شيخ الصيادين فى بورسعيد
عم محمد: أعمل منذ 60 عامًا فى صيد «أم الخلول»

بورسعيد - أيمن عبدالهادى
على رمال شاطئ بورسعيد الساخنة، يقف محمد الغيطانى منحنيًا على عصاه المعدنية، يجرّها بيدين كبرتا على المهنة، وظهرٍ انحنى من عمرٍ قضاه فى مواجهة الأمواج والرمال، لم يكن الصيد هنا رحلة بحرية ولا مغامرة بشبكة، بل صبر ممتد فى مواجهة الطبيعة، بحثًا عن رزقٍ اسمه «أم الخلول»، ذلك الكائن الصغير الذى يسكن جوف الأرض لا قلب البحر.
محمد، 73 عامًا، يعرفه الجميع على الشاطئ بلقب «شيخ الصيادين»، لكنه لا يملك قاربًا، ولا يعرف التقنيات الحديثة، فقط «الحديدة» و«الغزل» وذاكرة مزدحمة بالحكايات، يحكى: «أنا باشتغل فى الصيد ده من وأنا عندى 12 سنة.. كنت بنزل مع أبويا نجرّ الحديدة ونحرث الرمل زى الفلاح بالضبط، وأستنى أم الخلول تدخل الشبك».
«يبدأ عملى مع طلوع الشمس، أسير وسط المياه حتى خصرى، أجرّ الحديدة عشرات المرات فى اليوم الواحد، والنتيجة..ساعات عمل تمتد 12 ساعة للحصول على كيلو واحد»، قال ذلك بابتسامة حزينة وعرق يسيل على جبينه.
«الغيطانى»، تابع: «كانت أم الخلول رزقًا وفيرًا، وكانت المهنة مصدر فخر لعشرات الصيادين من أبناء المدينة، أما اليوم، فلم يتبق سوى القليل، كنا بنشتغل كتير ونكسب.. دلوقتى المهنة اندثرت، واللى فاضلين فيها يتعدّوا على صوابع الإيد، ورغم قسوة المهنة، لم أتركها يومًا، ولم أطلب دعمًا ولا تأمينًا ولا معونة، كل ما أرجوه أن تبقى المهنة حية»، مضيفًا: «نفسى الجهات المعنية تدرّب الشباب على الشغلانة، وتوفّر أدوات بسيطة تساعدهم، بدل ما نموت وإحنا آخر من اشتغلها».
فى عيون محمد الغيطانى، لا ترى الغضب، بل الحنين، ليس غاضبًا من قسوة البحر ولا تجاهل الجهات المختلفة، بل مشفق على مهنةٍ تموت بصمت، وعلى مدينةٍ تنسى أن بعض أبنائها ما زالوا يحصدون أرزاقهم بأيديهم من رمال الشاطئ.
ربما لا يعرف كثيرون معنى «أم الخلول»، لكنهم لو رأوا محمد الغيطانى يخرج من الماء فى نهاية يوم شاق، حاملًا كيلو واحدًا بعد 12 ساعة، لفهموا أن البحر ليس دائمًا مصدر أسماك، بل أحيانًا مسرح لحكايات البشر.