حزْم الأمن يصفع «حسْم» الإرهابية

محمود محرم ومصطفى أمين
فى لحظة فارقة تكشف عن اليقظة الأمنية الصلبة، وجهت وزارة الداخلية المصرية ضربة موجعة لحركة «حسم» الإرهابية، الذراع المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين، بعدما تمكنت الأجهزة الأمنية من إحباط مخطط تخريبى جديد كان يستهدف زعزعة أمن الوطن وسلامة المواطنين.
جاءت هذه العملية لتؤكد من جديد أن الدولة المصرية، بقيادتها الواعية وبُنيتها الأمنية المتماسكة، لا تزال عصيّة على الكسر، وأن معركتها ضد الإرهاب والتطرف ماضية بكل حسم وقوة.
هذا التحرك الحاسم لم يكن مجرد إنجاز أمنى عابر، بل اعتبره عدد من الخبراء الأمنيين بمثابة رسالة رد قوية على محاولات جماعة الإخوان الإرهابية المستمرة لاختراق أمن الدولة، وإرباك مؤسساتها عبر عمليات إرهابية، تمول وتدار من الخارج.
كما حذر الخبراء من أن هذه العملية تكشف عن أن التنظيم الإخوانى الإرهابى لم يختفِ بل يُعيد تموضعه فى لحظات التوتر الإقليمى، وهذا يتطلب منّا جميعًا– مؤسسات وأفرادًا– ألا نتراخى فى مقاومة هذا الفكر، سواء على المستوى الأمنى أو الإعلامى أو الثقافى، فلا مواجهة مع الإرهاب بلا حصانة فكرية مجتمعية حقيقية.
يأس التنظيم يعيد إنتاج نفسه
الخبير فى شئون الجماعات المتطرفة والإرهاب، حسام الحداد، أشار إلى أن حركة «حسم» التى تُعرف باسم «سواعد مصر»، واحدة من أبرز التنظيمات المسلحة المنبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين، وقد ظهرت عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة عام 2013، واتخذت من العنف وسيلة مباشرة للضغط على الدولة المصرية، ونفذت بالفعل عمليات استهدفت شخصيات أمنية وقضائية.
وأوضح الحداد أن وراء تأسيس وتمويل هذه الحركة قيادات هاربة، من أبرزهم يحيى موسى وعلاء السماحى، ويُدار نشاطها حاليًا من الخارج، وتحديدًا من تركيا والبرازيل.
ومنذ عام 2019، شهد نشاط «حسم» تراجعًا ملحوظًا، قبل أن تعود للواجهة مجددًا فى يوليو 2025 من خلال فيديو تدريبى تضمن تهديدات مباشرة بعمليات إرهابية جديدة.
وأكد الحداد أن عودة «حسم» ليست دليل قوة، بل انعكاس ليأس سياسى وأيديولوجى داخل الجماعة الأم، فالمخطط الذى تم إحباطه فى منطقة بولاق، لم يكن سوى صدى لمحاولات سابقة فاشلة لم تحقق مكاسب سياسية أو شعبية. بل على العكس، زادت الجماعة عزلة داخل المجتمع المصرى.
اختيار منطقة شعبية مثل بولاق، المعروفة باكتظاظها السكانى، لتنفيذ مثل هذا المخطط، يحمل دلالة خطيرة على ازدراء هذه الجماعات لأرواح المدنيين.
فبينما تتحدث قياداتهم من الخارج عن «التمكين» و«العدالة»، فإنهم فى الواقع يزرعون الموت وسط الأبرياء.
لا مواجهة دون وعى
الحداد شدد على أن ظهور الجماعة مجددًا فى هذه اللحظة الإقليمية الحرجة يعكس محاولات إعادة التموضع فى ظل توتر سياسى واسع، وهذا يتطلب من الجميع– مؤسسات وأفرادًا– عدم التراخى فى مواجهة هذا الفكر الهدّام، أمنيًا وثقافيًا وإعلاميًا، لأن المواجهة مع الإرهاب لا يمكن أن تكتمل دون حصانة فكرية مجتمعية حقيقية.
جذور العنف
من جانبه، أكد الباحث عمرو فاروق، المتخصص فى شئون الجماعات المتطرفة، أن هذه العملية تعكس محاولة لإعادة الدور الوظيفى لجماعة الإخوان، عبر إعادة إنتاج صورة ذهنية بأن الحركة لا تزال قادرة على المواجهة المسلحة.
وأشار إلى أن هناك أهدافًا متعددة خلف هذا التحرك، منها تشتيت جهود الأجهزة الأمنية، وإرباك المشهد الداخلى بفتح جبهات متعددة وبث الرعب، والزعم بوجود مواجهة قائمة بين الدولة والتنظيمات الأصولية، بما يخلق حالة من التوتر تؤثر سلبيًا على الاستقرار الاقتصادى والاستثمارى فى البلاد.
كما نبه إلى أن الجماعة تحاول عبر هذه التحركات تحفيز الخلايا النائمة، واستغلال أى قصور داخلى فى محاولة الضغط على القيادة السياسية، لتمرير أفكار مثل «المصالحة» أو الإفراج عن قيادات مكتب الإرشاد، كبديل لعودة العمليات المسلحة.
وأوضح فاروق أن حركة «حسم» تُعد تجسيدًا مباشرًا لأفكار حسن البنا وسيد قطب، وهى امتداد للتنظيم السرى المسلح الذى أسسه البنا فى أربعينيات القرن الماضى.
ولفت إلى أن أدبيات الحركة المسلحة تستند على مجموعة من الدراسات الفكرية التى أصدرتها الهيئة الشرعية للجماعة عقب سقوطها، مثل دراسة «فقه الاختبار والمحنة»، و«فقه المقاومة الشعبية»، و«كشف الشبهات»، و«رد الاعتداء على الحركة الإسلامية»، وهى الوثيقة التى كتبها سيد قطب ودعا فيها إلى هدم الدولة المدنية.
صفعة قاسية للممولين
طارق البشبيشى، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، اعتبر نجاح وزارة الداخلية فى القضاء على خلية «حسم» بمثابة صفعة قوية لجماعة الإخوان ومن يقف وراءها من أجهزة استخبارات دولية تمول وتوجه هذه الجماعات لأغراض معادية للدولة المصرية.
وأوضح البشبيشى أن العملية الأمنية تكشف عن قدرة الجماعة– رغم الضربات المتتالية التى تلقتها– على تهريب عناصرها إلى داخل مصر، ما يدل على وجود بقايا نشطة فى الداخل تسعى لاستغلال ما تبقى من قواعد التنظيم، سواء من خلال «أسر الجماعة» أو «قواعد الريف والصعيد».
وأشار إلى أن الجماعة لم تعد تمتلك أوراق ضغط حقيقية داخل مصر، وكلما ازداد الاستقرار، زاد يأسهم وانهارت قدرتهم على التأثير، ما يدفعهم إلى الارتماء فى أحضان مخابرات إقليمية ودولية تسعى لتصفية حساباتها مع الدولة المصرية، خاصة فيما يتعلق بمواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، ورفضها لأى مشاريع لتهجير أهل غزة إلى سيناء.
وختم البشبيشى حديثه بقوله: «نحمد الله على يقظة أجهزتنا الأمنية، التى تبادر ولا تنتظر، وتضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن وطننا. حفظ الله مصر وخاب سعى كل متآمر.»
دولة يقظة
أما الباحث فى شئون الحركات الإرهابية هشام النجار، فأكد أن هذه العملية دليل قاطع على إخلاص وكفاءة أجهزة الدولة المصرية، التى لا تزال عازمة على اقتلاع جذور الإرهاب من أرضها.
وأشار إلى أن تنظيم «حسم» الإرهابى يتم تمويله من الخارج، وأن ما جرى يثبت أن جماعة الإخوان ماضية فى خيانتها، وتعمل كأداة فى يد قوى خارجية تسعى لهدم الدولة المصرية من الداخل.
وشدد النجار على أن الأموال التى تُنفق على تدريب وتسليح هذه الخلايا تأتى من جهات معروفة، هدفها إحياء تنظيم الإخوان وتوظيفه مجددًا لأجندات تخدم أطرافًا معادية، ولا تمت بصلة لمصالح الشعوب أو قضايا الأمة.