السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

خبراء: مصر الوجهة الجديدة للشركات الهاربة من نار الجمارك الأمريكية

كيف نُحوّل أزمة الرسوم الأمريكية إلى فرصة ذهبية للا قتصاد المصرى

بينما تتصاعد نيران الحرب التجارية وتُغلق الأبواب أمام كبار المصدرين حول العالم، تلوح فى الأفق فرصة استثنائية للاقتصاد المصري، فالتعريفة الجمركية الأمريكية التي هزّت سلاسل الإمداد العالمية قد تكون فرصة كبرى للانطلاق فى السوق الأمريكية كبديل موثوق ومنافس حقيقي.



يميل الميزان التجاري لصالح واشنطن، لكن الأبواب الآن مفتوحة أمام القاهرة لتقلب المعادلة، وتعزز صادراتها الصناعية والغذائية، وتجذب استثمارات كبرى تُعيد رسم خريطة الإنتاج فى المنطقة.

وتتمتع مصر بموقع استراتيجى متميز يسمح لها بلعب دور أكبر فى السوق الأمريكية، حيث يمكنها أن تصبح بديلًا تنافسيًا للدول التي تأثرت بزيادة الرسوم الجمركية.

 ووفقًا للبيانات الرسمية، فإن الميزان التجاري بين مصر وأمريكا يميل لصالح الولايات المتحدة، حيث تستورد مصر سلعًا أمريكية بقيمة 6 مليارات دولار، فى حين تبلغ صادراتها إلى أمريكا 2.7 مليار دولار فقط.

كيف تقتنص مصر الفرصة؟

أوضح خبراء الاقتصاد أنه لتحقيق التوازن، تحتاج مصر إلى زيادة الصادرات الصناعية، لا سيما الاستثمار فى الصناعات التي يمكن أن تحل محل المنتجات الصينية فى السوق الأمريكية، مثل الصناعات النسيجية والكيماوية والمواد الخام.

 

 

 

إلى جانب ذلك، يجب توسيع الاتفاقيات التجارية واستغلال اتفاقية الكويز (QIZ) لزيادة الصادرات المعفاة من الجمارك، وجذب المستثمرين الأجانب من خلال توفير حوافز للشركات العالمية التي تبحث عن بدائل للصين لإنشاء مصانعها فى مصر. 

ويعزز ذلك الإنتاج المحلي، ويشمل تقديم إعفاءات ضريبية، وتسهيلات لوجستية، وأراضى صناعية مهيأة، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية ومناخ الأعمال، مما يجعل من مصر مركزًا إقليميًا للتصنيع والتصدير إلى الأسواق العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

ولتحقيق تحول جذرى فى الميزان التجاري، نوه الخبراء إلى أن تعزيز الصادرات وحده لا يكفي، بل يجب أيضًا تقليل الاعتماد على الواردات الأمريكية من خلال توطين التكنولوجيا وتشجيع الإنتاج المحلى للسلع التي تستوردها مصر من أمريكا، خاصة فى قطاع الصناعات الدوائية والمعدات الثقيلة.

إلى جانب دعم الصناعات الغذائية والزراعية، وتطوير الإنتاج الزراعي، وزيادة صادرات المنتجات الغذائية إلى الولايات المتحدة. 

كما يجب تعزيز القيمة المضافة بدلًا من تصدير المواد الخام، من خلال تطوير الصناعات التحويلية لزيادة العائد الاقتصادى من التصدير.

وقال الخبراء إن مصر تحتاج إلى استغلال هذه الفرصة عبر تنفيذ سياسات اقتصادية داعمة، مثل تحسين مناخ الاستثمار، وتقديم حوافز تصديرية، وضمان الجودة والمعايير العالمية للمنتجات المصرية. كما أن التوسع فى استخدام التكنولوجيا والابتكار سيعزز من تنافسية المنتجات المصرية فى الأسواق العالمية.

وكان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد أعلن فرض رسوم جمركية على نحو 100 دولة حول العالم، تراوحت هذه الرسوم بين 10% ونحو 49%.

الملابس الجاهزة

من جانبه، أكد طارق قابيل، وزير الصناعة والتجارة الأسبق، أن التعريفات الجمركية التي أعلنها ترامب من الممكن أن تمثل فرصة ذهبية لمصر، لا سيما وأن التبادل التجاري بين مصر وأمريكا فى عام 2024 بلغ 8.6 مليار دولار، بواقع واردات من أمريكا فى حدود 6 مليارات دولار، وصادرات مصرية بنحو 2.7 مليار دولار.

وأضاف أن الملابس الجاهزة تمثل 45.6% من الصادرات المصرية، أى ما يعادل 1.2 مليار دولار، يُصدر جزء كبير منها فى إطار اتفاقية الكويز. وتمثل الأسمدة 6.4%، والحديد 6.2%، والسجاد 5.1%، والأغذية المعلبة 5.1%، فيما تتوزع النسبة الباقية على صادرات متنوعة.

وتُمثل صادرات مصر من الملابس الجاهزة 1.65% فقط من واردات أمريكا من الملابس الجاهزة، مقارنة بـ 22% للصين، و18% لفيتنام، وحوالى 5% لكل من بنجلاديش وإندونيسيا.

وتبلغ نسبة التعريفة الجمركية المفروضة على المنتجات المصرية 10%، بينما تتراوح النسب المفروضة على الدول الأخرى بين 22% إلى 46%.

وأوضح قابيل أن الفرصة الذهبية لمصر تكمن فى جذب الشركات من الدول المتأثرة بالتعريفات الجمركية إلى مصر، فعلى سبيل المثال، هناك مزايا عدة لصناعة الملابس الجاهزة؛ فهى كثيفة العمالة، ولدينا العمالة المدربة، كما أنها لا تحتاج إلى رأس مال وماكينات باهظة الثمن مثل باقى الصناعات. 

وتابع: ما نحتاج إليه الآن هو مفاوضات سريعة مع الشركات الكبرى فى هذه الدول للاستفادة من أقل تعريفات جمركية متاحة لمصر للتصدير إلى السوق الأمريكية، والأهم من ذلك هو تحسين مناخ الاستثمار بصورة عاجلة لجذب هذه الشركات.

قِبلة للشركات العالمية

وأكدت يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن مصر يمكن أن تتحول إلى قبلة استثمارية للشركات العالمية التي تضررت من التعريفات الجمركية الأمريكية، لا سيما وأن التعريفة الجمركية على الواردات المصرية لا تتجاوز 10%. 

وأوضحت أن الاستثمارات الصينية ستتجه إلى السوق المصرية، التي تتمتع بمزايا عدة، منها توافر الأيدى العاملة الماهرة، وإمكانية التصدير للخارج بتعريفة جمركية منخفضة. 

وشددت على ضرورة الإسراع فى تحسين مناخ الاستثمار، وحل أية مشاكل أو عوائق قد تواجه المستثمرين.

وأشارت إلى ضرورة وضع خطة للنهوض بقطاع الصناعات الصغيرة، ومتابعة الأداء فى هذا القطاع حتى نلمس نتائج إيجابية على أرض الواقع، إلى جانب تقديم حوافز للقطاع غير الرسمي لدمجه فى المنظومة الرسمية.

أمريكا أول الخاسرين

وأضاف محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، أن أمريكا ستكون أول المتضررين من قرارات الرئيس الأمريكي، إذ تعتمد الصناعة الأمريكية على مدخلات إنتاج مستوردة من الخارج، مما قد يؤدى إلى موجة تضخمية عنيفة داخل البلاد، وركود تضخمى عالمي. كما ستؤثر هذه القرارات على البورصة الأمريكية، التي انخفضت مؤشراتها فور صدور القرارات الأخيرة.

وأشار إلى أن التعريفات الجمركية قد يكون الغرض منها خلق حرب تجارية للضغط على دول بعينها لتحقيق أجندات أو مكاسب سياسية واقتصادية.

ونوّه إلى أن مصر تمتلك إمكانيات هائلة، بخلاف موقعها الجغرافى المميز وقناة السويس، ما يعطيها فرصة كبرى لجذب المستثمرين لإقامة مشروعات تحقق عوائد مرتفعة.

وتوقع البهواشى أن يتراجع ترامب عن قراراته المتعلقة بزيادة التعريفة الجمركية على الواردات القادمة من دول أخرى.

هدم السوق الحرة

من جانبه، أوضح محمد أنيس، الخبير الاقتصادي، أن ما يقوم به الرئيس الأمريكى يُعد هدمًا لقواعد السوق الحرة من خلال أدوات السلطة وقرارات إدارية لا علاقة لها بآليات السوق، وبالتالى لا يمكن توقع جنى مكاسب وفقًا لآليات سوق يتم تكسيرها.

ونوّه إلى أنه، وفقًا لقرارات ترامب، فإن فرصة جذب استثمارات أجنبية إلى السوق المصرية لتصدير منتجاتها إلى أمريكا بجمارك منخفضة (10%)، قد يقابلها لاحقًا ارتفاع فى التعريفة الجمركية مثل باقى الدول الأخرى، مع تزايد حجم الصادرات للسوق الأمريكية.

وشدد على ضرورة جذب استثمارات تمثل مزيجًا بين الغرب والشرق، إلى جانب استهداف أسواق أوروبا وأفريقيا والدول العربية وجنوب شرق آسيا، لتحقيق توازن فى الصادرات. 

كما دعا إلى استكمال المفاوضات لتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع أمريكا، تُلزم الأخيرة بفرض رسوم جمركية منخفضة للغاية، ما من شأنه طمأنة المستثمرين، والمساهمة فى جذب استثمارات أجنبية قوية ومستدامة إلى مصر.

المنتج المصري

وأكدت عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن ما يخلق الفرص هو المنتج المتميز، والتكنولوجيا المتقدمة، والسعر المناسب، مما يمنح المنتجات المصرية تنافسية وأولوية فى الأسواق العالمية. وأوضح مجدى عبد الفتاح، الخبير الاقتصادي، أن هناك فرصة ذهبية لمصر لاستقطاب استثمارات من الدول التي فرض ترامب عليها رسومًا جمركية، مثل الصين وفيتنام وغيرهما.

وأضاف أن جذب هذه الدول لإقامة مشروعاتها فى مصر يمثل فرصة ذهبية تتطلب المزيد من الحوافز والإعفاءات الضريبية، إلى جانب الاستفادة من موقع مصر الجغرافى المتميز ووفرة العمالة، بما يمكّن هذه الدول من تصدير منتجاتها إلى أنحاء العالم كافة بتكلفة عادلة.