الأربعاء 6 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مليـون أســـرة فى انتظار «تنسيق المستقبل»

 بدأ موسم تنسيق الجامعات 2025، وسط ترقب وتخوف أكثر من مليون أسرة مصرية، يستعد أبناؤهم من مختلف الشهادات للالتحاق بالمؤسسات التعليمية المختلفة التابعة لوزارة التعليم العالى، التى تبدأ من مرحلة اختيار التخصص وامتحانات القدرات وصولًا إلى الاستقرار على الجامعة والكلية التى سيلتحقون بها.



المرحلة الأولى لتنسيق قبول طلاب الثانوية العامة للنظامين «القديم والحديث»، بدأت بتسجيل الطلاب لرغباتهم من خلال مواقع التنسيق الإلكترونى، والتى تستمر حتى السبت الموافق 2 أغسطس المقبل، ومن المنتظر أن يتم إعلان نتيجة تنسيق المرحلة الأولى فى منتصف الأسبوع المقبل.

إحصاءات وزارة التربية والتعليم حول نتيجة الثانوية العامة 2024/2025، كشفت عن بلوغ نسبة النجاح العامة فى النظام الجديد لـ79.2%، مقابل 72.7% فى النظام القديم، إذ تقدم للامتحانات بالنظامين 785.099 طالبًا وطالبة، حضر منهم 728.892، ونجح 574.347، بينما بلغ عدد الراسبين 154.545، مما يعنى أن وزارة التعليم العالى ستبدأ خلال الأيام القادمة وخلال المرحلتين الأولى والثانية لتنسيق القبول بالجامعات فى توزيع أكثر من 570 ألف طالب ناجح فى الثانوية العامة، بينما تضم المرحلة الثالثة للتنسيق الطلاب الناجحين فى الدور الثانى والحاصلين على الحدود الدنيا الأقل.

كما سيقوم مكتب التنسيق، بتوزيع ما يقرب من 500 ألف طالب من الدبلومات الفنية الناجحين على الجامعات، إذ نجح فى الدور الأول 595.848 طالبًا وطالبة، فى حين بلغ عدد الطلاب الذين يحق لهم دخول امتحانات الدور الثانى 204.761 طالبًا «بنسبة 24.22%»، وتكتمل الصورة بتوزيع طلاب الشهادات المعادلة العربية والأجنبية المتقدمين للالتحاق بالجامعات الحكومية، البالغ متوسط أعدادهم نحو 15 ألف طالب وطالبة، بجانب طلاب الثانوية الأزهرية، مما يعنى أن مكتب التنسيق سيقوم بتوزيع أكثر من مليون طالب وطالبة من مختلف الشهادات الثانوية العامة ومدارس المتفوقين فى العلوم والتكنولوجيا، والنيل الدولية، والشهادات المعادلة العربية والأجنبية والفنية والأزهرية.

القمة فى كل مكان

«روزاليوسف»، قامت بسؤال عدد من الخبراء حول القضية التنسيق الشائكة التى يعانيها الطلاب وأولياء الأمور مع نهاية العام الدراسى كل عام، إذ لا يزال المجتمع يعانى نظرة كلاسيكية تقليدية حول اختيار التخصصات داخل الجامعات المصرية، وهى بعيدة كل البعد عن التطورات العالمية، والميول الشخصى للطالب، فنجد أنفسنا أمام مسمى كليات «الصفوة» أو «القمة»، التى أصبحت عبئًا على الطالب والأسرة.

الدكتور تامر شوقى، الخبير التربوى، يرى أن مصطلح كليات الصفوة أصبح جزءًا من الإرث الثقافى فى المجتمع المصرى الذى يمتد لعشرات السنوات، فهناك اعتقاد بوجود كليات قمة فى كل شعبة تشمل مثلًا الطب والصيدلة وغيرها فى العلمى علوم، والهندسة والتخطيط العمرانى وغيرها فى الرياضيات، والألسن والاقتصاد والعلوم السياسية وغيرها فى شعبة الأدبى.

«شوقى»، أوضح أن ارتباط هذا الاعتقاد بفكرة أن تلك الكليات كانت فى وقت ما تقدم خريجين يحتاج إليهم سوق العمل، ومع التقدم والتطور تغيرت المتطلبات لم يعد الكثير من التخصصات بتلك الكليات قادرة على إعداد خريجين لديهم القدرة على تلبية احتياجات السوق المعاصر، وبالطبع من الصعب تغيير هذا الاعتقاد بين يوم وليلة.

الانصياع لرغبة الأهل

وعن العوامل التى تجعل الطالب يتنازل عن رغبته أمام ضغط الأهل أو المجتمع، أكد «الخبير التربوى»، أن هناك العديد من العوامل التى تتسبب فى ذلك، منها صغر عمر الطالب وعدم قدرته على اتخاذ قراره المستقل، وميل الطالب إلى الانصياع لرغبة الأهل حتى لا يتحمل وحده مسئولية حدوث أى إخفاق دراسى، فضلًا عن تهديدات الأهل له فى حالة عدم اختيار الكلية التى يرغبونها له.

وحول المعايير الصحيحة التى يجب أن يعتمد عليها الطالب لاختيار تخصصه الجامعى، قال «شوقى»: «هى المعايير التى تتوافق مع ميوله واهتماماته، وكذلك تناسب قدراته العقلية والتحصيلية، وتناسبها مع احتياجات سوق العمل الحديثة، وأن يكون التخصص الذى يرغبه مطلوبًا فى أسواق العمل سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية، مع البعد عن التخصصات التقليدية التى تعج بآلاف الخريجين دون وجود فرص عمل حقيقية».

«الخبير التربوى»، لفت كذلك إلى أنه يوجد عدد من اختبارات الميول سواء الدراسية أو المهنية والتى تقيس بشكل علمى دقيق أنماط الدراسة أو المهن التى يميل إليها كل طالب، مما يجنب الطالب الهدر فى الوقت والجهد الذى ينفقه، إذا اختار تخصصات لا تلائم ميوله، وللأسف لا يوجد تطبيق حقيقى لتلك الاختبارات نتيجة عدة أسباب منها، التكلفة الضخمة لتطبيقها، وقلة عدد الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين الذين لديهم مهارات تطبيقها، وإن كان من الممكن حل تلك الإشكاليات من خلال تطبيق تلك الاختبارات بشكل إلكترونى.

ووفق تصريحاته، أضاف «شوقى» أنه لابد من تحقيق الترابط بين رغبات وميول الطلاب من ناحية، والكليات أو التخصصات التى فى حدود مجموعه من ناحية أخرى، واختيار من كل كلية التخصص الأقرب إلى ميول الطالب واهتماماته، مطالبًا بحملات توعية إعلامية للآباء بأن احتياجات سوق العمل فى العصر الحالى اختلفت عن الماضى، وتوضيح أمثلة بآلاف الخريجين من كليات القمة لم يجدوا فرص عمل حقيقية وآلاف الخريجين من كليات عادية التحقوا بفرض عمل متميزة، بجانب العمل على تنمية مهارات الطالب الشخصية فى مجالات التخصص والرقمنة والذكاء الاصطناعى واللغات الأجنبية، وتوفير فرص لتدريب الطالب أثناء الدراسة على مجالات عمل مرتبطة بتخصصه.

رغبات تناسب القدرات

الدكتور جودة غانم، رئيس قطاع التعليم، المشرف على مكتب التنسيق، وجه عدة نصائح للطلاب، أبرزها «التركيز على الرغبات التى تتناسب مع القدرات، بحيث لا يجب استغلال المجموع الكلى للالتحاق بكليات القمة فقط، لكن الأهم هو اختيار التخصص الذى يمكن للطالب التفوق فيه، هذا بجانب التعرف على التخصصات المطلوبة فى سوق العمل، الذى أصبح اليوم يبحث عن المتميزين فى تخصصات محددة، مثل الذكاء الاصطناعى، وعلوم البيانات، والطاقات المتجددة، وليس فقط الطب والهندسة».

أكثر من خطة

أما الدكتور عاصم حجازى، أستاذ علم النفس التربوى المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، فأطلق مجموعة من النصائح المهمة لطلاب الثانوية العامة بعد إعلان الحدود الدنيا للمرحلة الأولى من تنسيق الجامعات، داعيًا إياهم إلى التفكير بخطط متعددة ومرنة وعدم ربط أحلامهم بتخصص واحد فقط، قائلًا: «عليك أن تضع أكثر من خطة بديلة، أثناء التنسيق ولا تحصر أحلامك فى مسار دراسى واحد، بل ضع تصورًا للنجاح فى كل خيار ممكن، وإبدأ من الآن فى التفكير فى كل خطة بوصفها وسيلة لتحقيق الذات، لا مجرد وسيلة للالتحاق بالجامعة».

«حجازى»، شدد على ضرورة التمييز بين الميول الحقيقية والميول المؤقتة، فكثير من الطلاب يتأثرون فى هذه المرحلة بآراء الأقارب أو الأصدقاء حول تخصصات معينة، مما يكون لديهم ميولًا غير أصيلة وسرعان ما تتغير لاحقًا، مؤكدًا أن القدرات هى العنصر الحاسم فى النجاح، وليس مجرد الميل الشخصى فى التنسيق، موضحًا أن الميول لا قيمة لها إذا لم تكن مدعومة بالقدرة، فاختر تخصصك بعقلك لا بعاطفتك، واطلع جيدًا على متطلبات الدراسة فى الكلية التى ترغب بها، وفرص العمل المتاحة لها، ومدى توافقها مع قدراتك الفعلية.

الميول وحدها لا تكفى

أستاذ علم النفس التربوى، أوضح أن التنسيق يفتح أبوابه وميولك وحدها لا تكفى، متسائلًا «كيف تحدد تخصصك الجامعى؟، هل التنسيق ومعرفة المميزات أم قراءة نتيجة الثانوية العامة بوعى وموضوعية التى تساعد الطالب على تحديد نقاط قوته؟، «هل تتميز فى اللغات أم فى الرياضيات أم فى التفكير العلمى؟، هذه المؤشرات ضرورية لتحديد مسارك المناسب».

نصائح «حجازى»، اختتمها قائلًا: «كن مرنًا عند تسجيل الرغبات، وإذا لم توفق فى خطتك الأولى، ابدأ فورًا بتنفيذ خطتك الثانية، ابنٍ حياتك الجديدة على أساس من العقلانية والتخطيط، وكن متفائلًا دائمًا، فكل طريق قد يكون فرصة إذا أحسنت استغلاله».

اختبار مجانى للقدرات

فى سياق متصل، أطلق صندوق تطوير التعليم التابع لرئاسة مجلس الوزراء، اختبارات التوجيه والإرشاد الأكاديمى والمهنى لخريجى المرحلتين الإعدادية والثانوية، لمساعدتهم فى اختيار أفضل المسارات التعليمية بما يتوافق مع مهاراتهم وميولهم وقدراتهم، وبما يسهم فى تحقيق أعلى معدلات النجاح والاستقرار فى التعليم الثانوى والجامعى وسوق العمل بعد التخرج، وتأتى هذه الخطوة ضمن مشروع «المركز المصرى للاختبارات» أحد مشروعات الصندوق، وتقدم هذه الاختبارات بشكل مجانى بالكامل للطلاب.

الدكتورة رشا سعد شرف، الأمين العام لصندوق تطوير التعليم، أكدت أن الاختبارات الجديدة تمثل أداة علمية فعالة لاكتشاف قدرات وميول الطلاب وتوجيههم نحو المسارات الأنسب لهم قبل إعلان التنسيق، مشيرة إلى أن نتيجة الاختبار تعد مرشدًا للطالب وليست ملزمة وتمنحه صورة أوضح عن مستقبله الأكاديمى والمهنى، موضحة أن القسم الأول من الاختبار وهو «أساليب التفكير» يتضمن 63 عبارة مخصصة لتحديد أبرز أسلوب تفكير يتمتع به الطالب، وتستغرق الإجابة عنه 20 دقيقة، بينما يركز القسم الثانى على «الميول المهنية» من خلال 54 عبارة تساعد فى التعرف على المهن الأكثر ارتباطًا بشخصية الطالب ويستغرق هذا الجزء أيضًا 20 دقيقة.

«شرف»، أشارت إلى أن القسم الثالث والأخير من الاختبار وهو «القدرات العقلية» يتضمن 80 سؤالًا متنوعًا لقياس 8 قدرات عقلية مختلفة بهدف تحديد القدرة العقلية الأقوى لدى كل طالب وتستغرق الإجابة عن هذا الجزء 60 دقيقة ليصبح إجمالى مدة الاختبار 100 دقيقة تُجرى مرة واحدة فقط لكل طالب بشكل مجانى تمامًا.

من جانبه، أوضح الدكتور محمود سلامة، مدير المركز المصرى للاختبارات، أن نتيجة الاختبار يتم إرسالها للطالب خلال 48 ساعة من أدائه، وتحتوى على أربعة عناصر رئيسية، هى أبرز أسلوب تفكير لدى الطالب، والميل المهنى الأكثر ارتباطًا بشخصيته، وأعلى قدرتين عقليتين يتمتع بهما، إضافة إلى ترشيح مسار أكاديمى ومهنى أو أكثر وفقًا لتحليل النتائج.

«سلامة»، أضاف: «أن تصميم الاختبار جاء بعد مراجعة علمية دقيقة لأدوات القياس التربوى والنفسى المعتمدة دوليًا»، موضحًا أن محتوى الاختبار تم تطويره ليتناسب مع البيئة الثقافية والتعليمية فى مصر ويراعى الفروق الفردية بين الطلاب بهدف الوصول إلى توصيات دقيقة وفعالة لكل حالة على حدة، ويحرص المركز على أن تكون تجربة أداء الاختبار سهلة وآمنة وسلسة للطلاب».