الأستاذ

سهام حلوة
فى «روزاليوسف» كان حضوره يشبه الحبر حين يلامس الورق يترك أثره فورا، ولا يبهت مع الزمن.. عبدالله كمال لم يكن مجرد رئيس تحرير لمجلة أسبوعية وجريدة يومية، كان أستاذا بمعنى الكلمة، يعرف كيف يحول المهنة إلى شغف، والشغف إلى رسالة، والرسالة إلى استشراف مستقبل قادم، فبعينيه الثاقبتين وقلمه الحاد استطاع أن يقرأ الواقع ويتخطى بكلماته حدود الزمن، علم تلاميذه أن الكلمة مسئولية قبل أن تكون خبرا، كان صوته الحازم ونصائحه الذهبية يرافقان كل محرر شاب، يفتح أمامه أسرار «الصنعة»، ترك أثره فى مقالاته كما تركه فى النفوس ليبقى اسمه محفورا فى ذاكرة الصحافة المصرية والعربية كأحد روادها ومعلميها الكبار.
كانت رحلة عبدالله كمال التى انتهت على الأرض فى 13 يونيو عام 2014 قصيرة، لكن السيرة والمسيرة مستمرة، فهو القائل: «ماذا أملك من حطام الدنيا؟ لا شىء سوى كلماتى»، كلمات جمعها من عشقه وولعه بالقراءة فى سن صغيرة مع المرحلة الابتدائية، حيث اعتاد أن يزور مكتبة صغيرة تعج بآلاف الكتب المستعملة بجوار منزله فى حى الظاهر، فكان يأخذ 5 قروش مصروفه ولا يذهب لركوب الدراجة أو شراء الحلوى كباقى الأطفال، إنما يذهب لـ«عم عبده» ويعطيه قروشه الخمس ليتركه يتصفح ويذهب بخياله مع صفحات مجلد ميكى، وظل هكذا كل يوم إلى أن أنهى المرحلة الابتدائية وزاد مصروفه الذى سمح له أن يشترى مجلد ميكى ويحتفظ به معه، وبدأت رحلة القلم والكتابة مع الأستاذ، والتى استحوذت على كل كيانه وغيرت مجرى حياته من ارتياد كلية الهندسة إلى دخول كلية الإعلام، وهو ما أشعل فتيل الأزمة بينه وبين والده الذى كان يتمنى دخول الابن الأكبر كلية الهندسة، ولكنه تنازل عن هذا الحلم مع إصرار ورغبة ابنه الذى كان ينتظره قدر أراده وتمناه.
ومنذ العام الأول فى الجامعة وهو يزداد شغفا وتعلقا بحلم حياته، فالشاب الطموح الذى تخرج فى كلية الإعلام جامعة القاهرة امتلك موهبة نادرة أهَّلته لأن يكون أحد أركان جيل النوابغ فى مجلة روزاليوسف، ليتولى بعدها رئاسة تحرير المجلة الأعرق، لكن طموحه المهنى كان أكبر، أراد أن يعيد مجدا ليصنع به مجدا، فأعاد تأسيس جريدة روزاليوسف اليومية بعد توقف دام حوالى سبعين عاما، فى أغسطس 2005، ويكمل المسيرة فى مهنة أفنى فيها عمره.
كانت للراحل معارك كثيرة، كشف وفضح من خلالها فكر جماعة الإخوان العدو للوطن، عندما نشر على روزاليوسف تصريح مرشد جماعة الإخوان الإرهابية بعنوان على 8 عمود وبلون أحمر «طظ فى مصر» ليهوى عرش الإخوان وينزع عنهم ورقة التوت ويكشف عورات أفكارهم أمام البسطاء أبناء الشعب والمخدوعين، بطريقة عرضته هو نفسه لتهديدات بالاغتيالات، ولكنه رفض تعيين حراسة شخصية مؤمنا بأن العمر واحد والرب واحد.. إنه الكاتب الوحيد الذى رسم طريقا جديدا أصبح يتشرف الكثيرون بالانتماء إليه بل وتكرار أفكاره وتصريحاته، طريق الثبات على الموقف دول تلون، والقفز من المركب إذا ثقبت، ففاز باحترام منافسيه، وأعدائه. رحم الله الأستاذ والمعلم عبدالله كمال.