الناجون من بئر الإدمان
سائقو النقل الثقيل يتحدثون إلى «روزاليوسف» عن رحلة التعافى: هذه رحلتنا من الغيبوبة إلى الحياة الطبيعية.. حكايات وتجارب مؤلمة على ألسنة من قالوا «لا»

عبد الوكيل أبوالقاسم
خلف عجلة القيادة، يجلس سائقو النقل الثقيل «التريلات»، يقودون سياراتهم فى ظلمات الليل وبين الجبال، بعضهم يعمل بشرف، وآخرون ظنوا أن تعاطى مواد مخدرة كالحشيش أو الأفيون و«الترامادول»، يمنحهم القدرة على مواصلة العمل أو التركيز فى الطريق، لكن الحقيقة أنها تحولهم لمشاريع «قتلة»، وتعرض حياتهم للخطر فالكثير من حوادث الطرق تقع نتيجة سقوط السائقين فى مصيدة «الإدمان»، إلا أن البعض منهم تمرد على وضعه، وقرر خوض معركة «التعافي»، وانتصر فيها، ليبدأ حياة جديدة، حول فيها لحظات الألم لـ «أمل»، «روزاليوسف» التقت العديد من سائقى النقل الناجين من بئرالإدمان، ليرووا معركة الإرادة والعودة من لحظات غياب الوعى والمخاطر إلى اليقظة والأمل فى غدٍ أفضل ويقدمون نصائحهم لأقرانهم الذين سقطوا فى ظلمات الإدمان وكيف تمكنوا من الإفلات من هذا المستنقع؟ لعل غيرهم يلحق بهم.
محمد عبدالله «أصدقاء السوء أضاعوا نصف عمرى»

«البداية سهلة ولم أتوقع إدمان المخدرات»، بتلك الكلمات، بدأ محمد عبدالله، سائق نقل، الذى يبلغ ٣٣ عامًا، من محافظة المنيا، يروى قصته المأساوية مع تعاطى المخدرات: «دخلت عالم الإدمان وأنا عندى ١٥ سنة، وفى الإعدادية صاحبت ناس أكبر منى فى العمر وشربت معاهم سجاير وتطور الموضوع وبدأت أشرب معاهم سجاير محشية بانجو وحشيش، وأدمنت النوعين وأصبح شيئًا أساسيًا فى حياتي، وتطور الموضوع حتى بدأت أتعاطى أنواع برشام مختلفة رغبة فى التجربة مثل ما يفعله الآخرون دون وعى».. وتابع: «ضاع نصف عمرى فى الإدمان وعندما وصلت لمرحلة سيئة، فكنت اتجول فى الشوارع دون التيشرت والحذاء، وتحولت نظرات الجيران وأهلى لى على أنى شخص سىء، وكانوا يخافون منى لأننى تحت تاثير المخدرات وتصدر منى أفعال وأنا لست فى وعيى، وعقب تدهور حالتى فى الثانوية العامة تركتها والتحقت بدبلوم صناعة، وبعدها اشتغلت سائق نقل وكنت فاكر إن البرشام والمخدرات هيخلونى أشتغل أكتر وأجيب فلوس أكتر، لكن الحقيقة أن كل اللى بكسبه كنت بصرفه على المخدرات، من غير أى فايدة».. وعن رحلة علاجه، أكد أنها بدأت عندما كان يرى دائمًا رقم «16023» على إعلانات صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، واستطعت التخلى تماما عن التعاطى وأدعو كل متعاطى لبدء رحلة العلاج فورًا.
جمال سيد «كنت أقود الشاحنة دون وعى 18عامًا.. وتعرضت للموت»

عاش جمال سيد زهرى، سائق النقل الثقيل، البالغ من العمر 31 عامًا، سنوات محاصرًا فى دائرة الإدمان، لم يكن وحده فى هذا الطريق، بل كان مثل مئات السائقين الذين قادتهم ظروف العمل القاسية إلى البحث عن الوهم المؤقت فى الحبوب المخدرة، قائلًا: «بدأت أتناول الترامادول لكى يمكننى أن أواصل القيادة لأن المسافات طويلة والحمولات ثقيلة، وقيادة التريللا أصعب، والعمل لا يحتمل النوم أو الراحة، فكنت بقدر أطبق 3 أيام ورا بعض من غير نوم، فبدأت قصتى مع الإدمان منذ أن عزم زميلى عليّا بقرص، وبعدها استمريت أتعاطى لأكثر من 18 عامًا من عمرى فى الإدمان». يضيف جمال رحلة التعافى بدأت عندما «تعرضت للموت، ومنذ تلك اللحظة شاهدت إعلانا لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان على الطريق، فتواصلت مع الخط الساخن، ووجدت ترحابا واستجابة ودعما، فهى لم تكن رحلة علاج سهلة، لكنها كانت ضرورية، وتطلبت أن أخوضها بشجاعة وإصرار، وبدعم من أطباء ومتخصصين تمكنت من التغلب على الإدمان، لأعود إلى حياتى سليمًا، وأكثر وعيًا وقوة».. واختتم بقوله: بحذر زمايلى من نفس الطريق اللى كنت ماشى فيه لأن الإدمان بداية النهاية.
الدولة تتصدى بحزمة إجراءات وحملات وبرامج توعوية

«لم يقتصر دور الدولة على برامج التوعية بأضرار تعاطى المواد المخدرة فقط»، هذا ما أكده الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، منوهًا إلى أنه تم اتخاذ برامج عدة فى المكافحة ومطاردة تجارتها فى مصر، من خلال الجهات المختصة، إضافة إلى البرامج التوعوية التى تصل إلى جميع أنحاء الجمهورية وتستهدف جميع الفئات، إلى جانب إجراء تحاليل المخدرات للسائقين فى حملات مفاجأة على الطرق، وعندما تتقدم لوظيفة، وعندما تذهب إلى ادارات المرور لاستخراج أو تجديد رخصة القيادة، تتعرض أيضًا للتحاليل، ناهيك عن تقديم الخدمات العلاجية المجانية للمرضى فى مراكز العزيمة لعلاج الإدمان.
عثمان، قال إنه تم إطلاق حملة تحت عنوان «المخدرات مش هتضيعك لوحدك» تستهدف رفع وعى السائقين بخطورة تعاطى المواد المخدرة، وشهدت تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بلغ عدد مشاهدات الإعلان على الصفحة الرسمية للصندوق «فيسبوك» 11 مليونًا مشاهدة ونحو 9000 شير منذ إطلاقها، ما يؤكد تأثير الحملة فى رفع الوعى بخطورة تعاطى المواد المخدرة وتوفير العلاج المجانى من خلال مراكز العزيمة التابعة لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، إذ يتم توفير خدمات العلاج والدعم النفسى والتأهيل الاجتماعى لمرضى الإدمان مجانًا وفى سرية تامة بالتوازى مع تكثيف جهود حملات الكشف عن تعاطى المواد المخدرة على السائقين بالطرق السريعة، واتخاذ الإجراءات القانونية بتهمة القيادة تحت تأثير المخدر وفقًا لقانون المرور.
وعن الخط الساخن لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى رقم «16023»، أشار إلى أنه تلقى أكثر من 620 اتصالًا هاتفيًا من سائقين لطلب العلاج من الإدمان، ويتم توفير جميع الخدمات العلاجية لهم مجانًا ودون أى مساءلة قانونية، طالما أن السائق تقدم طواعية للعلاج وقبل خضوعه لحملات الكشف على الطرق السريعة، ومن دون ذلك يتم اتخاذ الإجراءات القانونية، وإحالته إلى النيابة العامة بتهمة القيادة تحت تأثير المواد المخدرة.
وحول دور الصندوق فى حماية السائقين، أوضح أن الصندوق مستمر فى تنفيذ أنشطة توعوية فى المواقف العمومية على مستوى محافظات الجمهورية لرفع وعى السائقين بخطورة تعاطى المواد المخدرة وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن تعاطى وإدمان المواد المخدرة، واتخاذ الإجراءات القانونية بتهمة القيادة تحت تأثير المخدر وفقًا لقانون المرور، حيث تستهدف الحملة توعية السائقين فى المواقف العمومية والميادين العامة بخطورة التعاطي.
وبشأن الخدمات العلاجية التى تم تقديمها، أكد مدير الصندوق، أنه تم تقديم الخدمات العلاجية خلال النصف الأول من عام 2025 لـ 71 ألفا و673 مريضًا من أبناء المناطق المطورة بديلة العشوائيات «الأسمرات ـ المحروسة ـ روضة السودان ـ روضة السيدة ـ أهالينا ـ الخيالة ـ بشاير الخير ـ حدائق أكتوبر»، وتنوعت الخدمات ما بين مكالمات للمتابعة والمشورة والعلاج والتأهيل والدمج المجتمعى.
محمد حسن 7 سنوات من الدمار.. و«العزيمة» طوق النجاة

مثل كثيرين غيره من سائقى النقل الثقيل، سقط محمد حسن فى بئر الإدمان، وتحدث عن تجربته المؤلمة قائلا: «كنت عايش كأنى ميت، 7 سنين فى البيت، لا شغل ولا هدف، كل يوم كنت بضيع أكتر، حتى فقدت نفسي، وعزلتنى المخدرات عن الدنيا بحالها».. محمد البالغ 37 عاما متزوج وأب لطفلين، يضيف بحسرة: «إدمانى بدأ بسلوكيات الطفولة التى كان أظنها رجولة، فقلّدت شباب الشارع بسيجارة ومطواة فى الجيب، وبمرور الوقت، كبر بداخلى شعور الزيف والفراغ، وزادت حاجتى للتعاطى وجرّبت حاجات كتير بداية من البانجو والحشيش ووصلت لتعاطى البودرة والشابو».
وحول رحلة التعافى من إدمان المخدرات، قال: «جربت فى البداية مراكز علاج خاصة، بس للأسف كانت فنادق مش مراكز تعافي وتابع: «مركز العزيمة فى بورسعيد، كان البداية للتعافى، قضيت 80 يومًا فى برنامج علاجى مكثف وبفضل من ربنا تحملت، وأدركت أن العلاج مش دواء بس، بل احتواء.
تامر عبدالسلام الإدمان نهايته مأساوية.. والحل الوحيد العلاج
كمئات الشباب الذين وقعوا فى بئر الإدمان، وقع تامر عبدالسلام البالغ من العمر ٤٢ سنة سائق أتوبيس ركاب، واستمر فى التعاطى لأكثر من ٢٠ عامًا، لكن بالعزيمة وقوة الإرادة تمكن من التخلص من الإدمان، إذ أن رحلته بدأت وهو ابن 18 عامًا بتعاطيه البانجو والحشيش وختمها بالأيس، وهى المرحلة الأخيرة، حيث تغيرت حياته بشكل كبير وأهمل أسرته وتزايدت المشاكل، لكن زوجته وقفت إلى جانبه وساعدته وأقنعته بالعلاج.
وعن أصعب المواقف التى تعرض لها تامر، يقول: «كنت فى طريق القاهرة الإسكندرية وتفاجأت بحملة تحليل المخدرات، وقتها تركت السيارة وهربت من الحملة، هذا بخلاف الحوادث التى تعرضت لها، وكنت أسوق دون وعى وتحت تأثير المخدرات، وبفضل ربنا قدرت أعود إلى حياتى مرة أخرى بعد مرحلة العلاج من خلال مراكز العزيمة لعلاج الإدمان»، ووجه رسالة إلى كل شاب يتعاطى المخدرات: «الإدمان نهايته مأساوية والحل الوحيد العلاج».
محمد محمود اللى مش ناوى يبطل نهايته معروفة.. الموت أو السجن

استطاع محمد محمود، سائق نقل ثقيل «تريلا»، البالغ من العمر ٤٦ عامًا، التخلى نهائيًا عن تعاطى المخدرات، وذلك بعد أن قضى ما يقرب من ٢٠ عامًا تعاطى خلالها أنواعا كثيرة من المواد المخدرة، قائلًا: «الحمد لله بقالى 6 أشهر لم أتعاط المواد المخدرة، وذلك بفضل ربنا ومركز العزيمة، كنت بخاف من التحاليل والعلاج وكنت رافض ذلك تمامًا، لكن بجهد الفريق الطبى والمختصين النفسيين الذين كانوا يتابعونى على مدار اليوم تمكنت من الخروج من الإدمان والعودة إلى حياتى الطبيعية، خاصة أن مراحل العلاج والدعم داخل المراكز ناجحة بشكل كبير»، موجهًا رسالة لكل الشباب المدمنين: «طريق الإدمان نهايته معروفه: يا موت يا سجن ودى مش مبالغة، ده واقع شفته بعينى».. وعن بداية التعاطي، قال: «أصدقاء السوء شجعونى أجرب، وفعلًا جربت، ومن وقتها اتحبست جوة الدايرة»، وكنت بشرب علشان أركّز، وأقدر أسوق لمسافات طويلة من غير ما أنام، بس الحقيقة إنى كنت بدمر نفسى، ومش فاهم إن كل جرعة كنت باخدها كانت بتقربنى من نهاية سودة، وبجد كل سنة بتعدى كنت حاسس إنى ميت وأنا عايش».
محمد عبدالمنعم: «حياتى تدمرت.. فأقلعت عن تعاطى السموم بعد 21عامًا»

لم تختلف قصة محمد عبدالمنعم سائق تاكسى، البالغ من العمر ٤٨ عامًا، عن الكثير من الذين يتعاطون المخدرات، لكنه نجح فى أن يعود إلى الحياة الطبيعية بعد تعاطيه للمخدرات لمدة 21 عاما، قائلًا: «توقفت عن المخدرات منذ 5 سنوات، لأن حياتى كانت مدمرة تمامًا».
وتابع: «كنت دائمًا بسوق التاكسى تحت تأثير المخدرات التى أدمنتها وأنا عندى ٢٠ سنة، وكنت بمشى بالعربية وأنا مش شايف قدامي، لكن بالعزيمة ومساعدة أسرتى تمكنت من الخروج من الأزمة وعدت للحياة بشكل طبيعى، خاصة بعد أن تركت عملى لقيادتى دون وعى، وتعرضت لحادث كبير كنت سأفقد حياتى حيث تغيبت عن الوعى واصطدمت بسيارة نقل وانقلبت سيارتى». محمد قال: «شعرت بعد هذا الحادث أنى أمام طريقين كلاهما أسوء من الآخر إما الموت أو السجن، فقررت التوقف عن التعاطي، وكانت البداية صعبة، لكن بمساعدة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان استطعت من خلال الاتصال أن أحجز موعدا، وتم قبولى وتحويلى إلى مركز العزيمة فى محافظة المنيا وتم علاجى وخروجى بعد أن تعافيت تمامًا.