
أيمن عبد المجيد
رسائل ودلالات زيارة الرئيس السيسى للأشقاء
تحمل جولة الرئيس عبدالفتاح السيسى الخليجية، التى بدأت بقطر واختتمت بالكويت أمس الأول، الكثير من الرسائل والدلالات، من حيث المستوى الدبلوماسي، والتوقيت والمضامين والنتائج.
دبلوماسيًا، فهى«زيارة دولة»، وهى وفق البروتوكولات الدبلوماسية، الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التى تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات، وهى رسالة مفادها أن عُمق العلاقات بين الأشقاء فى قطر والكويت فى أعلى درجاتها، وهى زيارة بدعوة من الدولة المضيفة، ولها ترتيباتها البروتوكولية والدبلوماسية، بينها إقامة الضيف فى أحد مقار إقامة أمير الدولة المضيفة.
سياسيًا: تحمل الجولة العديد من الرسائل والدلالات:
١- قطع الطريق على محاولات الوقيعة بين مصر وقطر، لشق الصف العربى فى توقيت الأمة العربية أحوج ما تكون فيه لتوحيد الموقف لحماية القضية الفلسطينية من محاولات التصفية، والحفاظ على وحدة وسلامة الدول العربية الوطنية التى شهدت شروخًا فى بنيانها وتهديدات مصيرية.
فالعلاقات المصرية القطرية، عادت لطبيعتها بعد سنوات من القطيعة-التى لا مجال للحديث عن أسبابها الآن- والحفاظ على قوة العلاقات الاستراتيجية وتعميقها واستمراريتها يعزز من القدرة العربية الشاملة فى الحفاظ على الأمن العربى القومى فى مواجهة التحديات.
وقد جاءت الرسالة واضحة فى البيان الختامى المصرى القطرى المُشترك: « حيث عبّر الجانبان عن ارتياحهما لما تحقق من تقدم فى العلاقات الثنائية خلال الفترة الماضية، وأكدا أهمية البناء على ما تم إنجازه، والدفع بالعلاقات إلى مستويات أرحب، فى إطار من الاحترام المتبادل والرؤية المشتركة لمستقبل يسوده الأمن والاستقرار والازدهار.
يجيد الكيان الصهيوني، استخدام سلاح شق الصف، عملًا بقاعدة “فرق تسد”، بآليات متنوعة استخباراتية وإعلامية وكتائب تعمل على وسائل التواصل الاجتماعي، لتعميق واستثمار الخلافات، وتخليق وترويج الشائعات، وتوظيف التحديات والأزمات، لخلق شروخ فى العلاقات بين الأشقاء، شعوبًا وحكومات، عبر إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية والعرقية.
فالهدف منذ استفاق المحتل وداعموه من صفعة انتصار السادس من أكتوبر1973، هو تفكيك مكونات القدرة المصرية العربية الشاملة التى أثمرت هذا النصر، الذى هدد بقاء الكيان الصهيوني، والعمل على الحيلولة دون تكراره فى أى مواجهة أخرى محتملة.
كان العامل الأقوى توحد العرب خلف هدف قومي، تحرير الأرض العربية المحتلة، واستخدمت لذلك كل الأوراق المتاحة، فكان أن بدأت محاولات الوقيعة، واستثمار الخلاف حول معاهدة كامب ديفيد وغيرها لشق الصف العربى وإضعاف الموقف.
ومع تجدد التوحد العربى وتبني القمة العربية المنعقدة بالقاهرة، الخطة المصرية العربية للتعمير دون تهجير، سعى الصهاينة للوقيعة، عبر ما سماه الإعلام الصهيونى« قطر جيت»، زاعمين استخدام قطر لأعضاء بالوفد الصهيونى لمحاولة التقليل من دور مصر التفاوضي، وقد كذبتهم قطر فى بيان رسمى مشيدة بدور مصر البارز.
وسواء صحت مزاعم الصهاينة أو هى كاذبة كعادتهم، فإن الهدف من تكثيف التناول الإعلامي، كان شق الصف العربي، واستعادة حالة القطيعة، بما يؤثر سلبًا على مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة، وصلابة الموقف العربى فى مواجهة جرائم الإبادة الجماعية، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية.
قفزت مصر وقطر على تلك المحاولة الصهيونية البائسة، حيث زار الرئيس عبدالفتاح السيسي، قائد مصر، الأمير تميم بن حمد، أمير قطر، فى زيارة دولة، أعلى درجات الزيارات الرئاسية وفق البروتوكولات الدبلوماسية، دعوة من الأمير تميم وتلبية الدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، رد ببيان عملي: محاولات شق الصف فاشلة.
وهنا أكد البيان الختامى المُشترك على:
1- مركزية القضية الفلسطينية، ودعم جهود المصالحة الفلسطينية_ الفلسطينية، لتوحيد جبهتهم الداخلية.
٢- تعميق العلاقات الاستراتيجية العربية:
فما بين مصر وأشقائها العرب كافة، علاقات شراكة استراتيجية، بل أقوى من ذلك، تاريخ مشترك ومصير مشترك، ومن ثم تعميق تلك العلاقات واجب، وفى وقت الأزمات والتحديات خاصة.
وهنا توحيد الموقف السياسي، فى القضايا ذات الصلة بالأمن القومى العربي، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، فبشأن قطر، هى شريك مع مصر والأمريكان فى إدارة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن.
وفى ظل الانحياز الأمريكى الواضح، فى التهاون مع خروقات الاحتلال الصهيوني، والإصرار على تبنى مخطط التهجير، وجب تنسيق الجهود المصرية القطرية، بشأن المفاوضات ومتغيرات ومستجدات مساراته وتطوراته، فقد انتهك الصهاينة هدنة وقف إطلاق النار وعادوا إلى ارتكاب مجازر الإبادة وتدمير سُبل الحياة للتهجير تحت ضغط سلاح التجويع.
والرسالة هنا: المفاوض العربى موحد الموقف، يساند الحق الفلسطينى فى الحياة والتشبث بأرضه، وحقه فى دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو1967، كحل وحيد وجذرى للسلام بالمنطقة.
وهذه رسالة أشارت إليها البيانات الرئاسية التالية لقمتى الرئيس عبدالفتاح السيسي، مع الأمير تميم بن حمد بالدوحة، والشيخ مشعل الأحمد الصباح بقصر بيان الأميرى بالكويت.
٣- توحيد الموقف العربى خلف هدف الحفاظ على سلامة الدولة الوطنية العربية واستعادة قوتها، تعزيزًا للقدرة الشاملة العربية.
وهذه الرسالة، باتت شديدة الوضوح، فالصهاينة سعوا لهدم الدولة الوطنية، وتوظيف التحديات والأزمات، لإذكاء الصراعات القبلية والمذهبية والعرقية والطائفيّة، لتدمير الدولة الوطنية من الداخل.
تعرضت مصر وعدد من الدول العربية، لهذا المخطط، الذى استثمر ما حدث عام 2011، وامتد لاستثمار سقوط نظام الأسد، للإجهاز على مقدرات وتسليح الجيش السورى لتدميره، واحتلال أجزاء إضافية من الأرض السورية.
حفظ الله مصر، ونجت برعاية الله، ووعى شعبها وقوة مؤسساتها، لتبقى كما سطر التاريخ فى سجل ملاحمه، أنها الحصن الأخير الذى تتحطم على أسواره مخططات المعتدين على مقدرات الأمة العربية ومحددات أمنها القومي، من الهكسوس إلى الفرس والمغول والتتار ، ومن الصليبيين إلى الصهاينة.
لتبقى مصر داعمة للأشقاء ساعية للحفاظ على وحدتهم الوطنية، ويبقى العرب داعمين لمصر، عمود خيمة الأمة، والكويت من الدول العربية الشقيقة، عميقة العلاقات الاستراتيجية دائمة الاستمرارية الإيجابية مع مصر، فلم تشهد العلاقات توترات من أى نوع بل دعما متبادلا فى التحديات، والأزمات بكل إخلاص ومحبة.
وهنا الرسالة توحيد الموقف بشأن الدول التى تشهد صراعات، بالعمل والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى السورية والسودانية واللبنانية واليمنية.
فمهما كان تباين وجهات النظر فى السابق، حول مجريات الصراع، إلا أن هدف الحفاظ على وحدة وسلامة الدول العربية الوطنية، يجب أن يتكاتف الجميع لتحقيقه.
فكل دولة عربية وحدة فى منظومة القدرة الشاملة العربية، تزاد القدرة العربية باستعادة الدول المأزومة عافيتها وقوتها، وفى البيان الذى خرج عن القمة المصرية القطرية، «تباحث الزعيمان حول الأوضاع فى سوريا والسودان ولبنان، وأكدا أهمية الحفاظ على وحدة تلك الدول وسلامة أراضيها، وحماية مقدرات شعوبها واستقرارها .
٤ - دعم جهود التهدئة فى الإقليم فى ظل تنامى حدة مؤشرات الصراع، الذى انعكس سلبًا على الاقتصاد الوطنى والإقليمى والدولي.
فالعدوان والتوترات فى اليمن، والصراع الأمريكى الإيرانى انعكس سلبًا على الملاحة الدولية فى البحر الأحمر والتجارة الدولية.
وهنا الترحيب بالمفاوضات غير المباشرة بين الأمريكان وإيران، مع دعم أى« مساعٍ سلمية تهدف إلى خفض التوتر فى المنطقة، وتعزيز الأمن والاستقرار فيها. كما ثمّنا الجهود الدبلوماسية التى تبذلها سلطنة عُمان الشقيقة فى هذا الإطار».
٥- التكامل والشراكة:
فى ظل التحديات الاقتصادية العالمية، والصراع الأمريكى الصيني، عبر طرق للتجارة والتنمية العالمية، وما يصدره الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، من رسوم جمركية ترد عليها الصين بقرارات الندية، فإن التكامل والشراكة الاقتصادية العربية ضرورة حتمية لتعزيز القدرات والفرص ومواجهة التحديات.
وقد امتلكت مصر بنية تحتية، عززت من إمكانيات استثمار قدرة المكان وقوة وكفاءة العمالة المصرية، عبر إمكانية جذب استثمارات قطرية كويتية، تستهدف توطين الصناعات الحديثة فى مصر، والانتقال من المنطقة الاقتصادية وقناة السويس لأسواق العالم.
وهذا من أهم ثمار زيارة الرئيس السيسى لقطر والكويت، فقد التقى الرئيس مجتمع الأعمال القطري، وناقش تنمية الاستثمارات مع الأشقاء فى الكويت، لبناء شراكات تكاملية تعود بالتنمية والرخاء على الشعوب الشقيقة.
مصر قادرة بإذن الله على مواجهة كل التحديات على مختلف الجبهات، وتنمية الاستثمارات، بتعاون وشراكة وتكامل عربي، يعمق الشراكات الاستراتيجية ويوحد الرؤى فى المواقف السياسية ويعزز الشراكات الاقتصادية والفرص الاستثمارية.
حفظ الله مصر والأمة العربية والشعب الفلسطينى