الثلاثاء 1 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اختيار الوطن

اختيار الوطن

ترددت قليلا قبل التوجه إلى مقر وزارة الثقافة بالزمالك، مايو 2013؛ فأنا الوافد حديثًا من عالم الإخوان، وكنت لا أزال أحمل فى عقلى وتكوينى الثقافى رواسب خرافات الماضي، وأجد صعوبة فى الاندماج بأوساط المثقفين. مسألة استمرت سنوات قبل تفتيت خرافات الإسلام السياسى التى أسرت عقلى سنوات الطفولة والشباب. بيد أن خوفى من خطر الإخوان كان دافعًا للتقدم والمشاركة فى اعتصام نفذه المثقفون ضد حكومة مكتب الإرشاد؛ رافضين تعيين وزيرًا للثقافة انتهك فكرتها من الأساس معتبرًا فن الباليه والرقص وغيرهما من الفنون مسألة غير مهمة، نتيجة لذلك الاعتقاد شاهدت للمرة الأولى رقص باليه على الرصيف أمام وزارة الثقافة، أقف مشدوهًا أمام ذلك العالم الذى حرمت منه لسنوات، المسألة التى اضطرتنى لخوض معركة مع ذلك الماضى المتشبث بعقلي، معركة فعلية لم يكن كافيًا معها مجرد الدراسة والقراءة والالتصاق بمهرجانات السينما والأدب والمسرح، بل استلزمت زيارات عديدة لمعالجتى النفسية التى اكتشفت معها خطورة ما يضعه الإخوان من أفكار مشوهة فى عقول الأطفال والمراهقين؛ يصنعون من خلالها جنودًا للتنظيم وليس أبناءً لوطن!



شكلت ثورة 30 يونيو واعتصام المثقفين نقطة التحول الأبرز فى تكوينى الثقافي، بل ورؤيتى للحياة؛ فأنا المنشق الذى ينظر إليه الناس باعتباره فقرة يضعونها فى برامجهم للحديث عن خطورة الإخوان، المسألة التى ابتذلها بعضهم فتحولت وكأنها فقرة فى سيرك للترفيه عن المشاهدين، لكن أحدًا لم يضع فى الاعتبار حجم العراك المشتعل داخل ذلك الشاب الذى تبدل عقله فجأة، فغير عقيدته وأصبح يعرف أن هناك وطنًا لا يعرف الطوائف والجماعات، وأن هناك شعبًا وليس مجرد أسرة وشعبة، وأن هناك هوية ثقافية وليس مجرد أدعية ومأثورات كتبها حسن البنا.

تألمت كثيرًا منذ اللحظة الأولى التى ابتعدت فيها عن الإخوان، وامتد الألم لسنوات من البحث عن أول طريق الحقيقة، لا أقول العثور على الحقيقة، فهى مسألة صعبة المنال، لكن مجرد وضع قدم على أول الطريق. هنا أعد ثورة 30 يونيو هى اللحظة الأهم فى تلك الرحلة، والتى بدأت بذلك اليوم الذى قضيته على سلالم وزارة الثقافة فى مقرها القديم بحى الزمالك، وقد عجزت عن إيجاد ولو موضع قدم داخل المبنى الممتلئ بالمثقفين ورجالات الأدب والفن، من كل الاتجاهات والأعمار. فى تلك اللحظة وجدت موضع قدم على واحد من سلالم الوزارة، والذى قضيت عليه ليلتى بصحبة القاص أسامة أمين والشاعر أحمد سراج، منشغلين بتلك الأخبار الواردة عن محاولة اقتحام عناصر الإخوان للمبنى. كنا فى مقدمة المبنى نفترش السلالم، وكنت حديث عهد بمثل تلك التجمعات، ولا أنفى عنى مشاعر الخوف من ذلك الضيف غير المرغوب فيه وأنا أنتظر عناصر الإخوان القادمين لفض الاعتصام، لكنها مخاوف تبددت أمام وطن أكبر داس بأقدام أبنائه على مخططات الإخوان. 

أقول إنه فى تلك اللحظة التى أصبح فيها الاختيار مسألة حتمية تأكدت مشاعري، وعرفت أن طريق الوطن هو الملاذ، وأن خيانات الإخوان يجب أن تقف، وأن من افترشوا سلالم وزارة الثقافة ليلا ينتظرون عناصر التنظيم بصدور عارية هم أشد صدقًا وإخلاصًا من أعضاء تنظيمات الإسلام السياسى التى لا تمثل أوطانًا ولا حضارات، والتى لا ترى الحياة إلا المنظور التكفيرى وتجهيل المجتمعات!