنت من تحقيق نقطة تعادل بين إجمالى الإيرادات الدولارية «الصادرات، وتحويلات العاملين بالخارج، والسياحة، والاستثمارات الأجنبية، وقناة السويس»، وبين المدفوعات الدولارية «الاستيراد، وخدمة الدين الخارجى، وأى التزامات أخرى بالعملة الصعبة»، وهذا يعنى أن الدولة لم تعد تعتمد على الاقتراض الخارجى أو السحب من الاحتياطى النقدى لسد الفجوة الدولارية.



وتحقيق هذه المعادلة الصعبة لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة عدة عوامل ساهمت فى تقليص الفجوة الدولارية التى ظلت لعقود ترهق الاقتصاد المصرى، على رأسها طفرة فى الإيرادات الدولارية من خلال انتعاش قطاع السياحة بشكل ملحوظ مدعومًا بحملات ترويجية قوية واستقرار أمنى، وزيادة إيرادات قناة السويس نتيجة ارتفاع حركة التجارة العالمية، وارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج رغم التحديات الاقتصادية العالمية، وتحسن الصادرات المصرية خاصة فى القطاعات الاستراتيجية مثل «الغاز الطبيعى، والبتروكيماويات، والأسمدة»، بالتواكب مع كبح جماح الاستيراد وفرض قيود صارمة عليه، ما أدى إلى تقليل الطلب على الدولار فى مقابل الاعتماد المتزايد على الإنتاج المحلى بدلًا من الاستيراد، خاصة فى القطاعات الأساسية، إلى جانب دخول استثمارات أجنبية مباشرة وتحسن تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية بعد استقرار سعر الصرف.

فى الوقت ذاته، أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن انخفاض معدل التضخم السنوى فى مصر خلال شهر فبراير 2025، حيث سجل الرقم القياسى العام لأسعار المستهلكين 246.8 نقطة، مقارنة بـ23.2% فى يناير 2025، ليصل إلى 12.5%.

ويأتى السؤال الأهم، هل يمكن الحفاظ على التوازن بين الإيرادات والمصروفات الدولارية فى المستقبل؟، وهذا ما أجاب عنه خبراء الاقتصاد، والذين أكدوا أن تحقيق التعادل بين الإيرادات والمصروفات الدولارية قد يكون بداية لانفراجة اقتصادية، مشيرين إلى أن تأثيرات إيجابية لتلك المعادلة الصعبة وهى استقرار سعر الصرف وتخفيف الضغوط على الجنيه المصرى، مما قد يساعد فى الحد من التضخم، وتحسن التصنيف الائتمانى لمصر وزيادة ثقة المستثمرين فى قدرتها على سداد التزاماتها الخارجية، فضلًا عن زيادة التدفقات الاستثمارية الأجنبية مع تحسن البيئة الاقتصادية والاستثمارية، وتخفيف الضغط على الاحتياطى النقدى مما يتيح للحكومة هامشًا أكبر للمناورة الاقتصادية.

وشدد الخبراء، على أن إعلان الحكومة المصرية عن تحقيق توازن الإيرادات الدولارية مع المصروفات يعد تطورًا إيجابيًا، لكنه يظل مرهونًا بقدرة الدولة على استدامة مصادر الدخل الدولارى، وتحقيق نمو اقتصادى حقيقى، وليس فقط الاعتماد على سياسات تقشفية أو إجراءات مؤقتة.

من جانبه، أكد د.مجدى عبدالفتاح، الخبير الاقتصادى، أن هذا التصريح من رئيس الوزراء يأتى من خلال واقع ملموس فى الآونة الأخيرة، بينما الإيرادات الدولارية تعادل أو تساوى المصروفات الدولارية هو أمر لم يحدث من قبل فى الموازنة المصرية، ما يعنى أن الاقتصاد المصرى بدأ فى جنى ثمار خطة الحكومة نحو توطين الصناعات الثقيلة والمتوسطة، بمعنى التوسع فى إنشاء المشروعات سواء مشروعات مصرية أو مشاركة القطاع الخاص، وهذا يقلل الاعتماد على الاستيراد.

وأضاف «عبدالفتاح»: «هناك مؤشرات إيجابية فى قطاع التصدير وتحويلات العاملين فى الخارج، وعودة التجارة الدولية إلى العبور عن طريق قناة السويس ومشروعها التوسعى الذى ساهم فى جذب التجارة الدولية، بدلًا من طريق رأس الرجاء الصالح المكلف والمحمل بأعباء مالية لا تطاق وضياع الوقت»، لافتًا إلى أن ترشيد الاستيراد كانت أداة ممتازة للحد منه وخفض الطلب على الدولار، أيضًا الإنجازات المتعددة للحكومة فى الاهتمام بالبنية التحتية وشبكة الطرق والكبارى ومحطات الكهرباء كل ذلك ساهم فى جذب استثمارات خارجية إلى الاقتصاد المصرى.

ونوه الخبير الاقتصادى، إلى أن الرسالة التى يريد أن يوجهها رئيس الوزراء إلى الشعب المصرى، أننا لا نعانى نقصًا فى الدولار، وقريبًا سيكون جانب الإيرادات بالعملة الأجنبية أكبر من المصروفات عند عبور نقطة التعادل.

فيما أشار د.سعيد توفيق، أستاذ التمويل والاستثمار جامعة عين شمس، إلى أن أهم شىء هو انعكاس وتأثير هذه الأرقام على سعر الدولار بما يؤدى إلى انخفاض فى هذا السعر ومن ثم مع زيادة جودة السلع وزيادة الصادرات بالعملات الأجنبية، مما يساعد على تقليل التضخم وانخفاض الأسعار على السلع والخدمات.

وأكد د.محمد أنيس، الخبير الاقتصادى، أن 2024 يعد عام استعادة التوازن المالى للاقتصاد المصرى، فما حدث فى مارس من العام الماضى من توقيع 4 اتفاقيات ساهمت بدورها فى تغيير المشهد الاقتصادى فى مصر وتسببت فى استعادة وتوازن المؤشرات المالية، وعلى رأسها اتفاقية رأس الحكمة واتفاقات صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، والاتحاد الأوروبى، وهى ٤ اتفاقيات نتج عنها تدفقات دولارية قيمتها ٥٨ مليار دولار.

واستطرد «أنيس»: عندما جلبت الاتفاقيات التدفق الدولارى تمكنت الحكومة من إجراء إصلاح مالى وتحرير سعر العملة واستعادة الانضباط فى سعر صرف الدولار أمام الجنيه، وأصبحت هناك سوق واحدة وسعر واحد لصرف الدولار، مما ساهم فى عودة تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى طبيعتها، وكانت فى حدود 30 مليار دولار، فى نفس الوقت قطاع السياحة يسير بشكل جيد للغاية ومنضبط ويحقق إيرادات فى حدود 15 مليار دولار، فضلًا عن توقعات بزيادة إيرادات قناة السويس بحلول 2026.

وشدد الخبير الاقتصادى، على ضرورة الحفاظ على مكتسبات الاصلاحات التى تمت فى 2024، وإجراء إصلاحات هيكلية مطلوبة للاقتصاد المصرى بحيث نرفع قدرته على اجتذاب استثمار أجنبى مباشر مستهدف للتصدير، لأن الاتفاقيات السابقة غير قابلة للتكرار، وبالتالى فإن التدفقات الاستثمارية هذه هى التى ستغلق الفجوة التدفقية الدولارية بشكل طبيعى وتلقائى لا سيما وأنه سينتج عنها صادرات تجلب عملة صعبة تسد الفجوة فى الميزان التجارى، إذ نصدر بقيمة 40 مليار دولار ونستورد بـ90 مليار دولار، هذا بالتواكب مع العمل على زيادة عوائد قطاعات السياحة وقناة السويس.

وأوضح الخبير الاقتصادى الدكتور أشرف غراب، نائب رئيس الاتحاد العربى للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربى بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، أن إعلان رئيس الوزراء عن تساوى الإيرادات الدولارية مع المصروفات خلال الأسبوعين الماضيين لأول مرة فى تاريخ الموازنة المصرية، وفقًا لآخر تقرير صادر عن البنك المركزى، يمثل إنجازًا كبيرًا ونجاح الحكومة فى زيادة دخل مصر من النقد الأجنبى من العديد من المصادر، منها تحويلات المصريين بالخارج والتى بلغت 29.6 مليار دولار خلال عام 2024، إضافة إلى زيادة دخل مصر من السياحة حيث بلغت نحو 15.3 مليار دولار خلال 2024، حيث زار مصر نحو 15.8 مليون سائح.

وتابع «غراب»: «أن إيرادات مصر الدولارية من قطاع الصادرات قد حققت ارتفاعًا بنسبة كبيرة خلال العام المنتهى فقد بلغت قيمتها نحو 44.9 مليار دولار، إضافة إلى دخول مصر استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة، إضافة إلى أن الدولة المصرية قطعت شوطًا كبيرًا فى توطين الصناعة المحلية لتقليل فاتورة الواردات وإحلال المنتج المحلى محل المنتجات المستوردة، إضافة لجهود الدولة فى تحفيز مناخ الاستثمار المصرى، من خلال التطوير المستمر للبنية التحتية من طرق وكبارى وموانئ ومناطق صناعية والبنية التشريعية، عبر إصدار العديد من القوانين التشريعية المحفزة لمناخ الاستثمار، إضافة لوجود العديد من المناطق الاقتصادية الجاذبة للاستثمارات الأجنبية، وعلى رأسها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

وأشار الخبير الاقتصادى، إلى أن تساوى حجم الإيرادات من النقد الأجنبى مع المصروفات، يعنى عدم وجود عجز فى الميزان التجارى، وهذا يمثل استقرارا اقتصاديا كبيرا وتطورا اقتصاديا مهما، لأنه يعنى عدم وجود عجز فى العملة الأجنبية، وبالتالى يسهم فى استقرار العملة المحلية وارتفاع قيمتها مقابل الدولار تدريجيًا، خاصة أن الدولة تتجه نحو تحقيق فائض من النقد الأجنبى خلال الفترة المقبلة، ولا تكتفى بتعادل الإيرادات مع المصروفات، وذلك عن طريق الاستمرار فى تعظيم الصناعة الوطنية وزيادة حجم الصادرات وتقليل الاستيراد، خاصة للسلع غير الضرورية التى يمكن تصنيعها وتوطينها محليًا ما يسهم فى ترشيد الواردات.

وأضاف «غراب»: «أن استقرار سعر صرف العملة الأجنبية له دور مهم فى استقرار سعر السلع بالأسواق المحلية، ما يعنى استدامة خفض معدل التضخم تدريجيًا خاصة مع استمرار زيادة الإنتاج وزيادة معدلات التشغيل مع توافر المواد الخام ومستلزمات الإنتاج»، مشيرًا إلى أنه لابد من العمل على استمرار تعزيز حصيلة الدولة من النقد الأجنبى عبر مصادرها المختلفة، مؤكدًا أن الفترة المقبلة من المتوقع أن يدخل مصر حصيلة دولارية كبيرة من استثمارات خليجية مباشرة خاصة من الكويت والسعودية وستضخ فى شرايين الاقتصاد المصرى.

وأكدت د.عالية المهدى، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن تحقيق التوازن الدولارى بين إيرادات مصر من العملات الأجنبية والمصروفات، يعد تطورا إيجابيا، يعنى أنه ليس هناك ضغوط على موارد مصر الدولارية، وبالتالى لن ترتفع أسعار الدولار، ومن ثم لن يمثل ضغطا على معدلات التضخم، ومن المتوقع أن يتراجع معدل التضخم ليصل إلى 9% بحلول العام المقبل.