
د.أسامة رسلان
شهيد وشاهد ومشهود
انشغلت حسابات مواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الإخبارية بخبر البطل خالد محمد شوقى، الذى توفى متأثرًا بإصابته بعد أن هبّ لإنقاذ منطقة بأسرها من كارثة محققة فى مدينة العاشر من رمضان، بأن سارع إلى إبعاد سيارة إمداد بالوقود إثر اشتعالها، فافتدى بجسمه وروحه أهل المنطقة، وزملاءه، والمكان بأكمله.
حدث ذلك الانشغال منذ لحظة بطولته التى عاش بعدها فى آلام نحتسبها جميعًا عند الله من قبيل الطهور والرفعة. وقد نعت وزارة الأوقاف ذلك البطل واحتسبته شهيدًا بنص الحديث الشريف، فعن أبى هريرة (رضى الله عنه) قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم): «الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغريق، وصاحب الهَدْمِ، والشهيد فى سبيل الله». وفى رواية: «ما تَعُدُّونَ الشهداء فيكم؟» قالوا: يا رسول الله، من قُتل فى سبيل الله فهو شهيد. قال: «إن شهداء أمتى إذا لقليل». قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: «من قُتل فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى سبيل الله فهو شهيد، ومن مات فى الطاعون فهو شهيد، ومن مات فى البطن فهو شهيد، والغريق شهيد».
كل ذلك جعل الاهتمام بالفقيد البطل على أعلى مستوى فى الدولة وعلى المستوى الشعبى كذلك، بحفاوة عرفناها لشهدائنا فى معاركنا العسكرية الخالدة. ولعل أهم ما يمكن إبرازه من تلك الواقعة المرهقة بآلامها، الجميلة بآمالها، هى الأمور الأربعة الآتى بيانها:
أولاً: الحفاوة الشعبية والرسمية بالشهيد، والتبارى فى احتضان أسرته والتعهد برعايتها بمعاش استثنائى، وبعطايا ليس أقلها المال وليس أعلاها الذهب.
ثانيًا: إبراز جانب أصيل من جوانب الشخصية المصرية التى صقلتها طبقات من الحضارات والتجارب والعصور، فصارت رمزًا للنبل والشهامة والتضحية والافتداء – وهى تفعل ذلك طبعًا لا اصطناعًا، وطبيعةً لا تكلفًا، لا تريد جزاءً ولا شكورًا.
ثالثًا: رشاد الفكر عند عموم الناس بأن صارت الحفاوة واضحة وإسباغ مكانة الشهادة جلية على شهداء المعارك الحربية (مثال: العملية الشاملة سيناء)، والطبية (مثال: جائحة كوفيد-١٩)، وحوادث القطارات والحرائق والغرق والهدم، وغيرها، وهو ما يثبت تأثير الخطاب الدينى الراشد فى مواجهة الخطاب المتطرف الذى احتكر مكانة الشهادة للإرهابيين.
رابعًا: التنبيه على أن من عاش بأخلاق الشهداء رزقه الله مآل الشهادة أو مكانتها، ففى الحديث أن «من سألَ اللَّهَ الشَّهادةَ صادقًا بلَّغَه اللَّهُ منازلَ الشُّهداءِ وإن ماتَ علَى فراشِه».
من كل هذا نخلص إلى دعوة مواصلة بث الخطاب الدينى المستنير الصحيح، وإلى العيش فى سبيل الله كما تعلمنا فى الصغر مفهوم الموت فى سبيل الله، فبذلك العيش يُرتجى الثواب العظيم كما هى الشهادة الصحيحة الحقيقية فى سبيل الله أو أكثر، فالمدار على النية والعمل – وهذان ممكنان لكل مخلص. وها هى الأقدار تتقلب أمامنا بين «شهيد» مكرَّم، و»شاهد» متألِم أو متعلِّم، وواقع «مشهود» ينادينا لنحتذى ونقتدى.
المتحدث الرسمى باسم وزارة الأوقاف