السبت 9 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تحالف «الشيطان» بين الصهيونية والإخـوان

قد يظن البعض أن جماعة «الإخوان المسلمين» والمشروع الصهيونى على طرفى نقيض، أو أن العداء الظاهر بينهما يعكس اختلافًا جذريًا فى المبادئ والغايات، لكن الحقيقة التى تتجلى عند التأمل العميق تكشف عن أن نشأة الإخوان والصهيونية من جذر واحد، وأن من أطلق المشروع الصهيونى هو ذاته من غرس بذور الإخوان، وأن حسن البنا لم يكن إلا ظلًا لتلك الأفكار الصهيونية فى ثوب إسلامى، يتحدث العربية ويستهدف العقول من الداخل.



الصهيونية قامت على وهم «شعب الله المختار»، والإخوان قاموا على وهم «الفرقة الناجية»، وكلتاهما تستند إلى تفسير انتقائى للنصوص الدينية، وتؤمن بأفضلية جماعة على سائر البشر، وبحقها الإلهى فى الحكم والتسلط، فالصهيونى يرى أن الأرض كلها ميراث سماوى لبنى إسرائيل، والإخوانى يرى أن الأرض كلها يجب أن تخضع لحكم «الخليفة»، حتى وإن جاء هذا على حساب الأوطان والدماء.

ذلك التشابه بين الصهيونية والإخوان ليس فكريًا فقط، بل يمتد إلى من يقف خلف الستار، فكما أن الصهيونية ظهرت بدعم بريطانى فى أواخر القرن الـ 19 لترسيخ مشروعها فى فلسطين، فإن الإخوان تأسسوا فى عام 1928، فى أحضان الحماية البريطانية فى مصر، وتحت عين سلطات الاحتلال الإنجليزى، ولم يكن هذا مصادفة، حيث أرادت القوى الاستعمارية أداة لتفتيت الشعوب من الداخل، تمامًا كما صنعت الصهيونية لتقسيم الشرق من الخارج.

من هنا، جاء حسن البنا ليؤدى الدور بدقة، وكتب البنا ونظر لقيام «الدولة الإسلامية العالمية» بلا وطن ولا حدود، تمامًا كما كتب هرتزل عن «الدولة اليهودية» بلا احترام للهويات الوطنية، وكلاهما استند إلى فكرة «الحكم باسم الإله»، وتجاهلا الإنسان، والمواطن، والحرية، وليس غريبًا أن نرى الإخوان دومًا يلتقون مع الصهيونية، فى ضرب الدول الوطنية، وتشويه الجيوش، ونشر الفوضى، وإعادة إنتاج الدين فى شكل أيديولوجى متشدد يخدم المصالح الكبرى، فما لم تقدر عليه الصهيونية بالقوة المسلحة، سعى الإخوان لتحقيقه بالخطاب الدينى المسموم والتنظيم السرى المتغلغل.

عدد من الخبراء أكدوا فى تصريحات لـ «روز اليوسف» أن التشابه بين الإخوان والصهيونية لا يمكن إنكاره، بل هو تكامل فى الأدوار لا يمكن تجاهله، فمن يولد من رحم نفس الغاية، لا بد أن يلتقى فى الطريق، وإن اختلفت اللافتات، مشيرين إلى أنه لا مانع لدى أبناء البنا من التقرب لتل أبيب «نِكاية» فى الدولة المصرية، لأن هدف الإخوانية والصهيونية «إذابة» الهوية الوطنية والقومية العربية لتتحول الجماعة الإرهابية إلى «حصان طروادة» الصهيونى الساعى إلى ضرب استقرار دول المنطقة.

مختار نوح، الباحث المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية، شدد على أن العلاقة بين جماعة الإخوان والصهيونية، امتداد لفكر مشترك ومنطق فكرى واحد، يختلف فقط فى الأسلوب والتكتيك، منوهًا إلى أن كلا المشروعين– الإخوانى والصهيونى– يسعى إلى هدف واحد لصالح مشروع أوسع يخدم مصالح كل طرف على طريقته.

نوح أشار إلى أن الإخوان لا يؤمنون بالوطن، ولا يعترفون بالهوية الوطنية، بل يعتبرون العقيدة الدينية هى الجنسية الوحيدة للمسلم، وهو ما عبّر عنه سيد قطب حين طور مفاهيم حسن البنا فى قالب يجعل من «عقيدة المسلم» بديلًا عن «أرضه ووطنه»، وبالتالى يصبح الانتماء للوطن لا قيمة له أمام الولاء للتنظيم وهذا المفهوم لا يختلف كثيرًا عن الفكر الصهيونى لكنه– على عكس الإخوان– يظهر تمسكًا شكليًا بالوطن والانتماء له، فقد يحافظ الصهيونى على وطنه من أجل مصلحته، أما الإخوانى فمستعد لأن يضحى بالوطن والهوية والناس فى سبيل مصلحة الجماعةـ على حد وصفه ـ ما يجعل الإخوان، أكثر همجية، رغم أن المرجعية الفكرية واحدة، والهدف النهائى مشترك ويتمثل فى تفكيك الدولة الوطنية.

وانتقد موقف جماعة الإخوان من فكرة «العقيدة الإبراهيمية»، التى تهدف إلى تذويب الفوارق بين الإسلام والمسيحية واليهودية لصالح مشروع «سياسى– دينى» يقوده الغرب والصهيونية، منوهًا إلى أن القرضاوى– أحد كبار رموز الجماعة– أعلن فى لقاء موثق مع حاخامات يهود أن «اليهود أقرب إليهم من المسيحيين»، ضاربًا بذلك عرض الحائط بالآيات القرآنية التى تصرح بأن «أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود»، بينما وصف المسيحيين بأنهم «أقربهم مودة»، لافتًا إلى أن الكنيسة الشرقية، ممثلة فى قداسة البابا شنودة سابقا، والبابا تواضروس حاليًا، رفضت هذه العقيدة بوضوح، كما رفضها الأزهر الشريف باعتبارها خروجًا عن العقيدة الصحيحة، فى حين لم يصدر من جماعة الإخوان أى موقف واضح، ما يؤكد تورطها فى تبنى المفهوم الإبراهيمى خدمة لمشروع الصهيونية العالمية.

أيضًا، أكد حسام الحداد، الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، أن المشروع الإخوانى يتماهى مع الصهيونية العالمية فى العديد من الوجوه وأن وقوف أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، حاملين العلم الإسرائيلى، لم يكن مجرد سقطة سياسية أو موقف عابر، بل لحظة فارقة كشفت عن عمق التشابه بين المشروع الإخوانى والأصولية الصهيونية، فكلا المشروعين يتغذى على مفهوم «الاختيار الإلهى»، والاصطفاء الدينى، واستخدام الدين لتبرير الهيمنة والتمدد السياسى.

وحول الفكر الصهيونى، لفت الحداد إلى أنه يرتكز على أسطورة «شعب الله المختار»، وهى نفس الفكرة التى تتبناها الجماعة الإخوانية تحت شعار «نحن جماعة المسلمين»، بما يوحى أن من ليس إخوانيًا ليس مسلمًا كاملًا وهذا الإقصاء للآخر، سواء كان دينيًا أو سياسيًا، هو حجر الأساس فى بنية التفكير الأصولى لدى الطرفين كما تحول الدين اليهودى فى المشروع الصهيونى إلى أداة سياسية لتبرير الاستيطان وتهويد الأرض، كما حوّل الإخوان الدين الإسلامى إلى مشروع سياسى لا يهدف إلى إقامة الشريعة بقدر ما يسعى للسيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع، فالدين هنا لا يستخدم كقيمة روحية، بل كسلاح دعائى وأداة تعبئة.

الحداد، شدد على أن الصهيونية لا تعترف بالدولة، بل تسعى لتفكيكها، والإخوان أيضًا لا يؤمنون بالدولة الوطنية الحديثة، بل يطرحون نموذج «الخلافة» كبديل، ما يجعلهم فى خصومة مستمرة مع مفاهيم السيادة والدستور والقانون المدنى، ويدفعهم إلى التآمر على أوطانهم، كما فى موقفهم من مصر وأن التحالفات البراجماتية التى تعقدها الصهيونية مع الأنظمة الغربية، حتى مع من يعادى الدين اليهودى نفسه، تتكرر بحذافيرها فى الخطاب الإخوانى؛ إذ لا مانع لدى الجماعة من التقرب من تل أبيب نفسها إن كان ذلك سيحقق لها «نكاية» فى خصومها السياسيين، كما رأينا فى مظاهرتهم هُناك.

أما طارق البشبيشى، الباحث المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية، فأكد أن جماعة الإخوان منذ تأسيسها لعبت دورًا خطيرًا فى تفتيت الهوية الوطنية العربية، وكانت أداة لتفكيك وحدة المجتمعات، مشيرًا إلى أن العلاقة بين الجماعة والمشروع الصهيونى ليست مجرد تقاطع مصالح، بل شراكة فى تفكيك الوعى القومى وتشتيت الانتماء الوطنى.

وفيما يخص ولادة الجماعة، قال البشبيشى: إن الإخوان ولدت برعاية بريطانية فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، فى ظل صعود حركات التحرر القومى التى أزعجت الاستعمار البريطانى والفرنسى فى المنطقة، لكن بريطانيا قرأت التاريخ العربى جيدًا، وعلمت أن الدين يمكن استخدامه كأداة لإضعاف الدولة الوطنية، فأنشأت جماعة الإخوان كوسيلة لضرب فكرة الوطن لحساب شعارات فضفاضة عن «الخلافة والشريعة».

وانتقد البشبيشى، تصريحات حسن البنا مؤسس الجماعة، حيث كان له تصريحات تثير الريبة، منها تلميحاته فى بعض خطاباته ومراسلاته التى شجعت الفلسطينيين على ترك أراضيهم بحجة أنهم سيعودون بعد قيام الدولة الإسلامية، ودعوته لليهود العرب للهجرة إلى أرض فلسطين، بما يتسق مع أهداف المشروع الصهيونى فى تهويد الأرض، مشددًا على أن جماعة الإخوان باتت تمثل «حصان طروادة» الذى يستخدمه الغرب والصهيونية العالمية لضرب استقرار دول المنطقة، وأن معركتنا معهم لم تكن يومًا خلافًا فكريًا فحسب، بل معركة وجود تتعلق بالحفاظ على هوية أوطاننا واستقلال قرارها الوطنى.

هشام النجار، الباحث المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية، وصف العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والصهيونية بأنها علاقة وظيفية بُنيت على أهداف استعمارية مشتركة، تقود إلى إذابة الهوية العربية وتفكيك النسيج الوطنى لحساب مشروع صهيونى توسعى فى المنطقة، مؤكدًا أن تأسيس جماعة الإخوان فى عام 1928، جاء برعاية مباشرة من بريطانيا، وهى نفس الدولة التى منحت وعد بلفور وأسست الكيان الصهيونى فى فلسطين، وكان الهدف من زرع الإخوان داخل الدولة المصرية هو تفكيكها من الداخل وبث أفكار تقسيمية تؤدى إلى انقسام المجتمع المصرى على أسس دينية ومذهبية، كما فعلت إسرائيل بتقسيم الجغرافيا العربية وفصل مصر عن الشام.

كذلك، أوضح أن جماعة الإخوان لم تكن يومًا كيانًا وطنيًا نابعًا من رحم المجتمع المصرى، بل كانت أداة استعمارية نسجت خيوطها فى غرف المخابرات البريطانية، تمامًا كما نسج وعد بلفور، وكما صممت خارطة إسرائيل على مقاس المصالح الاستعمارية، مؤكدًا أن بريطانيا التى زرعت إسرائيل فى قلب فلسطين، هى نفسها من زرعت الإخوان فى قلب مصر، بهدف تفكيك وحدة الدولة المصرية وإضعاف نسيجها الاجتماعى، ومنع أى مشروع لوحدة عربية شاملة، خاصة بين مصر ودول الشام وكانت بريطانيا بحاجة إلى كيانين متكاملين لخدمة مشروعها فى الشرق الأوسط، موضحًا أن «إسرائيل كانت تهدف لقطع التواصل الجغرافى والسياسى بين مصر وسوريا ولبنان وفلسطين، بينما الإخوان كُلّفوا بتفكيك الداخل المصرى عبر خطاب دينى تقسيمى يعيد تعريف الإسلام وفق أجندة حزبية تخدم أهداف الخارج.

ولعل أخطر الأدلة، كما يقول النجار، ما فعله حسن البنا، مؤسس الجماعة، حين أمر أتباعه بوقف القتال فى فلسطين، وجههم لتنفيذ عمليات تفجير واغتيالات داخل مصر، تحت الشعار المعروف: «الطريق إلى القدس يبدأ من القاهرة»، منوهًا إلى أن هذا الشعار فى حقيقته ترجمة حرفية لخطة صهيونية تهدف إلى إضعاف الدول العربية من الداخل، بحجة تحرير القدس، بينما العدو الحقيقى يواصل التمدد.

الدكتور سعيد محمد، الباحث الفلسطينى المتخصص فى الشئون الإسرائيلية، قال: إن تتبع مسار الحركة الإسلامية فى الداخل الفلسطينى يكشف عن أوجه تشابه مثيرة للانتباه مع المشروع الصهيونى، سواء فى الأسلوب أو فى الأهداف الضمنية، رغم ما يبدو من اختلاف ظاهر فى الشعارات، حيث تأسست الحركة الإسلامية داخل أراضى 48 بدعوى إحياء الهوية الإسلامية وتعزيز الانتماء الوطنى، لكنها سرعان ما انقسمت إلى جناحين؛ أحدهما اختار العمل من داخل المنظومة الصهيونية عبر المشاركة فى انتخابات الكنيست، والآخر– وهو الجناح الشمالى بقيادة الشيخ رائد صلاح– تبنى خطابًا تعبويًا يرفع شعار «الأقصى فى خطر»، مستخدمًا الدين كأداة للحشد الجماهيرى دون تقديم مشروع سياسى وطنى شامل.

الأخطر من ذلك، بحسب سعيد، «مشاركة بعض نشطاء الحركة مؤخرًا فى مظاهرات تحت العلم الإسرائيلى أمام السفارة المصرية بتل أبيب، مطالبين بفتح معبر رفح، رغم أن الجانب المحتل هو إسرائيل وهذا الحراك لا يوجه الغضب نحو الاحتلال، بل يصدره إلى أطراف عربية، ما يحقق هدفًا صهيونيًا خفيًا بتشتيت البوصلة الوطنية».